شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

اصطدام روسيا بالأطلسي

خالد فتحي

مقالات ذات صلة

 

هناك تفصيل مختلف، بخصوص الأزمة الروسية الأوكرانية، غالبا ما يتم تجنب الحديث عنه. إذ كيفما كانت نتيجة الحرب، وسواء أدت إلى انتصار موسكو أو إلى هزيمتها، وسواء خرج حلف الأطلسي منتصرا أو انتهى مدحورا فاقدا لهيبته، ستشتعل المواجهة بين الحلف الأطلسي وروسيا. وسيكون الاصطدام المحتوم بين روسيا والأطلسي، ذاك هو القدر الذي لا مفر للعالم منه.

وإذا ما نظرنا إلى الفارق بين القوتين العسكريتين، سيبدو لنا النصر كما لو كان شبه مؤكد للجيش الروسي. فهو ماض في قضم التراب الأوكراني منطقة منطقة، وتأخره عن الحسم ليس سوى نتيجة لرغبته في تفادي مجازر وحشية، قد تثير حفيظة الرأي العام الدولي، وتنمي مشاعر العداء والكراهية في نفوس الأوكرانيين، وتزيد في حصار روسيا الاقتصادي.

في هذه الحالة الأكثر ترجيحا، والتي يفترض فيها أن تطيح روسيا بنظام كييف، ستصبح رؤوسها النووية على تخوم بولندا، العضو في الناتو. وأيضا على تخوم كل من سلوفاكيا والمجر، ورومانيا، ومولدوفا، وبالتالي سنكون مرة أخرى أمام عودة الستار الحديدي الذي نظر عنه هنري كيسنجر ذات حرب باردة، والذي ظن الغرب أنه لن يعود وإلى الأبد بسقوط حائط برلين.

هذا مآل قابل للتحقق، وهناك مآل آخر ممكن للحرب، وهو أن تتمكن الجهود الأمريكية والأوروبية من دعم أوكرانيا بالسلاح والمال، وينجح تكثيف العقوبات ضد روسيا في هزم هذه الأخيرة، وبالتالي سيكون الناتو في هذه الحالة قد استخلص لنفسه أوكرانيا، فصار مرة أخرى على تخوم روسيا، وبالتالي ينشأ هذا الستار الحديدي على الحدود الغربية لروسيا هذه المرة.

إذن كيفما تكون الطرق التي ستسلكها الحرب، سنعود حتما إلى الحرب الباردة في أحسن الأحوال، أو إلى ما هو أفظع منها إذا تعقدت هذه الأحوال. نحن أمام خيارين لا يعنيان في النهاية إلا خيارا واحدا: أن يتقدم الناتو نحو روسيا أو أن تتقدم روسيا نحو الناتو، وبالتالي ستكون هواجس ومخاوف بوتين من اقتراب الناتو وتماسه مع روسيا، قد تحققت على أيدي جيشه.

أشد ما تخافه دول أوروبا الشرقية هو هذا السيناريو الذي يبدو أن لا مفر منه، ولذلك تضغط على الناتو لأجل ضمان «تورطه» الواضح في الدفاع عنها، فهي تخشى أن تكون الفريسة الثانية للقيصر بعد أوكرانيا. إنها شبه موقنة بأن سقوط كييف، يعني سقوط كل أوروبا الشرقية، وانبعاث روسيا سوفياتية من جديد، ولربما لن يتوانى بوتين في الانتقام منها والتنكيل بأنظمتها، لتنكرها لأيام الاتحاد السوفياتي الخوالي. ولذلك تعمل هذه الدول ليس على هزيمة روسيا العسكرية فقط، بل على ما أضحت تسميه بهزيمتها الاستراتيجية التي تعني الهزيمة القصوى، فتكتفي من الغنيمة بالإياب، وتتقزم أهدافها، وتطلق للأبد أحلام العودة كقوة عالمية تتزعم جزءا من العالم… أن تتحول إلى محض دولة مفلسة محبطة، منزوعة المخالب والأنياب، متروكة لاحتمالات التفكك والثورة الداخلية، ومن ثم ضمان دخولها دورة الاضمحلال والانقسام إلى جمهوريات صغيرة تدور في الفلك الأمريكي الغربي. هذا السيناريو الوحيد الذي يهدئ روع دول أوروبا الشرقية، التي تريد أن تبرمج موتا ثانيا للاتحاد السوفياتي، من خلال انهيار الاتحاد الروسي.

هذه المخاوف هي ما عبر عنه وزير الخارجية البولندي، الذي اعتبر أن قرار إرسال مقاتلات إلى أوكرانيا يجب أن يكون قرارا جماعيا لحلف الأطلسي. كأنه يدعو بهذا التصريح الولايات المتحدة ألا تدير المعركة من خلاف، وإلى تحمل وزر كل القرارات. أن تحرق قاربها وتركب معهم السفينة نفسها. إن هذه الدول تعرف أنها قد خانت العشرة القديمة، وجاءت بالعدو إلى تخوم شقيقتها الكبرى روسيا، ولذلك يتملكها الخوف من اكتساح روسيا للجناح الشرقي للناتو. وإذا لم يدافع الغرب الآن عن أوكرانيا، وسلمها إلى روسيا، من يضمن لها غدا أن لن يكون لهذا التسليم تأثير الدومينو المحتمل، وكيف ستثق آنذاك أن حلف الناتو لن يكيل بمكيالين بين أعضائه، فهناك الدول الغربية التي سيستبسل في الدفاع عنها وهناك هي.. الدول الشرقية سليلة الاتحاد السوفياتي، التي قد يعتبرها مجرد غنيمة حرب آن أوان ردها إلى صاحبها الحقيقي، فهي ليست مجالا حيويا للغرب، ومجرد عبء عليه، ولا داعي لحرب نووية من أجلها.

لذلك يبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية ستكون طويلة جدا، فكل الأطراف ستحاول الانتصار. وبالتالي لن يكون هناك مهزوم واضح في السنين القليلة القادمة، ولا حل أمام الولايات المتحدة سوى التضحية بأوكرانيا، وتحويلها إلى أفغانستان جديدة، لاستنزاف موسكو.

لكن واشنطن التي كانت تسعى إلى التحلل من كل حروبها وأعبائها في مناطق مختلفة من العالم لتطويق الصين، ستجد نفسها في هذه الحالة تغوص بدورها في وحل هذه الحرب. وربما لن تكون بعدها قادرة على مناجزة بكين حول قيادة العالم. وبالتالي ستكون الهزيمة الاستراتيجية لروسيا، هزيمة استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية. كل السيناريوهات تدل على أن العالم يسير إلى نظام دولي ثنائي القطبية، تتزعمه الصين والولايات المتحدة الأمريكية، أو نظام ثلاثي القطبية تتقاسمه أيضا الصين مع كل من روسيا والولايات المتحدة.  

 

نافذة:

كيفما تكون الطرق التي ستسلكها الحرب سنعود حتما إلى الحرب الباردة في أحسن الأحوال أو إلى ما هو أفظع منها إذا تعقدت هذه الأحوال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى