شوف تشوف

الإخوة الأعداء

في الوقت الذي اجتمعت فيه الأمانة العامة للحزب الحاكم وأصدرت بيانا لا طعم ولا رائحة له، يستعد عبد الإله بنكيران الأمين العام للحزب من بيت الله بمكة لرحلات مكوكية وماراثونية بعد عودته إلى المغرب حول فروع التنظيم، بهدف واحد ووحيد هو إقناع قواعده المشكلة أساسا من الشبيبة بتعديل المادة المتعلقة بتحديد مدد الولايات داخل الأمانة العامة للحزب، بحيث يطمع بنكيران في إجماع حول حصوله على ولاية ثالثة للوقوف في وجه سعد الدين العثماني رئيس الحكومة، الذي يتهمه أبناء بنكيران وحواريوه بخيانة الحزب وتهديد «بيضة» التنظيم.
وهكذا بمجرد ما سيعود بنكيران الثامن عشر من هذا الشهر إلى بيته بحي الليمون سيشرع في رص الصفوف حوله بعدما اتضحت الصورة أمامه واقتنع بأن مصطفى الرميد «باعهم العجل» عندما ضخم أمام أعضاء الأمانة العامة مخاطر التمسك ببنكيران، إلى درجة أن عمارة وزير «الدوش والناموسية» ذهبت به الظنون كل مذهب وشكك في نسبة المقاعد التي حصلوا عليها في الانتخابات التشريعية وأسر لإخوانه بأن هذه النتيجة تم تضخيمها لهدف واحد هو استهداف الحزب وشق ظهره.
وقد كان الرميد بارعا في رسم صورة قيامية لمستقبل الحزب في حالة استمرار الإخوة في موقفهم المتصلب من الدولة، حيث أسر إليهم في ما يشبه التهديد بأن متابعات قضائية سوف تستهدفهم وأن ملفات عطنة ستعرض على أشعة الشمس وأن حملة شعواء لا تبقي ولا تذر ستصيب الحزب إذا لم يخفضوا رؤوسهم للعاصفة.
وهكذا نجح سيناريو دس «الحنش فالسروال»، واصطف جنرالات الحزب وراء العثماني وقايضوا مواقفهم المتصلبة بحقائب وزارية، بعضها كحقيبة الرميد مجرد منصب شبح، مقابل إغلاق أفواههم وعدم تحريك ملفات تسييرهم الكارثي للخمس سنوات الماضية.
ولذلك فهدف بنكيران اليوم، مدعوما بحوارييه الذين يتقدمهم السكال رئيس جهة الرباط والبرلمانيان حامي الدين وماء العينين، هو استرجاع الحزب، أو جزء منه على الأقل، حتى لا يسقط بين يدي رباح والرميد اللذين وصلت القطيعة بينهما وبين بنكيران حد اللاعودة.
وسيكون على بنكيران أن يواجه إخوته الأعداء الذين يريدون رميه في جب النسيان، بحجة أن الزلزال الذي تعرض له الحزب بإبعاده قد زالت تردداته وأن شعب العدالة والتنمية عليه أن يعود إلى البيت الذي غادره هاربا خائفا من تداعيات الزلزال، كما كتب خصم بنكيران القديم، البرلماني السابق عبد السلام بلاجي الذي أبعده بنكيران عن لائحة الترشح للانتخابات الأخيرة.
وأضاف بلاجي مشبها ما يجب أن يقوم به إخوانه بما قام به الصحابة عندما مات الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رفعوا شعار «من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت»، وهو الشعار الذي يقصد به بلاجي «من كان يعبد بنكيران فإن بنكيران قد مات ومن كان يعبد المناصب فإن المناصب حية لا تموت».
ويعد حزب العدالة والتنمية نموذجا لتدبير رئاسي يجعل من الأمين العام يلعب دورا مركزيا في كل القرارات المصيرية، خصوصا أنه استمد بنيته التنظيمية من تجربة تنظيم «الإخوان المسلمين» الذي أسسه حسن البنا، وتنظيم الشبيبة الإسلامية لمؤسسه الشيخ عبد الكريم مطيع، على اعتبار أن الأول كان بمثابة أرضية تأسيسية لحركات الإسلام السياسي في العالم، والثاني كان بمثابة مدرسة تتلمذ فيها عدد كبير من قادة الحزب وعلى رأسهم بنكيران وعلبته السوداء الراحل عبد الله باها، ويضع الحزب في نظامه الأساسي قائمة طويلة من المحظورات التي تكون أسباب إبطال العضوية، أو تتم بسببها «تصفية» العضو سياسيا عن طريق إقالته من التنظيم، إذ يوكل هذه المهمة إلى جهاز خاص يطلق عليه اسم «هيئة التحكيم الوطنية»، وأجهزة أخرى متفرعة عنها تسمى «هيئات التحكيم الجهوية»، ولذلك وضع لائحة «سوداء» يمنع على أعضائه القيام بها، ومن بينها ما جاء في الفصل الرابع من النظام الداخلي للحزب، ضمن المادة 71 التي تنص على أنه «من حق العضو داخل الحزب أن يبدي الرأي في القضايا التنظيمية والسياسية والمالية للحزب داخل مؤسساته، بالإضافة إلى المقتضيات المتعلقة بالترشيح والترشح»، لكن الغريب في المادة هو عبارة «داخل مؤسساته»، التي يمكن تفسيرها بأنه يمنع على العضو أن يدلي برأيه حول هذه القضايا خارج هذه المؤسسات، كالتصريح لدى وسائل الإعلام مثلا، ويتضمن القانون الأساسي للحزب، مقتضيات تمنح صلاحيات واسعة للأمين العام للحزب، ومركزية الأمين العام في القرار الحزبي، وغياب التنصيص على التصويت المباشر في مقابل سيادة آلية التزكية، إضافة إلى غياب الحق في الترشيح المباشر وتدخل الأمانة العامة في إعادة النظر في قرارات الترشيح التي تمت بالانتخاب.
ويبدو أن تضخم الأنا لدى بنكيران أصبح يزعج داخل الحزب، ففي أحد اللقاءات التي عقدها مع شبيبة حزب العدالة والتنمية، بعث سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني للحزب، برسائل مشفرة، انتقد فيها تضخم زعامة بنكيران، واستحواذه على كل القرارات والصلاحيات، ودعا إلى القطع مع حكاية «العام زين» بالتنبيه إلى كل ما هو خطأ بكل صراحة ووضوح، وانتقد بقوة ما أسماه «تأليه البشر»، وتحدث عن وجود آيات قرآنية تعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس هناك أي عيب في ذلك، لأن «النصيحة يجب أن تكون صوتا مزعجا».
وقبل يومين فقط أثناء انعقاد اجتماع الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية قال العثماني إن التراجعات التي حدثت في 2013 هي أخطر بكثير من تلك التي تقع اليوم، في إشارة إلى أن جرح تخلي بنكيران عنه في التعديل الحكومي ما زال طريا لم يندمل بعد.
فهل الأمر مجرد تناصح بين «الإخوان» أم أنه بداية تصفية رمزية لعبد الإله بنكيران من الحزب بعدما تم إبعاده من رئاسة الحكومة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى