شوف تشوف

الرأي

التقاعد بين ضرورة الإصلاح وواجب الإنصاف

يبدو أن عبد الإله بنكيران يسارع الزمن من أجل أن يحسم في مصير أنظمة صندوق التقاعد الذي تتفق الحكومة والنقابات على ضرورة إصلاحه. إصلاح مستعجل تفرضه الوضعية المتردية التي آل إليها هذا الصندوق المهدد بالإفلاس، بحيث إن كل يوم تأخير يكلف الدولة مبالغ مادية مهمة تعد بملايين الدراهم. وإذا بقي الحال على ما هو عليه، أي تسويف الإصلاح إلى أمد غير معروف، فإن الدولة لن يكون بمقدورها صرف حوالات التقاعد لجحافل المتقاعدين الذين سيغادرون العمل في السنين القليلة المقبلة.
حاول رئيس الحكومة أن يصلح صندوق التقاعد بإشراك النقابات الأكثر تمثيلية في هذا الإصلاح، وقدم بعض المحفزات من أجل نيل رضا النقابات لعله يجرها للتوقيع معه على مضمون الإصلاح، منها الرفع من التعويض على الأبناء الثلاثة من 200 إلى 300 درهم، مع تعميم هذا التعويض في حدود 5 أطفال، ورفع الحد الأدنى للمعاش إلى 1500 درهم. غير أن النقابات رفضت هكذا اقتراحات، لأنها بالنسبة لها ما هي سوى ذر الرماد في العيون من أجل الإجهاز على حقوق ومكتسبات العمال والموظفين الذين أفنوا زهرة شبابهم في العمل. وبدل أن تكافئ الدولة هؤلاء بتقاعد مريح، هاهي تقر تقليص معاشاتهم لتمنحهم «جوج فرنك» بحق في خريف عمرهم.
وبغض النظر عن الأسباب التي أدت بهذا الصندوق إلى الوضع المأزوم الذي يعيشه حاليا، وهي أسباب يصر رئيس الحكومة على أن يوليها ظهره، ليتجه إلى الحائط القصير كما يقول المغاربة، والذي هو الموظف البسيط، ليطلب منه أن يساهم في إصلاح صندوق كان هذا الموظف على الدوام يساهم فيه ماديا طوال السنين التي كان فيها عاملا نشيطا يؤدي الضرائب المفروضة عليه. وبغض النظر أيضا عن الالتزامات التي أخلت بها الدولة ومنذ عقود، حيث إنها لم تكن تؤدي مساهماتها المادية التي تراكمت عليها إلى أن أصبحت تناهز 19 مليارا. بغض النظر عن كل هذه المعطيات، فإن لا أحد يرفض مبدأ إصلاح هذا الصندوق الذي أفلس. أين كانت كل الحكومات السابقة التي كانت مسؤولة عن تسيير الشأن السياسي بالبلاد؟ لماذا لم تصلح منظومة التقاعد في الوقت المناسب؟ يبدو أن هكذا أسئلة لا أحد يطرحها الآن لأن المهم في هذه اللحظة هو كيف نتفق على إصلاح يضمن استقرار أنظمة التقاعد في البلاد.
اليوم نحن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن نصلح صندوق التقاعد، كي نطوي ملف هذا النقاش الذي طال أكثر مما يجب، ونحسم في هذا الإصلاح الذي ظل مشروعا تؤجله الحكومة تلو الحكومة. كل واحدة تخشى الاقتراب من عش الدبابير كما يقال، بسبب حساسية هذا الإصلاح القيصري الذي يعلم الكل أن نتائجه ستكون وخيمة على الموظفين الذين ستمس جيوبهم وقوت يومهم. وبدل أن يتمتعوا بتقاعد مريح سيعيشون حياة العوز قبل أن يلتحقوا بالرفيق الأعلى. لأن «جوج فرنك» التي أعد لهم بنكيران لن تمكنهم من معرفة ما معنى أن تستريح وتستمتع بالتقاعد، بعد أن قدمت العمر والصحة للوظيفة وللوطن. الخيار الثاني هو أن يتراجع رئيس الحكومة عن إصلاح أنظمة التقاعد بالبلاد، مادام أن الانتخابات مقبلة وأنه لن يكون وزيرا أول حتى ولو فاز حزبه بقصب السبق، لأن القانون الداخلي للحزب يمنعه من الترشح لقيادة الحزب لأكثر من ولايتين، وبذلك يريح نفسه ويستريح. وقديما قيل «كم من أشياء قضيناها بتركها».
لكن يبدو أن بنكيران يصر على هذا الإصلاح، وغالبا ما سيسير فيه حتى النهاية، بغض النظر عن موقف النقابات المنددة بصيغة الإصلاح. لكن السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: هل ما سيقدم عليه بنكيران من إصلاح أحادي لأنظمة التقاعد سيمر بسلام؟ ألن يكون لخطته الإصلاحية تداعيات على الاستقرار الاجتماعي؟ ما ذا سيكون رد فعل النقابات وهي ترى نفسها قد همشت وتم تجاوزها؟ ستكون مجبرة على رد الاعتبار لنفسها وحفظ ماء وجهها أمام الجماهير. وإن لم تفعل فستكون قد انتحرت سياسيا، لأن العمال والموظفين الذين تتكلم باسمهم، سيطلقونها وإلى الأبد.
إضعاف النقابات والأحزاب من خلال تجاوزها، لا شك أنه ستكون له تداعيات سلبية على الممارسة السياسية في البلاد. الحكومة والنقابات لا تزال أمامهما فرصة للجلوس إلى مائدة الحوار من أجل الاتفاق على إصلاح يراعي مصالح الموظفين، مع مراعاة مصلحة البلاد. ولجوء النقابات إلى مقاضاة الحكومة في الخارج بسبب تعنتها ورفضها قبول مقترحات النقابات، لن يخدم سمعة المغرب الذي يحاول أن يسوق لنفسه كبلد يحترم الحقوق ويدافع عن الحريات الفردية والجماعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى