حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

الارتطام الأعمى في التاريخ

بقلم خالص جلبي

في الوقت الذي كان فيه السلطان العثماني بايزيد خان الأول يتأهب لغزو أوربا بحملة قوامها نصف مليون جندي وذلك مع فجر القرن الخامس عشر الميلادي، تحركت عاصفة عسكرية أشد هولاً، ومن نفس العرق التركي والدين الإسلامي، وبسبب تاريخي تافه، تحركت مزمجرة من الشرق يقودها عسكري تتري مرعب خلَّد اسمه في التاريخ بكل الفظاعات الممكنة تيمو الأعرج (تيمورلنك)، ليحطم الطموحات العثمانية الجنينية للسيطرة على أوربا، في معركة أنقرة التي قررت مصير أوربا في 20 يوليوز عام 1402م الموافق 19 ذي الحجة من عام 804 هجري، وليوقف المد الإسلامي، ولينقذ جنين الحضارة الغربية الذي كان قد تشكل آنذاك في أحشاء الزمن، بعد أن تلقح من نطف الحضارة الإسلامية، التي كانت تودع التاريخ وتتوج ختامها بتألق الشمعة الأخير بفكر سنني متماسك هو فكر ابن خلدون، الذي أرَّخ لهذه المرحلة بمقابلة شخصية مع تيمورلنك الذي واصل تحطيم الشرق الأدنى، ليحط الرحال في دمشق أخيراً.
هذا الارتطام الأعمى بين قوتين إسلاميتين لتنجو وتولد حضارة غير إسلامية هل هو مجرد مصادفة عبثية؟ أم عمى تاريخي؟ لنتأمل الواقعة تحت مبضع التاريخ!
عندما بدأت البحث شعرت أن علي استخدام أدوات معرفية للاكتشاف، أو لنقل منهجاً ينظم عملية اكتشاف التراكم المعرفي الذي حصل في الغرب، والذي قصَّر عنه العالم الإسلامي، والذي يعاني من وطأته حتى اليوم، وهذا القصور المعرفي ليس في الفيزياء والكيمياء والبايولوجيا والكوسمولوجيا فحسب؛ بل هو أيضاً في الإدارة والاقتصاد والسياسة والثقافة والفن، ولنقل هو قصور حضاري مريع، كما عنون المفكر الجزائري مالك بن نبي سلسلة 18 كتابا بعنوان سلسلة مشكلات الحضارة. وأمامنا عمليتان كل منهما أصعب من الأخرى، كمثل الطالب في المرحلة الابتدائية الذي تطلب منه أن يصل إلى المستوى الجامعي، وليس ذلك فحسب بل أن يكون طالباً متفوقاً له دور ريادي في فصله، وهذه هي مشكلة المشاكل في العالم الإسلامي والتي تشكل منخس التحدي الرهيب؟!
الحوادث التاريخية لا يمكن أن تفهم معلقة في الهواء، فهناك علاقة جدلية بين الأحداث، والجدلية أي سنة الترابط هي قانون إلهي في هذا الوجود وليست اختراعاً من ملحدين، الترابط والتناسق بين الليل والنهار، الحزن والفرح، الانفعال والفعل .. الخ .. (وأنه هو أضحك وأبكى. وأنه هو أمات وأحيا. وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى. من نطفة إذا تمنى. وأن عليه النشأة الأخرى. وأنه هو أغنى وأقنى) وهكذا فكل حدث هو في علاقة جدلية بما قبله وبما بعده، هو سبب لما سيأتي بعده وهو بنفس الوقت نتيجة لما قبله. والأحداث العظيمة هي تراكمات لإنجازات صغيرة، والانتصار الكبير هو تتويج للجهود الصغيرة المتراكمة عبر الزمن، بل إن الإنسان إذا أفرغته في صورة معادلة فإنه يساوي: (الإنسان في لحظة = محصلة تراكمية بطيئة للحظات الجهد الواعي المتراكمة عبر وحدات الزمن قبل لحظة القياس). وهكذا فالكون في حركة ونمو (يزيد في الخلق ما يشاء)، والوجود في حالة صيرورة وتدفق، وكل شيء يتغير سواه سبحانه وتعالى الذي لا تأخذه سنة ولا نوم وليس كمثله شيء وهو السميع القدير. و(كل يوم هو في شأن)، والإنسان في كل لحظة هو غيره بعد اللحظة التي سبقت بل والوجود حسب قانون هرقليطس الثالث. ويخطيء من يظن أن هناك توقفا في نمو الإنسان حتى مع تقدم العمر، فالدماغ الإنساني تركيب رهيب مكون من مائة مليار (100000000000 = 1 أمامها أحد عشر صفرا) من الخلايا العصبية في قشر المخ، وكل خلية في أقل التقديرات مرتبطة بألف إلى عشرة آلاف وحدة ارتباط، مع بقية الخلايا العصبية، بل نجدها مائتي ألف ارتباط في خلايا بوركينج في المخيخ، المسؤول عن تناسق الحركات والتوازن، مما يجعل الدماغ الإنساني أكبر من الكون المعروف (جزئيات الكون هي مائة مرفوعة إلى قوة 83 إلى حواف الجوجول) ومنه اشتقت مؤسسة جوجول المعروفة اسمها أي هي تملك كل المعرفة الإنسانية بما فيها خرائط الأرض، وبالتالي فليس هناك حد لنمو وكمال الإنسان إذا تصورنا كل كسب معرفي شجرة ارتباطات عصبية، والإبداع توليدات معرفية جديدة، كما أنه ليس هناك قعر لهبوط الإنسان باعتبار تميز الإنسان وتفوقه بدماغه وليس بمخالبه، فالفيل أعظم حجماً من الإنسان، والثور أشد بأساً، والكلب والأرنب أشد جرياً، والنمر أعظم بطشاً، والعصفور أمرس في السفاد، والقط يقتات من الطعام بمتعة ما هو بمثابة السم من جلد الفئران وحراشف الصراصير وأقدام العناكب (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين) ولنتأمل تعبيرات أحسن وتقويم وما يعاكسه من أسفل وسافلين بصيغة النكرة؛ فهي قوة مرفوعة إلى نفس قوتها، حسب مصطلحات الرياضيات وهذا يعني لا حدود للهبوط أو الارتفاع.
وحتى يمكن فهم ما (حدث في العالم) حتى لا نكون خارج التاريخ والجغرافيا فلابد من اتباع منهج الكشف في (حفريات المعرفة) كما في حفريات طبقات الأرض، والتعرف على (إضافات المعرفة الإنسانية) أو حسب القرآن منهج السير في الأرض لمعرفة التطورات التي حدثت (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق).

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى