الرأيالرئيسيةسياسية

«التفصيل» الإسرائيلي بروسيا

 

مقالات ذات صلة

بيار عقيقي

فتحت تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بشأن «يهودية» الزعيم النازي أدولف هتلر، باب الجدال واسعا بين موسكو وتل أبيب، لم ينته إلا بإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، أنه أجرى اتصالا مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي «اعتذر عما ورد في تعليقات وزير خارجيته»، مضيفا أنه «قبل الاعتذار وشكر بوتين على توضيح موقفه».

ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني أن التسويق في وسائل إعلام عديدة، خصوصا عربية منها، بأن «يهودية» الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، تضعه في خندق واحد مع الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي، فإن بوتين «يقاتل في حرب عظمى ضد إسرائيل»، لهو مستوى جديد من النفاق. ثم، غني عن التعريف أن المجموعة الضيقة لبوتين تضم أشخاصا من حملة الجنسيتين الروسية والإسرائيلية، وبطبيعة الحال ينتمون إلى الدين اليهودي، وفي مقدمتهم رومان أبراموفيتش، الذي يؤدي دورا أساسيا في المحادثات الروسية ـ الأوكرانية.

في العقل السوفياتي، ثم الروسي، يعد الإسرائيليون أقرب إلى موسكو منهم إلى واشنطن. صحيح أن واشنطن منحت إسرائيل ما لم تمنحه لأحد وما لم تحلم به الأخيرة، خصوصا بتأمين التغطية السياسية في الأمم المتحدة لكل الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وبالدعم المالي والعسكري المستمر منذ عام 1948، وصولا إلى «ترسيخ السيادة الإسرائيلية» على الجولان السوري المحتل، واعتبار القدس «عاصمة أبدية لإسرائيل».

في المقابل، ديموغرافية إسرائيل نابعة من المنحدرين من أصول سوفياتية، سواء روسية أو أوكرانية بالدرجة الأولى. ولم يقم الاتحاد السوفياتي يوما بمحاولة «إزالتها من الوجود»، بل على العكس ساهم مع الأمريكيين في تثبيت صراع المعسكرين في الحرب الباردة (1947ـ 1991)، ونشوء حروب أهلية وإقليمية على ضفافها. أساسا كان الاتحاد السوفياتي أول من اعترف بـ«دولة إسرائيل»، في 17 ماي 1948.

وبمعزل عن التعاون الروسي ـ الإسرائيلي في سوريا، تحديدا صمت الكرملين عن الغارات الإسرائيلية على المواقع التابعة للإيرانيين وحلفائهم، فإن التأكيد على «استقلال إسرائيل» في بيان الكرملين الأخير لا يفترض أن يثير صدمة في الداخل الروسي، لأنه «أمر طبيعي». أما بالنسبة إلينا، نحن الغارقون في الشرق الأوسط، فعلينا الوقوف لحظة والنظر جيدا إلى ما هو أبعد من حصار ماريوبول ومصنع «أزوفستال» للصلب، والاعتقاد بأن «بوتين ينوي كسر الإمبريالية الأمريكية» وغيرها من العبارات الرنانة التي ستنتهي في غياهب التاريخ.

بالنسبة إلى روسيا، إسرائيل موجودة وستبقى، وباقي الأمور خاضعة للنقاش. لافروف نفسه أيد اتفاقات التطبيع العربية ـ الإسرائيلية، ويسعى إلى دفع النظام السوري إلى هذه الخطوة. برأي الروس، الذي يتشارك معهم فيه الأمريكيون، ينهي التعجيل بتوقيع اتفاقات التطبيع «ألم رأس تجاوزه الزمن». لا تريد موسكو ولا واشنطن بطبيعة الحال استمرار «أزمة الشرق الأوسط»، على اعتبار أنه لم يعد في وسع الملفات الأخرى الانتظار أو الإهمال، مثل القطب الشمالي والمحيط الهادئ والشرق الآسيوي والبلطيق والاقتصاد العالمي وحرب الفضاء. والغزو الروسي لأوكرانيا، سرع من ضرورة التركيز على هذه الملفات دون أخرى.

الآن، لا يريد بعضهم الإقرار بحقيقة أن روسيا والولايات المتحدة حليفان «طبيعيان» لإسرائيل، غير أن واشنطن تؤدي دور «الشرطي السيئ» وموسكو «الشرطي الجيد». يصفع أحدهما شخصا، فيما يحضنه الآخر، لكنهما، في نهاية المطاف، شرطيان بخدمة المعتدي لا الضحية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى