الرأي

الإرهاب المشبوب

رضوان السيد

يوم 25 شتنبر المنصرم، نشرت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية ملفا تضمن عدة مقالات لشخصيات مشهورة حول الإرهاب والإسلام، ومن هؤلاء مانويل فالس، رئيس وزراء فرنسا السابق أيام هولاند، والفيلسوف البارز ريمي براغ. وكان الهجوم الذي قام به رجلان بالسكاكين على رجل وامرأة عند مجلة «شارلي إبدو» الشهيرة قد أعاد ملف العنف والإرهاب الإسلامي إلى الواجهة، رغم الأولويات التي فرضها وباء كورونا.
وفي الوقت نفسه كانت القوى الأمنية اللبنانية، والجيش يواجهان مجموعة إرهابية في شمال لبنان قيل إنها مكونة من عشرين عنصرا من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، التحقوا بـ«داعش»، وقتلوا في قرية كفتون ثلاثة شبان، ثم قاوموا الجيش وقتلوا منه ستة خلال ثلاثة أيام، قبل أن تقبض القوى الأمنية على عشرة، وتقتل عشرة آخرين!
ليس في عمل الرجلين بفرنسا غموض، فالمجلة عادت قبل أسابيع للتذكير بوقائع عام 2015، ونشر صور اعتبرت مسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، فأراد الرجلان الانتقام بذلك الأسلوب المتطرف والمدان!
أما المجموعة الإرهابية في شمال لبنان، فيحيط بها غموض شديد: لماذا ذهبوا إلى قرية مسيحية بأعالي الكورة في الليل؟ ولماذا أطلقوا النار وقتلوا بدلا من الانسحاب إذا ضويقوا؟ ثم لماذا توزعوا بين المنية وأقاصي عكار، وبدوا أحيانا متطرفين أشداء، وأحيانا أخرى ضعفاء ومترددين؟ وتُهول التلفزيونات أخبارهم وخططهم، رغم أن أسلحتهم تبدو قليلة، وبعضهم استسلم للجوع والعطش، وما عاد عندهم وسيلة للانتقال! لكن ما هي الأهداف الحقيقية لاجتماع هؤلاء؟ ولماذا قاتل بعضهم حتى النهاية بدلا من تسليم أنفسهم للاعتقال؟
إن منهم فلسطينيون جاؤوا من مخيم نهر البارد، ومنهم سوريون جاؤوا عبر الحدود مع سوريا، أما اللبنانيون فمعظمهم من عكار وعلى الحدود أيضا. صار عندهم زعيم وقائد، إنما مَن الذي قوده؟ ومن الذي جمعهم؟ ولماذا الآن؟
المقالات التي صدرت بجريدة «لوفيغارو»، كتبها جميعا فرنسيون يمينيون. وهم معروفون بوجهة النظر السلبية تجاه الإسلام. إن الجدال الآن مكرور ومعاد ربما للمرة المائة أو الألفين، وفي كل مرة يظهر فيها الداعشيون في سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان، يجري التعليق بإسهاب، وما إذا كانت هناك حيويات جديدة للتنظيم. أما في لبنان فيُسأل عن الخطط التي يحوكها هؤلاء، وما إذا كان شمال لبنان وطرابلس مثل قندهار كما قال ميشال سماحة وإلياس بو صعب من قبل؟ والمعروف أن من هؤلاء بالسجون ألفا وثلاثمائة، وبعضهم محكوم والبعض الآخر غير محكوم. وكان مجلس النواب اللبناني قد ناقش للمرة الثانية ليومين قانونا للعفو العام يشملهم ويشمل تجار المخدرات، لكن النواب المسيحيين اعترضوا بشدة، ما دام النواب المسلمون يرفضون أن يُضم إليهم الستة الآلاف الموجودون بإسرائيل. وفي النهاية تأجل الموضوع للمرة الثالثة حتى العشرين من أكتوبر!
المهم أن الموضوع عندنا صار تافها، أما في فرنسا بالذات فما يزال يُناقَش باعتباره موضوع الساعة. وبخاصة أن الفرنسيين، يمينا ويسارا، غضبوا عندما فاز بعض المسلمين الفرنسيين أخيرا في البلديات! فرنسا العلمانية جدا لا تقبل الاختلاف، وعند كل رصاصة أو سكين تبدأ التفكير بطبيعة الإسلام، وشروره، وهموم المستقبل وسط ملايين المسلمين الذين يستمتعون بمحاسن الحضارة الأوربية، دون أن يكونوا قد شاركوا في بنائها!
وأمام ذلك التشكيك أتساءل: لماذا ظهر العنيفون من جديد الآن؟ ومن أرسلهم إلى شمال لبنان، وبعضهم كان في سجن رومية؟ إنها محنة يُسأل عنها الساسة الشماليون الأشاوس!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى