الرئيسيةالقانونية

الرأي والرأي الآخر في أثر العفو الملكي على مسار الدعوى العمومية

يوسف قجاج باحث في العلوم الجنائية

إن أهم ما يميز العفو الملكي كونه لا يمحو الصفة الجرمية عن الفعل المرتكب ولا يؤثر على ما يستتبع الفعل من آثار، وإنما يؤدي إلى انقضاء حق الدولة في تنفيذ العقوبة أو جزء منها، فهو إجراء يعفى به المتهم المدان من تنفيذ العقوبة الصادرة في حقه، ويمكن إصداره، سواء قبل تحريك الدعوى العمومية أو خلال ممارستها أو على إثر حكم بعقوبة أصبح نهائيا، وهو حق من حقوق الملك طبقا لأحكام الفصل 58 من الدستور، والفصل 01 من ظهير 06 فبراير 1958.
فالممارسة العملية لموضوع العفو الملكي أثبتت وجود إشكالات طرحت أمام المحاكم بخصوص مآل القضايا المعروضة عليها، بعد تمتيع المتهمين فيها بالعفو المولوي السامي.

الرأي الأول: سقوط الدعوى العمومية
ذهب أنصار هذا الرأي إلى أن العفو الملكي يترتب عنه سقوط الدعوى العمومية، وهو رأي يجانب الصواب ولا يرتكز على أي أساس ويفتقر إلى السند القانوني، كما أنه يخلط بين العفو العام أو الشامل وبين العفو الجزئي أو الخاص ولا يطرح أدنى إشكال أمام قضاة الأحكام، ذلك أنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 4 من قانون المسطرة الجنائية نجدها نصت على أن العفو الشامل هو الذي يترتب عنه سقوط الدعوى العمومية – طبعا إلى جانب أسباب أخرى حددها نص المادة4-، والعفو الشامل حسب منطوق الفصل 51 من القانون الجنائي لا يكون إلى بنص تشريعي صريح، في حين أن العفو الملكي أو العفو الجزئي، فهو حسب منطوق الفصل 53 من القانون نفسه حق من حقوق الملك ويباشر وفق الترتيبات التي تضمنها ظهير 06 فبراير 1958.

الرأي الثاني: وقف سير الدعوى العمومية
يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن العفو الملكي يترتب عنه وقف سير الدعوى العمومية في جميع مراحلها، ويستند أنصار هذا الرأي على مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل الثاني من ظهير 06 فبراير 1958 المتعلق بالعفو كما تم تعديله، والتي نصت على أن العفو الصادر قبل الشروع في المتابعات أو خلال إجرائها يحول دون ممارسة الدعوى العمومية أو يوقف سيرها حسب الحالة، في جميع مراحل المسطرة ولو أمام محكمة النقض .
فإذا كان وقف سير الدعوى العمومية لا يطرح أي إشكالات، قبل تحريك الدعوى العمومية أو أثناء تحريكها وممارستها في المرحلة الابتدائية، فإنه بالمقابل يطرح إشكالات عدة أمام محاكم الدرجة الثانية على اعتبار أنه يعطل الأثرين الناقل والناشر للطعن بالاستئناف للدعوى العمومية، سواء في مواجهة المتهم المستفيد من العفو الطاعن في الحكم الابتدائي الصادر في حقه، أو لباقي الأطراف الذين لهم الصلاحية قانونا في الطعن في الحكم، كما هو الحال بالنسبة إلى الأطراف المدنية.

الرأي الثالث: عدم قبول طعن المتهم المتمتع بالعفو الملكي
يذهب أنصار هذا الرأي إلى أن القرار الأمثل الذي ينبغي اتخاذه، هو عدم قبول الطعن المقدم من طرف المتهم الذي استفاد من العفو الخاص، سواء عدم قبول الطعن بالاستئناف من طرف محكمة الدرجة الثانية، إذا متع بالعفو الملكي بعد صدور الحكم الابتدائي في حقه، أو عدم قبول الطعن بالنقض إذا متع بالعفو بعد صدور الحكم الاستئنافي في حقه، ويستند أنصار هذا الرأي على قرارين صادرين عن محكمة النقض، الأول رقم 3286 بتاريخ 22 أبريل 1986، والذي اعتبرت فيه أن الطاعن تمتع بالعفو الملكي مما يجعل حدا لممارسة الدعوى العمومية في حقه، ويجعل طلب النقض المقدم من طرفه غير مقبول، والثاني رقم 425/1 بتاريخ 22 مارس 2006، اعتبرت بموجبه أن الدعوى العمومية قد توقفت، وأن الطعن بالنقض قد أصبح غير ذي موضوع.

الرأي الرابع: العفو الملكي لا يحول دون بت المحكمة في جوهر القضية
يذهب أنصار هذا الرأي إلى أن العفو الملكي لا يحول دون المحكمة والبت في القضية، على اعتبار أن مصلحة المتهم تبقى قائمة يسعى من خلالها إلى الدفاع عن مصالحه وإبراء ساحته من الأفعال المنسوبة إليه، وبالتالي لا يمكن مصادرة حقه في الطعن في الحكم الصادر ضده في جميع مراحل الدعوى العمومية إلى أن يصدر قرار نهائي بشأنها، ويرى أنصار هذا الرأي على أن العفو الملكي لا يمحو الجريمة والإدانة الصادرة بخصوص المستفيدين منه، بل يؤثر فقط في العقوبة، لذلك فهو لا يحدث أثره إلا بالنسبة إلى المستقبل لأنه لا يمحو الجريمة ولا الحكم، وإنما يعفي من تنفيذ العقوبة في حدود ما هو منصوص عليه في أمر العفو، وبالتالي يبقى للمتهم الصلاحية في ممارسة طعنه في الحكم الصادر في حقه، ويبقى للمحكمة التي عرضت عليها القضية المطعون فيها البت في جوهرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى