شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسيةوطنية

إجراءات تحتاج للتطبيق

أعلن رئيس الحكومة عن منشوره بخصوص إعداد مشروع القانون المالي لـ2023، لغة المنشور ومضامينه وبنيته المصرح بها والمستترة تحمل في طياتها قناعة ضمنية، بامتداد تأثيرات الأزمة المالية إلى السنة المقبلة، بل إن السيناريوهات المتداولة تُنبِئ بأن الأسوأ لم يأتِ بعد وأن الأزمة لم تصل إلى نقطة الذروة، لكن في المقابل شملت الرسالة التأطيرية عددا من مؤشرات الأمل والإجراءات الملموسة، لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية التي خنقت المغرب والعالم.

وبعيدا عن الانطباعية ولغة المعارضة النفسية التي لا يعجبها العجب حتى الصوم في شهر رجب، فإن الرسالة التوجيهية تضمنت جوانب قوة وجرأة تحتاج فقط إلى التنزيل الجريء كي لا تبقى حبرا على ورق، كما تركت وراءها مناطق رمادية في انتظار التوجهات الاستراتيجية للقانون المالي، التي ستعرض على الملك محمد السادس، خلال المجلس الوزاري المقبل.

وفي ما يتعلق بقوة عناصر الرسالة التوجيهية، فيمكن التمييز فيها بين التزامات استراتيجية عابرة للسنة المالية، وإجراءات ثانوية محدودة في السنة المالية وذات طابع رمزي، ومن المؤكد أن من أهم الالتزامات الاستراتيجية، التصريح العلني بانطلاق الخطوات الأولى للدعم المباشر للأسر مع 2023، وهذا ملف ظل راقدا في قاعة الانتظار لأكثر من ثلاث سنوات، بالإضافة إلى الالتزام بالتوقيع مع النقابات على ميثاق اجتماعي يتضمن تحسين أجور العاملين في القطاع العام والخاص، دون أن نغفل حزمة من الالتزامات المحددة بأرقام، والمرتبطة بقطاعات التعليم والصحة والتشغيل.

أما في ما يتعلق بالالتزامات ذات الطابع الظرفي، فإن الرسالة تضمنت توجيهات بوقف استنزاف المالية العمومية في مجالات لا تعود على المواطن وخزينة الدولة بالنفع العام، ومنها التقليص إلى أقصى حد من نفقات اقتناء السيارات وبناء وتهيئة المقرات الإدارية، وضرورة التخفيض من نفقات النقل والتنقل داخل المملكة وخارجها، وتقليص مصاريف الاستقبال وتنظيم الحفلات والمؤتمرات والندوات، وكذا نفقات الدراسات، وعقلنة النفقات المتعلقة بالاتصالات، وترشيد استعمال المياه، وتقليص نفقات استهلاك الكهرباء، عبر الحرص على استعمال الطاقات المتجددة بالإدارات العمومية، بالإضافة إلى التحكم في الأسعار ومحاربة التلاعب فيها، كما جاء في خطاب العرش الأخير. صحيح أنها إجراءات ظرفية ورمزية، لكنها ذات دلالة عميقة في ظل السياق الذي نعيشه، والذي يفرض على الحكومة اتخاذ ما يلزم من قرارات التقشف والتحكم في الإنفاق العمومي، خصوصا في ميزانية التسيير، قبل أن تطالب المواطن بتحمل بعض الأعباء التي تفرضها الأزمة.

وعلى المستوى الآخر، تضمنت الرسالة التوجيهية مناطق رمادية ربما تعالجها تفاصيل مشروع القانون المالي أو تتجاهلها، ولعل أكبر تلك المناطق الضبابية مساحة، فتتعلق بمصادر تمويل رزنامة الإجراءات المعلن عنها في ظل سنة مالية مقبلة مطبوعة باللايقين والتقلبات المالية والمناخية والجيواستراتيجية، فلا يمكن أن يكون للإجراءات المعلن عنها أي جدوى أو أثر على الأرض، دون وجود ضمانات مالية مضمونة. ثم ماذا عن التوجيهات والإجراءات الكبرى في مجال تحقيق الأمن الغذائي والطاقي والمائي؟ وكيف سيتم التعاطي مع التوظيف العمومي وأولوياته؟ وما هي المشاريع والمخططات الكبرى مخطط المغرب الأخضر وأليوتيس، التي سيتم إطلاقها ابتداء من السنة المقبلة؟ وغيرها من المناطق الرمادية التي تحتاج إلى إلقاء الضوء عليها.

المؤكد أن الرسالة التوجيهية المؤطرة للقانون المالي المقبل، قادرة على خلق مناخ الثقة والاستقرار الاجتماعي، والتخفيف من معاناة المواطن، لكن بشرط واحد ووحيد أن تؤتي أكلها على الأرض بالتطبيق السليم، وألا تبقى رسالة إنشائية بروتوكولية يوقعها رؤساء الحكومات في شهر يوليوز من كل سنة، دون أثر يذكر.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى