شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

الريسوني سجن ابنه الصغير لأنه أهمل دراسته وهكذا وصلنا إلى منطقته

ترجمة حصرية لمذكرات المغامِرة البريطانية روزيتا فوربس (5)

يونس جنوحي:

كان ضباط مركز الشرطة يجلسون في مكان واحد. اعتذروا لنا، بكثير من المرح، عن مظهرهم الرث. حيث كانوا يخلطون في ملابسهم بين «البيجامة» والبذلة والسترة. كانوا يتحدثون العربية مثل المغاربة، وقالوا لنا إنهم لم يروا سيدة منذ مدة طويلة (منذ عامين) إلى درجة أنهم بدأوا ينسون شكل النساء.

في الجهة المقابلة، كان يوجد رُسل الريسوني، ومعهم حارس يرافق رجال الجبل. كان معهم الشريف بدر الدين البقالي، كان مثيرا للانتباه بسبب حجم جسده الضخم. وخلفه كان يقف قايد المشور، المنبهي،  بجلبابه وصدريته الأرجوانية اللون، وبحزامه الفضي الكبير.

نقل إليّ هؤلاء الرجال تحايا الشريف، واعتذار ابنه الأكبر، القايد محمد لأنه لم يستطع المجيء معهم لمرافقتي.

عرفت في ما بعدُ، أن ابن الشريف، الذي لم يكن عمره يتجاوز ثمانية عشرة عاما، أهمل دراسته وتعليمه خلال الإعداد للاحتفالات بزفاف والده الأخير، وقام بوضعه خلف القضبان الحديدية حتى لا يتملص مرة أخرى من كُتبه.

كانت درجات الحرارة حينها مئة وثمانية فهرنهايت في الظل. وبصراحة، حتى في الصحراء العربية، لم يسبق لي أن أحسست بحرّ يفوق المكان الجاف، والريح المحرقة التي يبدو لي أنها قادمة من وراء التلال.

تقرر أن يتناول المسيحيون الطعام، بينما كان المسلمون يصلون قرب ضريح الولي الصالح.

تناولنا طعام الغداء مع الضباط الكرماء، الذين لم أتعرف على أسمائهم. وكانت وجبة رائعة جدا. ليس بفضل براعة الطاهي وابتكاره، ولكن لأنه لا أحد من كل اثنين كان يتحدث لغة الآخر. مزجنا خليطا من العربية واللغات الأوربية، وكان لبرج بابل أن يهتز من مكانه لقوة المجهود الكبير الذي بذله الضباط لكي يتواصلوا مع ضيوفهم!

استسلمنا في الأخير، وجلسنا خارجا في مساحة الظل الواسعة، نتأمل خيام الساحة التي يعقد فيها السوق الأسبوعي الكبير.

بمجرد ما سمع بعض الفضوليين أن هناك أجانب في المخيم، حتى تجمعوا حول الحافة التي رصت فيها الأكياس الرملية. كان أحد الرجال الذين جاؤوا لرؤيتنا يحمل في يده أفعى يداعبها بحنو. ودون أن نظهر لهم الاهتمام الكافي، بدأوا يقدمون أمامنا عرضهم الذي لم يكن ممتعا.

كان معهم شاب منظره متوحش، وشعره بشع، بدأ يسحق قطعة من الزجاج بأسنانه.

الرجل صاحب الأفعى كان يمسكها بذراعه الطويلة، وينادي أسماء الصالحين المدفونين في الأضرحة. ثم فتح فمه الذي كانت الرغوة تبرز من جوانبه، وأخرج لسانه وجعل الثعبان يثبت أنيابه فوقه. اختلطت رغوة فمه بالدم. وبدأ الرجل يأكل الأفعى الحية بضراوة وعيناه مقلوبتان إلى محجريهما.

أكل الرأس الذي كان مثبتا فوق لسانه أولا. ثم بدأ يمضغ جسم الثعبان الذي كان يترنح ويضربه على خديه.

وفي ذلك الوقت، كان الآخرون يغنون ويضربون الدف في إيقاع بدا أنه لتحفيز حالة الهيستيريا، أو حماسة المؤدين للعرض. الشاب الذي كان يأكل الزجاج، أخذ عصا كان يحملها أحد مرافقيه، وبدأ يضرب بها رأسه بقوة إلى أن فار منه الدم ولطخ شعره.

كان عرضا مقززا ومقرفا، لكنه كان ممتعا بالنسبة للغجر الواقفين للفرجة. بدأوا يصيحون ويصدرون أصواتا تشبه العواء، وسرعان ما انخرطوا في موجة رقص حققت أكبر عدد من المشاركين.

مشاهدة مبعوثي الريسوني الكرماء يقتربون أشعرتني بكثير من الارتياح.

قال القايد:

-إذا كنا نريد الوصول هذه الليلة يجب أن نتحرك الآن.

وبعدها بلحظة، يُسمع صخب تحميل البغال بالأمتعة وركوب الخيول.

كان القايد معجبا بحذائي ومنحني حصانه، كان فرسا رماديا جامحا. وقال لي:

-إنه «عْفريتْ». تحاملي معه باحترام.

لم أكن أحتاج إلى هذا التحذير. مجرد النظر إلى عيني الـ«عْفريتْ» كان كافيا.

لحسن الحظ كان مستحيلا السقوط من أعلى السرج العربي. كان واسعا ومبطنا جيدا، والجهة الأمامية والخلفية مزودة بطرف عال، ناهيك عن الخيوط الملونة والأثواب المثبتة بمقابض تشبه معاول التنقيب عن الفحم.

كان من الضروري تشكيل موكب للخروج من منطقة سيدي علي. رافقنا حوالي ستة ضباط مع قواتهم، كانوا في طريقهم إلى مركز آخر في «بو جلية». لكن بعد الصعود والنزول عبر عدد من التلال الوعرة والشديدة الانحدار، غادرونا، وتركونا بين يدي الريسوني.

أصبحت المنطقة أكثر توحشا. تتشابك الأودية مع أشجار العلّيق، وتظهر قربها شجيرات لا أعرف لها اسما. في الصحراء العربية كانوا يطلقون عليها «الحطب».

ذهب أولا جنود «الشريف»، كان يلحقهم رجال جبليون بجلابيب بنية اللون ويضعون بنادقهم خلف ظهورهم. ويسير خلفهم أزواج من البغال التي تحمل الأمتعة. ووراءهم يركب خادم للقايد الذي كان متأهبا ورشيقا مثل أرنب. سيده كان يركب بغلا نشيطا يتناسب لونه مع لون عمامته.

وكنت أنا والـ«عْفريتْ» خلفهم نسير في حركة غير مُريحة كانت أقرب إلى الرقص ونتحرك إما جانبيا أو في سلسلة من القفزات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى