شوف تشوف

الرأي

اسمعني.. ولا تتفلسف

لا أعرف أسباب الراحة النفسية والطمأنينة الروحية كلها، لكني متأكدة أن أهمها هو شخص يتقن الاستماع ويحسن الإصغاء، يجعلك تخرج من حالتك السيئة بأذنيه بعدما يقدمهما لك على طبق من الاهتمام والانتباه.. والتبسم.
هو كتلة من السعادة يمنحها لك فقط عندما يمتص كل قلقك بحسن إنصاته.. فيصبح وجوده في حياتك بمثابة ضرورة حتمية لإعانتك على هضبات القدر وحفره وانعراجاته.. قد تكون أما وقد يكون أبا وقد يكون صديقا أو حبيبا، وقد يكون شخصا لا تربط به صلة، هو فقط هنا ليصغي.. ويرحل!
إن أغلب مشاكلنا تنبثق من فشلنا في الاستماع، عدم قدرتنا على منح شخص آخر وقته الكافي لكي يحكي ويروي ويسرد ويتحدث ويشتكي وينهمر كسيل منغمر بمياه فصل شتاء طويل.. نمل، ونتعب، ونتأوه فنقفز على كل ما هو بصدد قوله، شاهرين بذلك حلا لكل معضلاته،.. تفضل عزيزي الحل هو أن تفعل كذا وكذا.. وانتهينا.
أصبح وقتنا لا يسمح حتى بأن نمنح من نحب راحة بث شكواه ودفن قلقه داخل مساحة الأمان التي قد نهديها له باهتمامنا وإنصاتنا له.
يأتيك صديق لم يرك منذ مدة يختارك من بين عشرات ويجلس أمامك، يقبل عليك بصدر مليء، يرغب في أن يجدك آذانا صاغية، يتمنى لو تمنحه الاهتمام الذي توليه لهاتفك، فهو عندما اختارك لتكون مصدرا للترويح عن صدره وعقله، لم يفعل ذلك لأنك عالم ذرة ستشير عليه بحلول عبقرية، ولا لأنك دكتور متخصص في التحليل النفسي ستخمن أعراضه النفسية وتكتب له الوصفة المطلوبة.. هو هنا فقط لأنه لمس فيك شيئا قد لا تعلمه أنت، جعله يرمي ثقله أمامك لعلك بانتباهك تخفف من وطأته.. فلا تتفلسف.. لا تعاتب.. لا تلم.. ولا تعظ.. فقط استمع!
والأجدر بالذكر أن أكثر الجنسين حاجة لأن يستمع لهم هن النساء، فالمرأة كائن كلامي عن جدارة واستحقاق، نحتاج فعلا لمن يستمع لنا.. يستمع وفقط، لا شيء آخر، يمنحنا اهتمامه كاملا حتى ننتهي، لا نطلب غير ذلك.. ينصت دون أن  يتدخل سلبا ولا إيجابا، يهدينا أذنيه لمدة من الزمن وينسى هو الزمن، ينسى أننا أخطأنا، ينسى أننا عثرنا ينسى أن ما نحكيه هو فشل ذريع أو فعل شنيع.. يستمع بكل جوارحه ملقيا أحكامه وأفكاره وراءه، لا يعدو أن يكون أذنين كبيرتين تأخذ كل ما لدينا لتمنحنا طمئنينة البوح!
تأتي علينا أيام وتذهب فلا نجد في داخلنا أفضل من ذكرى شخص كان لنا بمثابة مصفاة نمرر من خلالها أشجاننا فتلقي ما ذبل منها بعيدا وتحتفظ لنا فقط بما هو مشع، لطيف ومميز.. نذكره بابتسامة عظيمة، ابتسامة عرفان لأنه منحنا نعمة الاستماع والاهتمام.. دون إصدار حكم، أو تقديم وعظ وإرشاد.. أو توبيخ!
نحتاج أن نتكلم.. أن نتحدث.. أن نبوح.. وبالمقابل نحن ملزمون بأن نستمع.. ننصت.. نصغي.. نهتم.. ننتبه، أن نعتني بمن نحب بكل جوارحنا، من السمع حتى القلب!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى