الرئيسية

«الأخ الأكبر»

خديجة عماري
كنت أستمتع بأغنية «يا من رحلت عن الدار»، وأنا أعد كوب قهوة بما تبقى من البن المعطر في علبة فضية، أهداها لي صديق كاتب، ليس أي صديق، فقد كان مقربا عندي، كان سندي في أيام عصيبة عرفتها في الآونة الأخيرة، تخطيتها بصعوبة، مشفقة على نفسي لو طال أمد اعتصاري بين شفراتها الحادة، الأصدقاء الجيدون توابل أيامنا، وكان كذلك بالنسبة لي، احتضنت وسادة ناعمة وألقيت بجسدي على كنبة الصالة، لأتابع ما تبثه محطة إخبارية حول انتفاضة الإخوة الجزائريين ضد العهدة الخامسة. الشارع ملئ بالشباب الثائر، قد تنجح الثورة، وينتخب رئيس جديد يطمح الكثير من المواطنين إلى أن يكون شبيه بومدين. وقد توأد بأن يعتلي من لا يستحق صهوتها، كما وئدت العديد من الثورات الساعية للإصلاح، وأصبحت بلداننا المنكوبة في آخر الركب. وها هم الساقطون في مستنقع الفقر والجهل يزدادون ببشاعة «الحي الخلفي» لمحمد زفزاف. مادام الأخ الأكبر يراقبنا -كما قال جورج أورويل- فالقمع سوطه الذي ينتظر الساخطين.
عدت للأوراق المتناثرة أمامي أحاول إتمام تصحيح بحث أعده طالب أشرف على بحثه، موضوعه حول «التطور التقني في السرد العربي المعاصر»، كيف وظف الكتاب ما أحدثته الثورة التقنية في حياتنا ليتم تطوير ميكانيزمات الإبداع الأدبي؟ مع سيزار أيرا، في روايته «المؤتمر الأدبي»، جورج أورويل في روايته «1984». مع إبراهيم نصر الله ورواية «حرب الكلب الثانية». البحث يركز على الأدب الغربي المترجم. ونموذج لرواية عربية واحدة. هي دراسة مقارنة تحتاج تمرسه مع التشديد على قراءة المزيد من المراجع الفلسفية التي طورت نظريات تعنى بعلاقة الإنسان بالمجتمعات العقلانية الحديثة.. الاطلاع على الأدب المقارن والاشتغال عليه مهم لمد جسور تسهل الالتحاق بالركب العلمي والثقافي الذي سبقتنا إليه بلدان العالم الأول.. لا يجب أن نرضى بتصنيفنا بشكل أبدي في آخر السلم، ولو أن عالم المستقبليات ذكر، في إحدى محاضراته، أن زوال الفساد الذي تعرفه بلداننا وامتطاؤنا صهوة التقدم مقرون بسقوط البلدان الرأسمالية التي أسست وسعت لتكريس الوضع الراهن بعد توقيعها على صكوك الاستقلال الوهمي. نحن تابعون وسنبقى تابعين ببقائها.. أي ربيع ذلك الذي ستزهر فيه بلداننا ونحن نفقد كل عام عددا هائلا من الكفاءات التي تغادر أرض الوطن باتجاه الدول الغربية التي تحقق أحلامهم وتجتث أحلام بلدانهم..
أعدت تشغيل المسجل بعد أن أغلقت الشاشة ورتبت بحوث الطلبة ووضعتها جانبا، ضممت ليدي كوب القهوة ورحلت دون عذر أو اعتذار.. فقد ضقت صبرا وانتظارا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى