
يونس جنوحي
أخيرا تم تحديد كلفة الحج لهذا العام. بدأ العد التنازلي لاستعداد الحجاج المغاربة للتوجه إلى البقاع المقدسة، بعد توقف اضطراري، ربما يكون الأطول في التاريخ، أملته ظروف الحجر الصحي وتداعيات فيروس كورونا.
هناك من يعتبر أن المبلغ الرسمي لمصاريف الحج، المعلن عنه أول أمس، مبالغ فيه. لكن بحكم الزيادة التي عرفتها الخدمات وظروف السوق العالمية، كان العاملون في قطاع وكالات الأسفار ينتظرون أن تعرف مصاريف الحج ارتفاعا في الأسعار. وبالتالي فإن الأمر لم يكن مفاجئا.
هناك رجل مغربي، اسمه محمد الحمدوني، والذي انطلقت رحلته من شمال المغرب في اتجاه الحج، قرر السير على القدمين، لإحياء طقوس الحج القديمة التي كانت شائعة جدا بين المغاربة قبل أن يركبوا البواخر الفرنسية من ميناء الدار البيضاء. طيلة قرون، كان الحج بالنسبة للمغاربة رحلة “العمر” التي يطوون فيها المسافات ويقطعون شمال افريقيا مشيا على الأقدام إلى أن يصلوا إلى الحج. ومع تقدم السنين أصبحوا يتوجهون إلى الحج بحرا، من الصويرة وآسفي والجديدة وسلا. وهناك من وقعوا في الأسر، خصوصا أيام المولى إسماعيل قبل أزيد من أربعة قرون، إذ كانت البواخر العسكرية الفرنسية والإسبانية توقف السفن المغربية في البحر المتوسط وتأسر الركاب لمواجهة “الجهاد البحري” الذي استهدف بواخر دول أوربية عظمى. ورغم اقتران الحج وقتها بالخطر، إلا أن أعداد الحجاج المغاربة كانت دائما في ازدياد. بل ينضم إليهم حجاج من السنغال و”تومبوكتو”، كانوا يأتون مشيا على الأقدام من الصحراء الافريقية ويصلون إلى مراكش ومنها يرافقون الحجاج المغاربة.
لم يكن المغربي محمد الحمدوني، الذي وصل اسمه إلى كبريات وسائل الإعلام العربية، أول مغربي يؤدي فريضة الحج مشيا مستغرقا أشهرا في المسير بين مختلف الدول العربية والإسلامية. بل سبقه مغاربة آخرون، خلال السنوات الأخيرة فقط. منهم من اختار ركوب الدراجة الهوائية وآخرون اختاروا المشي دون الامتناع عن ركوب وسائل النقل متى أتيحت. والمشكل أن بعض الدول لم يكن مسموحا المرور عبرها، مثل ليبيا التي كانت تعيش أوضاعا أمنية معقدة بسبب الأحداث التي تعرفها البلاد بعد سقوط نظام القذافي، ولم يكن أيضا مسموحا عبور الجزائر بسبب تعقيدات الفيزا، قبل أن تقرر السلطات الجزائرية العام الماضي تجميد العلاقات مع المغرب. وقبل سنة 1994 كان ممكنا السير على الأقدام من المغرب إلى مصر. لكن اليوم، لم يعد الأمر ممكنا بسبب مشكل إغلاق الحدود الشرقية بين المغرب والجزائر.
الحجاج الجزائريون، كانوا ينتظرون الحجاج المغاربة لكي يتحركوا جميعا إلى ليبيا ومصر للالتحاق بقوافل الحجاج. كانت تلك عادة حميدة قبل أن يظهر شيء اسمه “السياسة”. وكان العلماء المغاربة من القرويين، الجامعة الأقدم في العالم، يقودون مواكب الحجاج من مختلف الجنسيات والاتجاهات. وأخيرا فقط، صنفت بعض المخطوطات المغربية النادرة التي توثق لانطلاق رحلات حج قادها علماء مغاربة، قبل زمن ابن بطوطة، أي قبل سبعة قرون تقريبا. حيث كان موسم الحج أكبر من رحلة، بل قمة تعارف بين العلماء من الشرق والغرب.
في سنة 1962، أطلق الملك الحسن الثاني في أول موسم حج بعد جلوسه على العرش، مبادرة فريدة. إذ كلف موظفي وزارة الخارجية المغربية وقتها بإعداد لائحة بأسماء المواطنين المغاربة الذين قرروا الاستقرار في مكة أو نواحيها ولم يعودوا إلى المغرب، وأرسل إليهم الملك الحسن الثاني مجموعة من الهدايا. وكان هؤلاء المغاربة قد قرروا الاستقرار النهائي بين مكة والمدينة منذ أيام الملك الراحل محمد الخامس. وفعلا بذل موظفو الخارجية مجهودا كبيرا للوصول إلى كل الأسماء التي تضمنتها اللائحة، وهناك من بكى عندما تسلم هدية الملك الحسن الثاني. لكن لا أحد يعلم ما إن عاد هؤلاء “الحجاج” إلى المغرب أم أنهم شكلوا نواة الجيل الأول للسعوديين المغاربة.




