
قامت مؤسسة الأبحاث الاقتصادية BMI Fitch Solutions بمراجعة طفيفة لتوقعاتها لنمو الاقتصاد المغربي لعام 2025، حيث خفضت التقدير من 5.0 إلى 4.8 بالمائة، وذلك عقب تسجيل الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 3.7 بالمائة على أساس سنوي خلال الربع الرابع من عام 2024، وهو ما جاء أقل من التوقعات بسبب تباطؤ في القطاعات غير الفلاحية.
لمياء جباري
قال تقرير لمؤسسة الأبحاث الاقتصادية BMI Fitch Solutions إنه رغم التراجع الطفيف، في الاقتصاد المغربي، يُتوقع أن يمثل عام 2025 تسارعاً ملحوظاً مقارنة بنمو قدره 3.2 بالمائة في عام 2024، مدعوماً بزيادة الطلب المحلي، وانتعاش الاستثمارات وتحسن نسبي في القطاع الزراعي. ومن المرتقب أن يتسارع النمو الاقتصادي في عام 2026 ليبلغ 5.5 بالمائة، مدفوعاً بتعافي الإنتاج الفلاحي، ما سيوفر دعماً إضافياً للنشاط الاقتصادي المحلي ويخفف الضغط على الميزان التجاري.
ضعف في الزراعة.. وقوة في البناء والإدارة
أظهرت بيانات المندوبية السامية للتخطيط، الصادرة في 31 مارس، أن القطاع الزراعي كان الأسوأ أداءً خلال الربع الرابع من 2024، حيث انكمش بنسبة 4.9 بالمائة للسنة الرابعة على التوالي، بسبب استمرار الجفاف. فيما تباطأ نمو الإنتاج الصناعي بشكل حاد من 7.5 بالمائة في الربع الثالث إلى 3.7 بالمائة في الربع الرابع، نتيجة قاعدة إحصائية مرتفعة وتراجع في إنتاج السيارات.
في المقابل، ظل قطاع البناء مزدهراً مسجلاً نمواً بنسبة 7.0 بالمائة، في حين شهد قطاع الإدارة العامة نمواً متزايداً من 3.7 إلى 3.9 بالمائة، مدعوماً بسياسات مالية توسعية تنتهجها الحكومة.
الطلب المحلي والاستثمار يقودان النمو
على الرغم من المراجعة النزولية، لا تزال التوقعات للنمو في 2025 أعلى من تقديرات الحكومة المغربية (3.8 بالمائة) ومتوسط التوقعات السوقية (3.9 بالمائة). ويتوقع أن يشهد الاقتصاد تسارعاً في الأشهر المقبلة، مدعوماً بتحسن ميزان التجارة والطلب الداخلي. ورغم الارتفاع الأخير في الأسعار خلال شهر رمضان نتيجة زيادة أسعار المواد الغذائية، من المتوقع أن يظل التضخم تحت السيطرة في 2025، مع تراجع أسعار السلع الأساسية عالمياً وتحسن تدريجي في إمدادات الغذاء المحلية.
من جهة أخرى ستستفيد تحويلات المغتربين من انتعاش النشاط الاقتصادي في أوروبا، وستعزز الزيادة المرتقبة في الإنفاق الحكومي على الأجور ورفع الحد الأدنى للأجور دخول الأسر. هذه الديناميات مجتمعةً ستدفع نحو ارتفاع في الإنفاق الاستهلاكي الخاص، المتوقع أن ينمو بنسبة 4.1 بالمائة في 2025 مقابل 3.2 بالمائة في 2024، مساهماً بنحو 2.2 نقطة مئوية في النمو الكلي.
وحسب التقرير سيظل الاستثمار الثابت محركاً أساسياً للاقتصاد، ومن المتوقع أن يضيف 2.2 نقطة مئوية إلى نمو الناتج المحلي في 2025. وتُرتقب خطوات تيسيرية من بنك المغرب، تشمل خفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس إلى 2.00 بالمائة بنهاية 2025، عقب خفض مماثل في مارس و50 نقطة في 2024، مما سيساهم في الحفاظ على تكاليف اقتراض منخفضة.
ويُتوقع، كذلك، أن تظل تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر قوية، بعد نموها بنسبة 55.4 بالمائة في 2024، سيما في قطاعات السيارات، الطيران والطاقة المتجددة، مدفوعة بموقع المغرب الاستراتيجي وتحضيراته لاستضافة كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال.
السياسة المالية التوسعية تدعم الإنفاق العام
سيؤدي التوسع المالي إلى زيادة الإنفاق الحكومي في 2025، حيث يُتوقع ارتفاع كبير في النفقات الجارية غير المرتبطة بالفوائد. وسيتم تمويل هذه الزيادة من خلال تعزيز الموارد المحلية ودعم خارجي من صندوق النقد الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي، الذي وافق في أكتوبر 2024 على قرض بقيمة 500 مليون يورو.
وكنتيجة لذلك، يُتوقع نمو استهلاك الحكومة بنسبة 2.6 بالمائة في 2025، مساهماً بـ0.5 نقطة مئوية في النمو الإجمالي. ورغم أن الإنتاج الفلاحي قد يكون بلغ القاع في 2024، إلا أن التعافي سيكون تدريجياً، ما سيُبقي على الضغط على سوق العمل الحضري نتيجة استمرار الهجرة من القرى.
وهذا قد يُشكل عائقاً طفيفاً أمام الاستهلاك المحلي في العام المقبل، إلا أن الزيادة المتوقعة في الإنتاج الغذائي ستخفف من الحاجة للاستيراد، مما يُساهم في تحسين الميزان التجاري. في عام 2026 يُتوقع تسارع وتيرة النمو إلى 5.5 بالمائة مع استمرار تعافي القطاع الزراعي، ما سيساهم في خفض البطالة وكبح تضخم أسعار الغذاء، مما سيعزز الاستهلاك المحلي. فضلا عن أن زيادة الاكتفاء الذاتي الفلاحي ستقلص الحاجة إلى الواردات، مع بقاء مساهمة صافي الصادرات إيجابية.
ومن شأن الاستثمارات المتواصلة استعداداً لاستضافة كأس العالم 2030 أن تواصل دفع عجلة النمو وتعزيز تكوين رأس المال.
Bas du formulaire
تعزيز التكيف مع المخاطر المناخية
أشار تقرير مؤسسة الأبحاث الاقتصادية BMI Fitch Solutions، في تحليله، إلى أن من شأن الدعم الممنوح للمغرب، في إطار «آلية المرونة والاستدامة»(RSF) ، أن يعزز قدرة المملكة على التكيف مع المخاطر المناخية، خصوصًا مشكلة ندرة المياه. ومعلوم أن المغرب استفاد أخيرًا من الشريحة الثالثة والأخيرة من هذه الآلية بقيمة 496 مليون دولار.
وبهذا التمويل، يصل مجموع المبالغ المصروفة إلى 1.24 مليار دولار (حوالي 0.7 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي)، أي أقل بنسبة 6.1 بالمائة فقط من مبلغ 1.32 مليار دولار الذي تمت الموافقة عليه مبدئيًا من طرف صندوق النقد الدولي سنة 2023. وتمكّن المغرب من الوصول إلى الغالبية العظمى من هذا التمويل عبر تنفيذ 16 إصلاحًا من أصل 17 منصوص عليها في الاتفاق.
وتُمثل الشريحة الثالثة (496 مليون دولار) حوالي 11.8 بالمائة من المبلغ المدرج في ميزانية 2025 المخصص للاستثمار العمومي في قطاع الماء والبنيات التحتية. وسيُخصص جزء من هذه الأموال لتمويل البرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب والسقي (PNAEPI 2020–2027)، والذي تُقدّر تكلفته بـ14.3 مليار دولار.
ويأتي هذا البرنامج في إطار المخطط الوطني للماء (PNE 2020–2050)، الذي يهدف إلى تعزيز الأمن المائي طويل الأمد من خلال الاستثمار في السدود، ومحطات تحلية المياه، وإعادة استخدام المياه وشبكات التوزيع.
وتُعد محطات التحلية وإعادة التدوير من المشاريع التي تستهلك الطاقة بشكل كبير، وسيتم دعمها، ضمن إطارRSF، عبر جهود الحكومة لتقليص واردات الطاقة من خلال تطوير مصادر الطاقة المتجددة.
ميزة تنافسية في شمال إفريقيا
في سياق إقليمي يتميز بزيادة التأثر بالتقلبات المناخية، ترى مؤسسة الأبحاث الاقتصادية BMI Fitch Solutions أن المغرب يتمتع بميزة تنافسية مقارنة بجيرانه في شمال إفريقيا، بفضل استقراره السياسي، ومستوى دينه العام الذي يُعتبر قابلاً للاستدامة ودينامية الإصلاحات التي يعرفها. وترى التحليلات أن من شأن آلية المرونة والاستدامة، إلى جانب تمويلات أخرى، مثل تمويل بنك الاستثمار الأوروبي (500 مليون يورو)، أن تعزز قدرة المغرب على التصدي للصدمات المرتبطة بالجفاف.
فضلًا عن ذلك، تُساهم آلية المرونة والاستدامة أيضًا في تقليص عجز الميزانية العامة. إذ تُوفر تمويلًا بشروط ميسّرة، من حيث آجال السداد الأطول وأسعار الفائدة الأفضل، مما يساعد على الحفاظ على الاستقرار المالي دون زيادة مفرطة في عبء خدمة الدين.
وعلاوة على ذلك، ينص الإصلاح رقم 8 على إدماج المخاطر المناخية في تحليلات استدامة الدين العام، مما يزيد من الوعي بالآثار المحتملة للتغير المناخي على المالية العمومية.
ويتضمن الإصلاح رقم 11، كذلك، إلغاء تدريجيا لدعم غاز البوتان، مما يُسهم في ضبط الإنفاق. وتأتي هذه الإصلاحات ضمن مساعي الحكومة لتعزيز التوازنات المالية، ويتوقع مكتب BMI أن يستمر العجز في الميزانية المغربية في الانخفاض.
إصلاح مناخي حساس
من بين الإصلاحات الـ17 المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، لم يُنفذ سوى واحد: فرض ضريبة كربون صريحة. وتشير Fitch Solutions إلى أنه من غير المرجح أن يتم تنفيذها في عام 2025 بسبب آثارها التضخمية والمخاطر الاجتماعية التي قد تترتب عنها.
ويُضاف إلى ذلك سياق يتميز بارتفاع مستمر للأسعار وتراجع القدرة الشرائية منذ صدمات التضخم في 2022 و2023. وتشير المعلومات إلى أن الحكومة بصدد إجراء مشاورات وتحليلات للأثر الاجتماعي لهذا الإجراء.
وفي تقريره، أشار صندوق النقد الدولي إلى أن «ضريبة الكربون لم يتم تنفيذها، لأن السلطات رأت ضرورة إجراء تحليل أكثر عمقًا بشأن أثرها، ومواصلة المشاورات مع الأطراف المعنية من القطاعين العام والخاص».
من جهة أخرى، تطرّق التحليل إلى آلية تعديل الكربون على الحدود (CBAM) التابعة للاتحاد الأوروبي، والتي ستدخل حيز التنفيذ الكامل في يناير 2026، وستُلزم المستوردين الأوروبيين بشراء شهادات تعويض عن انبعاثات الكربون المرتبطة ببعض المنتجات.
وبما أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأول للمغرب، حيث استوعب حوالي 63.5 بالمائة من صادرات المغرب في عام 2023، فقد يكون لهذا النظام تأثير محتمل. ومع ذلك يؤكد مكتب BMI أن تأثير هذه الضريبة الأوروبية سيكون محدودًا على حجم الصادرات المغربية، سيما أن 15 بالمائة فقط من المنتجات المشمولة بآلية CBAM يتم تصديرها حاليًا إلى الاتحاد الأوروبي.