شوف تشوف

الرئيسيةشوف تشوف

“الأخبار” والأكاذيب

كنت دائما ما أسمع أن منطقة الغرب، وتحديدا سيدي سليمان، تعيش قانونها وزمنها الخاص، ولم أكن مصدقا إلى أن تتبعت عن قرب عبر سنوات مجريات الأحداث في هذا الغرب العجيب الذي يفد إليه المسؤولون من جميع الدرجات حفاة عراة فيتحولون بعد سنوات قليلة إلى ملاك أراض وضيعات فلاحية وعقارات وقناطير مقنطرة من الأموال.

مقالات ذات صلة

مسؤولون يتسترون خلف أفراد من عائلاتهم ومنتخبون أصبحوا يزاحمون الفلاحين على تملك الأراضي وزراعة الأفوكا والفواكه الحمراء مستفيدين من الفرشة المائية ودعم وزارة الفلاحة وأكرية أراضي الضومين البخسة، فتحولوا في رمشة عين إلى مليارديرات.

ولأننا سلطنا الضوء على هذا الإقليم وعلى طريقة تسيير مسؤوليه للشأن العام للمواطنين فقد تعرضنا بشكل منظم لحملات تبخيس وسيل من بلاغات التكذيب التي تتلقفها صفحات ومواقع أنشئت لهذا الغرض بالضبط. لكن الأمور بخواتيمها كما يقال، ففي النهاية تكشف الأيام أن كل ما نشرناه كان حقيقيا وأن الشيء الكاذب الوحيد هو تلك البلاغات التكذيبية التي كان المعنيون بالفضح يدبجونها.

البداية كانت حينما تطرقنا لاختلالات قطاع الصحة بإقليم سيدي سليمان، والتي يحتفظ قسم الشؤون الداخلية بعمالة سيدي سليمان بأرشيفها مثل كنز، حيث كشفنا خروقات مجموعة من الصفقات العمومية المرتبطة بالقطاع، والتي كان يقابلها المندوب الأسبق طارق العروصي، بعدد من بيانات الحقيقة التي انصبت جلها على نفي ما كان يرد بتلك المقالات، قبل أن يلجأ مندوب الصحة المذكور، والذي كان يحظى حينها بمكانة خاصة لدى العمالة، إلى السرعة القصوى، ويتجرأ على رفع دعوى قضائية ضد “الأخبار” والمطالبة بتعويض خيالي له ولأفراد من أسرته، سوى أن الجهة القضائية المختصة قررت حفظ الشكاية.

وما هي إلا أشهر حتى دارت عجلة الزمن، وظهرت حقيقة ما كانت تنشره الجريدة، ضمن تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، فسارع الكاتب العام لوزارة الصحة إلى التأشير على قرار عزل المندوب، الذي تم تمكينه في فترة لاحقة من رئاسة المجلس الجماعي كمرشح وحيد، قبل أن ينتهي به المطاف معزولا من عضوية المجلس الجماعي لمدينة سيدي سليمان، بطلب، ويا لسخرية الأقدار، تقدم به الكاتب العام بمبرر توقيع العروصي لشهادات “الوفاة” لمتوفين تعذر على أقاربهم دفن جثثهم، بسبب غياب طبيب بمكتب حفظ الصحة الجماعي، ليلتحق بركب الرؤساء المعزولين، منتظرا مصيره بسبب الملفات المفتوحة ضده والتي ما تزال تروج بالمحكمة الابتدائية بسيدي سليمان.

وفي السنة نفسها التي كان يترقب مسؤولون بالإقليم، مصير ملف الدعوى القضائية التي رفعها مندوب الصحة ضد “الأخبار”، سارع مهندس جماعي، إلى توكيل محام للترافع عنه في مقاضاة الجريدة، بعدما تم نشر مقال يتضمن خبرا يفيد مثول مهندس جماعي ومنتخبين وموظف جماعي بسيدي سليمان أمام محكمة جرائم الأموال، معتبرا ذلك تشهيرا وتشويها لسمعته ومسا بقرينة البراءة، لتكشف “محاضر” الضابطة القضائية المنجزة بمقر المنطقة الإقليمية للأمن الوطني بسيدي سليمان صدق المعطيات التي أوردتها “الأخبار”، قبل أن يتم تعيين عشرات الجلسات لمحاكمة المتورطين بقسم جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالرباط، وفي مقدمتهم المهندس الجماعي الذي اضطر إلى توكيل محام للدفاع عنه، قبل أن يتوفاه الله تعالى نهاية السنة الماضية، وتشاء الأقدار أن تكون وفاته سببا في تأخير محاكمة باقي المتورطين المتابعين في حالة سراح لأكثر من خمس جلسات، بمبرر عدم الإدلاء بشهادة وفاة المهندس الجماعي.

ولأنهم يبحثون عن أي شيء لجر “الأخبار” نحو القضاء، كانت من بين القضايا المرفوعة ضدنا واحدة رفعها الكاتب العام السابق بعمالة سيدي سليمان، مدعيا تعرضه للإساءة والتشهير والقذف، جراء نشر مقال بالجريدة تحدث عن خروقات همت إنجاز عدد من المشاريع الكبرى بالمدينة، حيث قضت المحكمة المختصة بتعويض قيمته عشرون مليون سنتيم لفائدة الكاتب العام، الذي طالب في المقال الافتتاحي للدعوى بمبلغ خيالي، قبل أن يتنازل بمحض إرادته عن المتابعة خلال المرحلة الاستئنافية، ويستوعب لاحقا وبشكل واضح حجم الدسائس التي كانت تحاك ضده من أقرب المقربين، ممن يحتمون بكتيبة الفساد بسيدي سليمان، حيث ساهمت تقارير سلبية في النيل منه وفرملة طموحه للترقي لمنصب عامل، وهو الذي ظل يدير شؤون عمالة الإقليم حينما أقام العامل لفترة طويلة بكندا، قبل أن يتفجر الخلاف بين الطرفين مباشرة بعد عودة العامل وتتم بشكل “غامض” إحالة الكاتب العام على التقاعد، وتعويضه برئيس قسم الشؤون الداخلية الذي بدوره كان من أشد الناقمين على جريدة “الأخبار”، وكان يمني النفس بترقيته لمنصب كاتب عام والبقاء بمقر عمالة سيدي سليمان، قبل أن يتم تنقيله نحو عمالة إنزكان، وهو المصير نفسه الذي لقيه المسؤول عن تدبير ملحقة الوكالة الحضرية السابق، الذي انفردت “الأخبار” بفضح اختلالات تدبير المرفق، قبل أن يتم إعفاؤه وتنقيله لوكالة القنيطرة بدون مهام إلى حدود الساعة.

وقد كان لجريدة “الأخبار” السبق في إثارة ملف كراء مشبوه لأملاك الدولة بسيدي سليمان، من طرف شركة في اسم زوجة ابن مسؤول نافذ بالإقليم، والتي تم تمكينها من عملية كراء قطعة أرضية تبلغ مساحتها نحو 1000 متر مربع بسومة كرائية شهرية لا تتعدى 1755 درهما، من أجل إنجاز مشروع على مستوى الطريق الوطنية رقم 04 يضم محطة للبنزين ومركزا لفحص السيارات ومقهى ومرافق إضافية، قبل أن تسارع المعنية إلى التخلص من المشروع بمنطق “الربح” طبعا، والحرص على محو أي علاقة للشركة مع مصلحة أملاك الدولة، دون أن تكون للجهات المعنية الجرأة على إصدار أي “بيان حقيقة” في الموضوع، وهي المعطيات التي أكدها حرفيا في وقت لاحق تقرير صادر عن المفتشية العامة لوزارة الداخلية.

كما كان الفضل لـ”الأخبار” في إثارة موضوع محاولات جهات معلومة الفوز بكعكة تفويت إقامة فخمة تقارب مساحتها 2000 متر مربع وتتوفر على واجهتين وحديقة ومسبح وحمام تقليدي وفرن تقليدي تعود لأملاك الدولة، ومسكن وظيفي عبارة عن فيلا تم بناؤها من المال العام، مثلما لم تتوان الجريدة في الكشف عن اختلالات أملاك الجماعات السلالية التي باتت هدفا لمافيا المضاربات العقارية.

ولعل المسؤولين الحاليين بالمجلس الإقليمي لعمالة سيدي سليمان، وفي مقدمتهم خلوقي، يتذكرون بكثير من الحسرة، حينما كان البرلماني ياسين الراضي رئيسا للمجلس الإقليمي، حين انفردت “الأخبار” بنشر عدد من المقالات التي تهم عمل المجلس الإقليمي، والتي يظل أبرزها مقال حول اتفاقية تأهيل إقليم سيدي سليمان أشرف عليها المجلس الإقليمي، أو ما عرف حينها بفضيحة 98 مليار سنتيم، التي تم التوقيع عليها من طرف مجالس الجماعات الترابية، وسارع المجلس الإقليمي إلى الترويج لها والاستعداد لتوزيع الملايير على صفقات مشاريع “التوفنة” وقليل من “الزفت”، قبل أن تكشف “الأخبار” حجم الوهم الذي يتم التسويق له بمباركة من المسؤولين، في ظل إصدار المجلس الإقليمي لـ”بيانات حقيقة” تنفي ما تنشره الجريدة، حيث تسببت “الأخبار” حينها في “تنبيه الغافلين”، عبر إثارة انتباه عبد الصمد سكال، الرئيس السابق لجهة الرباط سلا القنيطرة، لحجم الورطة التي يستحيل الخروج منها، والعيوب القانونية والتقنية التي تشوب الاتفاقية، فرفض التوقيع.

وإلى حدود اليوم، فكل الذين تعرضوا للجريدة بالتبخيس والتشهير والجر أمام المحاكم في سيدي سليمان لم تنته عاقبتهم على خير. فمنهم من انتهى في السجن مثل العروصي وشريكه المقاول وثلاثة بلطجية تخصصوا في تنظيم الوقفات الاحتجاجية، منها وقفات ضد جريدة “الأخبار”، ومنهم من تعرّض للإعفاء كمدير الوكالة الحضرية السابق، ورئيس المنطقة الأمنية السابق، والكاتب العام السابق للعمالة، ومنهم من تعرض للعزل كرئيس المجلس السابق الحمداني والحفياني وطارق العروصي.

وهناك من لم يمهلهم العمر الفرصة لكي يروا “الأخبار” في قفص الاتهام كمهندس الجماعة الذي كان متابعا من طرف جرائم الأموال وجر الجريدة إلى المحاكم، إضافة إلى وكيل الملك السابق بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة الذي كان يخرج الشكايات ضد الجريدة من الحفظ.

نحن لا نتشفى في أي أحد، لكننا نرفض أن يتشفى فينا بعض الفاسدين ولصوص المال العام بنشر بيانات تكذيبية ضدنا واتهامنا بترويج الأكاذيب، بينما كل تقارير مجلس الحسابات وتقارير لجان التفتيش بالداخلية تؤكد كل ما ننشره، وأحيانا تكون مقالاتنا مرجعا لمقرريهم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى