
يونس جنوحي
في واحدة من آخر ما دوّنه السفير الراحل محمد التازي من ذكريات روحية، في المملكة العربية السعودية، حتى قبل أن يُعين سفيرا فيها، يقول:
«في شهر أبريل من عام 1990 استأذنت جلالته في قضاء بقية شهر رمضان في مكة المكرمة، فأذن جلالته.
وأنا في المدينة المنورة أبلغتني السفارة من القاهرة أن الجنرال عبد الحق القادري، مدير إدارة الأبحاث والدراسات، يبحث عني لأمر عاجل فاتصلت به، وإذا به يبلغني عتابا من جلالته، وأن موضوع العتاب أني بعثت لجلالته بموضوع بواسطة وزارة الخارجية، وكان يجب أن أبعثه مباشرة، تجنبا لكثرة من سيطلع عليه.
كان بعض الوزراء والمسؤولين في الوزارة يختبئون وراء أن وزارة الخارجية محدودة الصلاحيات، ليبرروا عجزهم عن اتخاذ إجراءات إيجابية في مجال الديبلوماسية، ويكتفون بالتسيير العادي الإداري للوزارة، مخافة أن يلاموا أو يعاتبوا فأفسح ذلك مجالا لمن يمارس السياسة الخارجية، من خارج الوزارة، وبالتغاضي عن هذا السلوك، ساد الاعتقاد بأن وزارة الخارجية غير مؤهلة للعمل الديبلوماسي، فاستعيض عنها كمؤسسة بأفراد كخبراء.
كان قدس الله روحه يشعر بالفراغ في العمل الديبلوماسي، ويلمس أن الوزارة تطلب التعليمات في أبسط الموضوعات كالمشاركة في مؤتمر، ومستوى المشاركة، وإذا كان بعض الوزراء كانت لهم مواقف شجاعة، كان جلالته يقدرها ويراها السلوك الأمثل لوزير في الخارجية رغم جرأتها، فإنها كانت مواقف من أشخاص يعرف جلالته كفاءتهم وإخلاصهم، فكانوا يخففون عنه عبئا ثقيلا، ولكنها لا تتكرر من غيرهم.
في أحد الأيام أمرني والسيد أحمد السنوسي، الممثل الدائم في الأمم المتحدة، أن نصحب جلالته لزيارة كريمته، صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم، في منزلها. وفي صالون المنزل كان يمازح حفيدته للا سكينة، ويلعب معها، وهو في حالة انتشاء من السعادة. وحين عودتنا، تذكر أنه كلف شخصا بعمل قد يفسره عبد اللطيف الفيلالي، وزير الخارجية، تجاوزا له، ويتأثر به فأسرع بالاتصال به من السيارة، ليبلغه أنه تخفيفا عليه، كلف غيره بموضوع، فإذا أراد أن ينجزه هو فليفعل، وانتهت المكالمة، ثم عقب بعدها جلالته قائلا:
-إن عبد اللطيف، لا يزعجني بما يسمونه طلب التعليمات، لا يطلبها إلا في الموضوعات
الهامة والهامة جدا، ولذلك فإنه يريحني».
توطدت العلاقة بين السفير محمد التازي والوزير الراحل عبد اللطيف الفيلالي، الذي تقلد منصب الوزارة الأولى ووزارة الخارجية، حتى بعد انتهاء فترة عمله في السلك الدبلوماسي..
مع انتهاء مهمته في المملكة العربية السعودية، خصص التازي حيزا مهما من أوراقه الشخصية للحديث عن تجاربه خارج مكتب «السفير» وبعض التجارب الدبلوماسية والإنسانية التي عاشها خارج المهام الرسمية، ويعتبرها «ربحا» شخصيا عادت عليه به المسؤوليات التي شغلها منذ نهاية الخمسينيات من القرن الماضي..
هناك، أيضا، تفاصيل مثيرة في ما سجله السفير محمد التازي، في فترات متفاوتة، بعضها كان خارج ما يفرضه الطابع الرسمي، خلال عمله في العواصم العربية على امتداد ما يقارب أربعة عقود.
كان التازي يعتقد أنه بعد عودته النهائية إلى المغرب سنة 1994، سيُحال على التقاعد حسب ما تفرضه المساطر الإدارية.. لكنه كان على موعد مع مرحلة أخرى من حياته، تعرف خلالها على الملك الراحل الحسن الثاني عن قرب..





