شوف تشوف

الرأيالرئيسية

إفريقيا الغارقة في الديون

159  مليار دولار أمريكي مبلغ خيالي. هذا الرقم يمثل مقدار ديون بعض الدول الإفريقية للصين سنة 2020، على مدار العشرين سنة السابقة.

أكبر دائن إفريقي للصين هي أنغولا، إذ اقترضت حكومتها، لوحدها، أزيد من 42 مليار دولار. فيما تدين إثيوبيا بـ13 مليارا وسبعمائة مليون دولار، تليها زامبيا بمبلغ قدره 9 ملايير وثمانمائة مليون دولار.

هذه الدول مجتمعة تعرف صعوبات كبيرة في أداء أقساط الديون والوفاء بالالتزامات المتعلقة بها.

الرئيس السابق للبنك الدولي، ديفيس مالباس، سبق له أن صرح معلقا على هذه الديون التي تربط الصين بالدول أعلاه، واصفا إياها بـ”الديون التي لا يمكن تحملها”، بل وذهب بعيدا عندما شكك في شفافية الشروط والأحكام المتعلقة بالعقود.

وحسب تقارير دولية، فإن زامبيا تخلفت عن سداد الأقساط، ولم تفلح محادثات إعادة جدولة هذه الديون في الخروج بأي نتيجة. هذه المحادثات جمعت حكومات الدول المعنية مع ممثلي البنوك الصينية -المملوكة للدولة- ورغم أن جلساتها كانت ماراثونية، إلا أنها لم تعرف سوى مطالبات بتمديد فترات السداد على القروض.

الخبراء، وعلى رأسهم الرئيس السابق للبنك الدولي، يؤكدون أن هذه الحكومات المعنية لا يمكنها أبدا سداد ديونها في ظل الأوضاع الداخلية التي تعرفها بلدانها من أزمات اقتصادية وسياسية بالإضافة إلى الصعوبات الطبيعية من جفاف وتراجع للموارد.

جيبوتي، مثلا، تدين للصين بما يعادل تقريبا نصف ناتجها المحلي الإجمالي، وهذا ما جعل المسؤولين في البلد يُعلنون أنهم سوف يُعلقون، إلى أجل غير مُسمى، سداد مليار ونصف مليار دولار من القروض الصينية.

المراقبون في معهد “تشاتام هاوس”، المعروف رسميا بـ”المعهد الملكي للشؤون الدولية”، الذي تأسس في بريطانيا سنة 1920، وجل أعضائه الآن أمريكيون، يرى أن أكبر عقبة أمام تحقيق إقلاع اقتصادي في هذه البلدان هي الديون الصينية المتراكمة. ومن جهة أخرى، يؤكد خبراء المعهد أن هذا الإقراض الصيني الضخم بات يشكل معضلة للصين، خصوصا في ظل صعوبات تحصيل واسترداد أموالها التي أنفقتها على مدى عشرين سنة في القارة الإفريقية.

ما يقلق هؤلاء الخبراء أن الصين تتخذ إجراءات أحادية بتوصيات من خبرائها المحليين، دون الرجوع إلى أي مؤسسة اقتصادية دولية.

مؤسسة أخرى، هي “مركز التنمية العالمية”، وهو مركز أبحاث مقره في واشنطن، حذر من أن نصف عمليات الإقراض الصينية للبلدان الإفريقية النامية لا يتم الإبلاغ عنها في قاعدة البيانات التابعة لإحصاءات الديون. أي أن مؤسسات اقتصادية عالمية كبرى لا تعلم بشأن هذه الديون الصينية للبلدان الإفريقية، ولا شروطها، إلا عندما يقع خلاف بين الصين وحكومات هذه الدول بشأن السداد واحترام آجال تسديد الأقساط.

المركز نفسه يقول إن الديون الصينية تعرف نسبة فائدة تفوق الديون الغربية بنسبة أربعة بالمئة، أي أنها تفوق نسبة البنك الدولي بأربعة أضعاف، لصالح الدول نفسها في الفترة الزمنية ذاتها.

سبق لعلماء مستقبليات ومتخصصين أن حذروا من أن ترهن القارة الإفريقية نفسها لصالح عقود الديون، إذ إن ثروات القارة الإفريقية، المنهوبة منها وغير المكشوفة، لا تزال موضوع سجال دولي كبير بين الاقتصاديين والسياسيين.

يحدث كل هذا في وقت يهجر مواطنون من دول جنوب الصحراء بلدانهم، هاربين من الحروب الأهلية والجفاف والمجاعات، ويأملون كل يوم في قطع البحر نحو القارة الأوروبية، تاركين خلفهم أوطانا غارقة في الديون. ولا أحد يعلم كيف تخطط حكوماتهم لسداد ديون تفوق بكثير ما تحققه هذه الدول من مداخيل سنوية. ولا يبقى أمامها من حل سوى رهن موانئها وأراضيها للدائنين لكي يستخلصوا ديونهم بأنفسهم. وهذا بالضبط ما عرّفه العلماء بالاستعمار الجديد. احتلال لا مكان فيه للسلاح ولا للجيش، وإنما فقط لقلم حبر ودفتر شيكات.

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى