شوف تشوف

الرأي

الأولمبياد رياضة وسياسة وإنسان

سامح راشد

كما هو شأن كل المحافل الرياضية الكبيرة، تحظى الدورة الأولمبية الجارية حاليا في طوكيو، من أوجه السياسة واللمحات الإنسانية، بما يستحق التسجيل والتأمل، فقد أحدث فوز الرباع القطري، فارس حسونة، بالميدالية الذهبية في رفع الأثقال، صدى واسعا وردود فعل متباينة. بين الفرحة القطرية والعربية بالذهبية الأولى لقطر في الأولمبياد، ومحاولة قلة في الإعلام المصري إفساد هذه الفرحة، حيث تناولت وسائل إعلام مصرية خبر فوز حسونة بالذهبية، مرفقا باستدراك أنه قطري الجنسية ذو أصول مصرية. ولهذه المكايدة الشوفينية صلة مباشرة بالسياسة على وقع رواسب التوتر بين مصر وقطر، غير أن البعد السياسي الحقيقي الذي يخفيه المصريون يكمن في علاقة فارس حسونة بالمؤسسات الرياضية المصرية، وأسباب ابتعاده مع والده عن ممارسة اللعبة في مصر وتحت العلم المصري. بسبب مشكلات وخلافات بين والده (بطل عالمي وأولمبي سابق) واتحاد اللعبة، وكان خروجهما من مصر في عام 2014 أقل ما يمكن عمله للحفاظ على مستوى اللاعب، بعدما صار مستقبله في اللعبة مهددا داخل مصر. وقد ثبتت صحة قرار اللاعب ووالده في أكثر من مناسبة، فبعدما تبنت الدوحة اللاعب، فاز بعدة بطولات عالمية. بينما تم إيقاف اتحاد رفع الأثقال المصري عن المشاركة في البطولات القارية والعالمية، بعد ثبوت تعاطي لاعبيه المنشطات في أكثر من بطولة.
وكان لمواجهات اللاعبين العرب مع خصوم من «إسرائيل» نصيب كبير من اللقطات السياسية في طوكيو، فما إن احتفى كثيرون بلاعب الجيدو الجزائري فتحي نورين لانسحابه من مواجهة لاعب إسرائيلي في منافسات طوكيو، إلا وفاجأتهم اللاعبة السعودية تهاني القحطاني بقبول اللعب أمام منافسة إسرائيلية، ومن مفارقات القدر أن ذلك كان في لعبة الجيدو أيضا. ولم يتوقف الجدل على شبكات التواصل وبعض وسائل الإعلام عند المفاضلة بين المقاطعة والتعامل/ التطبيع مع إسرائيل، بل تحول إلى مناكفة سياسية ومحاكمة لأدوار بعض الدول العربية وتحركاتها في قضايا المنطقة، خصوصا تجاه القضية الفلسطينية. صحيح أن هذه الظاهرة ليست جديدة، فهي مصاحبة لكل الفعاليات الرياضية العالمية. ولا تقتصر على القضية العربية الأهم، بل هي تشمل كل الدول، ففي مطلع الثمانينيات قاطعت الولايات المتحدة دورة موسكو الأولمبية، احتجاجا على الغزو السوفياتي لأفغانستان. ولا ينسى هنا أن دولا عربية وغير عربية امتنعت أيضا عن المشاركة في أولمبياد موسكو على سبيل المجاملة السياسية لواشنطن، بمقاطعة ذلك المحفل الرياضي.
وبعد أربعة عقود، حُرمت موسكو من المشاركة الرسمية في أولمبياد طوكيو إعمالا لعقوبات أولمبية، بسبب فضيحة تعاطي لاعبين روس المنشطات برعاية رسمية كاملة قبل سبع سنوات في الدورة الأولمبية الشتوية بسوتشي، غير أن اللجنة الأولمبية الدولية سمحت للاعبين الروس بالمشاركة في طوكيو بشكل فردي، وليس تحت مظلة الدولة الروسية، أي من دون رفع العلم الروسي، ولا عزف النشيد الوطني.
أما عن البعد الإنساني في طوكيو، فهناك أكثر من لمحة إنسانية جديرة بالتأمل. أبرزها الانسحاب المفاجئ من المنافسات للاعبة الجمباز الأمريكية المصنفة الأولى عالميا، سيمون بايلز. والتفسير الذي أعلنته بايلز بشجاعة خشيتها على سلامتها الذهنية، والتمسك بأن تفعل «ما تحب هي لا ما يحبه الآخرون». ربما كان تصرف بايلز الأول من نوعه في الأولمبياد، لكن سبقه قبل شهرين انسحاب لاعبة التنس اليابانية، ناومي أوساكا، من بطولة رولان غاروس، للأسباب نفسها التي ساقتها الأمريكية سيمون بايلز. ولعل تواتر هذه المواقف يوقظ انتباه العالم إلى أهمية تقليل حدة التنافس وتخفيف الطابع الصراعي الذي بات يطغى على الرياضة، فتحولت من تنافس أخلاقي بين فائز ومهزوم إلى حرب لا هوادة فيها بين قاتل ومقتول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى