الرئيسية

اعتماد الرميكية.. زوجة الملك المعتمد بن عباد التي ماتت وهي تنظم شعرا

حين كان هنري فورد مخترع السيارات يردد قولته الشهيرة “وراء كل رجل عظيم امرأة”، اعتقد خصومه أن الرجل به مس من جنون العشق والهيام، قبل أن يكشف للناس عن الدور الذي لعبته زوجته في مساره، وكيف شدت أزره في الوقت الذي كان كثير من رفاقه وأهله يعتبرون حبه للاختراع مجرد ضربة شمس.
مع مرور الأيام، حصل تعديل بسيط لكنه جوهري في هذه المقولة، فانسحبت كلمة “عظيم” لتحل بدلها “مشهور”، قبل أن تصبح المرأة صانعة مجد الرجال تارة وصانعة نكباتهم أيضا. “الأخبار” تكشف عن دور زوجات المشاهير في تعبيد طريقهم نحو النجومية، وكيف تقمصن دور المستشارات، في زمن كانت فيه المرأة مجرد كومبارس في منظومة الأسرة.
اختلفت الروايات حول اعتماد الرميكية، وحارت في تعداد مناقبها، لكن الكتابات التاريخية على اختلافها أجمعت على أن اعتماد مفرد بصيغة الجمع، فهي أديبة وشاعرة، وحسنة الحديث وكثيرة الفكاهة، على حد قول الباحث المغربي مصطفى حمزة.. لكن بعض الكتابات الإسبانية والبرتغالية تعتبرها جارية دخلت قلب الملك المعتمد عبر بوابة الشعر، غير أنها ظلت رمزا للوفاء في الأدب الإسباني ومضرب المثل في الإخلاص.
دفنت اعتماد بعد موتها في أغمات ضواحي مراكش، مقر إقامة ونفي ملوك الطوائف في عهد يوسف بن تاشفين. فضريح المعتمد بن عباد الذي يحتضن بالإضافة إلى قبر الملك الشاعر، قبر زوجته اعتماد الرميكية وابنه، «والذي يتشكل من قبة مصغرة طبق الأصل للقبة المرابطية بمراكش تزينها بعض الأبيات الشعرية التي نظمها الأمير الشاعر المعتمد بن عباد في رثاء حاله، وأمر أن تكتب على قبره»، يقول المصدر ذاته.
وتكشف الأبيات الشعرية المكتوبة في الضريح عن محنة الملك الذي حكم الأندلس وغادرها مكبلا نحو منفى معزول، فلم يجد في منفاه سوى أبيات الشعر يملأ بها فراغات الزمن الجاحد. كل من يقرأ الأبيات يعتقل دموعه كي لا تفضح مشاعره، فيقف احتراما وإجلالا لعظمة الملك الشاعر، ويستحضر ما عاش فيه من عز وما عاناه من محن.. لكن الكثيرين لا ينتبهون إلى شريكته في المحنة، زوجته اعتماد «ملهمته في أيام عزه، ورفيقة دربه في الشدائد والمحن».
تقول كثير من الروايات الإسبانية بالخصوص، إن أحد تجار مدينة إشبيلية ويدعى رميك بن حجاج الأندلسي، كان يتولى تعليم جاريته اعتماد التي برعت في الأدب وأضحت تنظم الشعر، وحين اشتد عودها تحولت إلى عشيقة للملك المعتمد، وأصبحت ملكة لإشبيلية، بعد أن نالت إعجاب المعتمد بذكائها وجمالها، ففضلها على زوجاته ومحظياته. «في يوم كان المعتمد يتنزه مع وزيره ابن عمار، على ضفاف نهر، فأخذ بمنظر الماء المتموج فقال في لحظة أنس:
.««حاكت الريح من الماء زرد
وطلب من ابن عمار، وهو شاعر، أن يجيزه، فتوقف ابن عمار قليلا، وكان على شاطئ النهر جوار (من بينهن اعتماد)، ردت عليه ببيت شعري، فأعجب المعتمد بذكاء اعتماد وجمالها، فاشتراها من سيدها وأعتقها ثم تزوجها، وأغدق عليها من جواهر ونفائس ونعيم».
ويقال إن الملك زرع لها أشجار اللوز على جبل قرطبة حتى إذا أزهر بياضا بدا وكأنه محمل بالثلج، وذلك إرضاء لها إذ يعلم أنها تحب الثلج وتعشق رؤيته.
ومن شدة تعلق الملك بها، ظل يلبي جميع طلباتها حتى الغريبة منها، يقول مصطفى حمزة في روايته للقصة التي تعرف بـ«ولا يوم الطين». «ذلك أنها رأت الناس يمشون في الطين فاشتهت المشي في الطين، فأمر المعتمد، فسحقت أشياء من الطين، وذرت في ساحة القصر حتى عمته، ثم نصبت القرابيل وصب فيها ماء الورد على أخلاط الطيب، وعجنت بالأيدي حتى كانت كالطين، فخاضتها مع جواريها».
قدر لهذه الملكة أن تعيش فعلا بأقدام حافية على طين أغمات، فمن نعيم الأندلس سيق ملك إشبيلية إلى سجن أغمات، فلم يكن له من مؤنس سوى أولاده وأمهم التي ظلت تؤنس وحدته وتلهم قريحته بسؤالها حينا ومواساتها أحيانا أخرى، كما يقول ابن الآبار.
ماتت اعتماد ومات المعتمد بعدها بأيام بعد أن اخترقهما المرض والحزن، وظلت أخبارها متداولة بين المغاربة، لكن الإسبان لم ينسوا آخر ملوك الأندلس المسلمين، ففي مدينة إشبيلية يوجد تذكار لاعتماد الرميكي، كتب عليه: «اعتماد جارية وملكة. أحبت المعتمد، آخر ملك عربي لإشبيلية، اعتماد التي كانت جارية. جمالها، قصيدة شعر وحب المعتمد، جعلوا منها ملكة على إشبيلية».
شاركت اعتماد زوجها المعتمد عز الملك وذل الأسر، فصبرت وحاولت أن تخفف من وطأة الأسر والنفي على زوجها المعتمد بن عباد، وذلك بإضفائها نوعا من المرح، ومن شدة عشقه لها اشتق حروف لقبه «المعتمد» من حروف اسمها «اعتماد».
لكن التاريخ يؤكد وجود فتاة عشقت المعتمد بعد وفاته بقرون، وهي الشاعرة ترينيداد سانتشيث ميركادير، التي سقطت حبا فيه لمجرد الانتهاء من قراءة سيرته الذاتية، وعرف عنها تقصيها للطريق التي قادت المعتمد إلى منفاه الأخير بأغمات بالمغرب، ووقفت على قبره وخصته ببكائية من أحر ما قيل في هذا النوع من شعر. ظلت هذه الشاعرة تقطع المسافة بين أليكانتي والعرائش وأغمات بحثا عن أشعار شاعرين تزوجا بالشعر وماتا وهما ينظمان القوافي خلف القضبان، إلى أن ماتت سنة 1984 بمدينة العرائش وهي تكتب شعر الهجاء في حق يوسف بن تاشفين الذي اعتقل المعتمد وزوجته وابنه، وانتهى به المطاف جثة في قبر مهمل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى