شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

ألف تخميمة وتخميمة..

كل المؤشرات المالية والخطابات الرسمية والقوانين التي تمت المصادقة عليها بالبرلمان، تؤكد أن الدولة تتجه إلى إلغاء صندوق المقاصة وتحرير ما تبقى من مواد الدعم من (غاز البوتان، السكر، الدقيق)، وتستعيض عن ذلك بتنزيل السجل الاجتماعي والدعم المباشر للأسر الفقيرة، بالإضافة إلى برامج الحماية الاجتماعية في مجال الصحة والتعويض العائلي وحماية الشيخوخة.

مبدئيا ومنطقيا، لا أحد يمكن أن يقف ضد إعمال الحكامة في المال العام وإغلاق أنبوب الريع الذي ظل يستنزف المالية العمومية لعقود طويلة، ولا نظن أن أحدا يمكن أن يعارض قرار إلغاء الدعم بالطريقة التي يجري بها تدبيره اليوم، والتي تجعل الشركات الكبرى والمطاعم والفنادق والمقاهي والمخابز والفلاحين الكبار هم أكبر المستفيدين من المواد المدعمة الخاصة بالفقراء. وتزداد الحاجة إلى إعادة النظر في صندوق المقاصة في سياق صعب، يتسم أساسا بتداعيات الجائحة، والتوترات الدولية والمناخية على الاقتصاد الوطني.

لكن التوجس المشروع والطبيعي، الذي يخالج قلوب وعقول المغاربة، هو أن تعيد الحكومة ارتكاب الأخطاء نفسها، التي تم تسجيلها في قرار تحرير أسعار المحروقات الذي أقرته حكومة عبد الإله بنكيران، والذي خلف كوارث اجتماعية جعلت مؤسسات دستورية، على رأسها مجلس المنافسة، تعتبر إجراء التحرير بالطريقة التي تم بها خطأ فادحا، لأن الحكومة السابقة قامت بالتحرير دون اهتمام مسبق بالمكونات الرئيسة للنظام التنافسي، أي وجود حواجز قوية أمام ولوج السوق في مختلف مستوياته، ومستوى مرتفع للتركيز الاقتصادي في القطاع، وبنية احتكارية لبعض الأسواق، والأخطر من ذلك دون إقرار تدابير مواكبة لحماية المستهلكين، سيما في الأوضاع غير العادية.

لذلك لا نريد أن يتحول هذا المشروع الاجتماعي الاستراتيجي الذي يراهن عليه الجميع لبناء مغرب العدالة الاجتماعية، إلى كارثة وطنية مثيرة للقلاقل وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، ولا نريد أن يتحول هذا القرار إلى سيف قاطع لرأس الطبقة المتوسطة، فبقدر ما كانت هاته الطبقة مفخرة البلاد على مدى سنوات وضابطة للإيقاع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بقدر ما تحولت خلال السنوات العشر الأخيرة إلى علامة فشل الحكومات المتعاقبة، بعدما أخفقت في حمايتها وضمان استمراريتها، ما يفتح المجال أمام اختزال المجتمع في طبقتين، غنية غنى فاحش وفقيرة فقرا مدقعا.

ومن دون شك، فإن إجراءات التحرير وإلغاء صندوق المقاصة بالطريقة البشعة التي جرت في ظل الحكومة السابقة، سيؤديان إلى تآكل ما تبقى من هاته الطبقة إن لم نقل اندثارها إلى الأبد، خصوصا إذا صاحب قرار تحرير الأسعار، استمرار تقلص دور الدولة التدريجي في الصحة والتعليم، مما سيؤدي إلى تحمل هذه الطبقة أعباء مضاعفة، آنذاك سنعيش كل مظاهر اللاتوازن الاجتماعي، وانفجار الصراعات الطبقية الممكن تصورها.

لهذا على الحكومة أن تدرس جميع الاحتمالات والتداعيات، وأن تستغل كل الإمكانات وأن تراعي الإكراهات، وأن تختار الاستراتيجية المناسبة والإجراءات الضرورية، التي تجعل قرار إلغاء صندوق المقاصة مرضيا للجميع، ويحظى بالشرعية المجتمعية، وليس فقط قرارا همه الوحيد هو تخفيف الأعباء عن الميزانية العامة للدولة، وإلقاؤها على كاهل المواطن. وأكثر من ذلك فإن اتخاذ قرار التحرير الكامل للأسعار لا بد أن يتم في زمن مناسب غير السياق الذي نعيشه اليوم، حتى لا نضيف أزمة أخرى إلى أزمات قائمة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى