
صبري صيدم
بهدوء وسرعة كبيرين نفذت روسيا، قبل أيام، إنزالها الجوي بكازاخستان، لوضع حد لحال هذا البلد المضطرب، فيما نشرت وسائل إعلامها صورا لأرتال مدرعاتها وآلياتها على امتداد ثلوج الشتاء العاصف، وداخل حدود كازاخستان، في مشهد مهيب أرادت منه موسكو أن يبث الرعب في صدور الداعين إلى تغيير نظام الحكم بالعاصمة نور سلطان، ومن يقف وراءهم، ولترسل رسالة عميقة للولايات المتحدة، بأن أيا من الحروب التي تسعى الأخيرة إلى اختلاقها لن تمر.
وبهدوء أكبر، دفعت موسكو الآلاف من جنودها، والمئات من طائراتها في جسر جوي، قيل إن حصيلته المعلن عنها من أعداد قد وصلت إلى حاجز العشرين ألف جندي، فيما يتوقع المحللون أن العدد قد جاوز الخمسين ألفا، ناهيكم عن مشهد مئات جنود النخبة الذين تولوا تأمين القصر الرئاسي ومفاصل السيادة الكازاخية بعيدا عن الإعلام.
وعلى بعد مسافة قصيرة، كان التسخين على جبهة مثلث القرم بأوكرانيا، بين أمريكا وروسيا، قد وصل أوجه، وسط تصعيد إعلامي وتنام واضح للتحشيد الأمريكي في وجه موسكو، والدفع باتجاه رفد الجبهة المضطربة بحشود عسكرية روسية وأمريكية كبيرة تحضيرا لمواجهة محتملة. وفي أوج هذا التسخين كانت فيينا الشاهد الأقرب على إنهاء المحادثات الأمريكية الإيرانية باتجاه توقيع النسخة المحدثة من الاتفاق النووي، بعدما لاحت في الأفق موافقة إسرائيل السرية على بنود الاتفاق، التي أعلم مستشار الأمن القومي الأمريكي تل أبيب بها في زيارته الأخيرة، رغم ادعاء رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت رفضه المزعوم للاتفاق، ضمن سيناريو مصمم أصلا للحفاظ على ائتلافه الحكومي.
وسط هذا الازدحام السياسي والمادي، يحاول العالم التعايش مع السقوط المدوي لأفغانستان بيد طالبان، وتنازع المشهد بين القوى التي خسرت وتلك التي استفادت من سقوط كابول، وانهيار 20 عاما من المال مدعوما بالتسليح والتحشيد الذي احتل المشهد الأفغاني لعقود طويلة. وبين هذا وذاك ما زالت آثار الربيع العربي تنهش لحم الأمة العربية، التي تمزقت وتراجعت وتقهقرت، بفعل القتل والدمار وغياب السلطة، وتدخلات الأطراف التي خاضت حروبها بالوكالة عن قوى إقليمية ومحلية. وفي عرض البحار تندلع حروب السيطرة البحرية على اختلافها، في محاولة عنيدة تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية بغرض تقليم أظافر الصين، وإحباط تألقها الاقتصادي، والحد من تميزها التقني، ومحاولة فرض وقائع صعبة على الأرض، خاصة مع قرب ولادة مشروع طريق الحرير الذي أنفقت الصين مليارات الدولارات بغرض إعادته إلى الحياة.
بين هذا وذاك يستمر الاحتلال الإسرائيلي في تطبيق صفقة القرن، وسط ضعف أمريكي واضح، وإذعان عربي. أما بقية العالم فيأكله كورونا ومتحوراته بشكل لن ينقضي في أي وقت، بل سيصبح بمثابة الوباء المستدام، الذي سيطلب من البشرية أن تتعايش معه تحقيقا لمناعة القطيع، ووصولا إلى التبني التدريجي لمبدأ التطعيم السنوي.
كل ما ذكرناه ما هو إلا غيض من فيض الويلات والكوارث التي يعيشها العالم بأسره، وهو ما يفضي إلى قناعة هادئة مفادها أننا أمام حرب عالمية نائمة من حيث الدمار والقتل، لكنها متحركة ومتصاعدة في وجه البشرية التي تنتظر الانفجار.




