حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسية

السلفية والفكر السلفي

ما هو «الفكر السلفي»؟ إنه فكر الآباء، الذي نهانا الله عن اتباعه، و(التحرر) منه هو التحرر مما نسجه الآباء بكل حرص وحب.

ونحن بقينا في رحم الآباء ونرفض الولادة إلى العالم الجديد. ومعروف في الطب أن الجنين الذي يبقى في الرحم أكثر من أجله، يقضي على الأم والجنين معا.

وهناك من يظن أن الآباء هم لقريش وأن فرعون هو بيبي الثاني الذي عاش في الألف الثانية قبل الميلاد، ولكن لكل ثقافة آباء. وهذا يعني أن لنا آباء يجب التخلص منهم بحرص واحترام. وكما كان لكل قرية مقبرة، كذلك الحال مع الأفكار الميتة، فيجب أن تدفن كما تدفن الجثث بكل إجلال.

وموقفنا من الآباء يتحدد أننا نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم، فهذا هو الانفكاك السليم من مشيمتهم بدون نزف قاتل. ويجب أن نعذر الآباء فهم نتاج بيئتهم، ويمكن رؤيتهم على صورة بشرية وليس إلهية.

ولكن من هم آباؤنا؟

والجواب عن هذا صعب وحساس ومزعج، ولكن لا مفر من الإجابة عنه. ويمكن القول باختصار إنه ذلك المخزون الثقافي من تراثنا الفكري الذي لم يعد يؤدي دورا، ويؤذي مثل الجثث التي تؤذي رائحتها ويجب أن تدفن وبسرعة على السنة. 

وتراثنا الفكري يعادل وضعنا، والاستمرار في إنتاج هذه الأفكار، يعني أن أوضاعنا المزرية سوف تستمر في الوجود. ومنها افتراض أن مشكلتنا هي أمريكا وإسرائيل، ولكن لو خسف الله الأرض بإسرائيل ما انحلت مشاكلنا. ولم يأت النسر الأمريكي إلى أرض نينوى وأوروك، لولا أنه رأى جيفة.

ونظرا إلى أن أوضاعنا مريضة، فأفكارنا مريضة مثل مريض التيفوئيد، حامل جراثيم السالمونيلا. ولكننا نواجه مريضا يهذي من الحمى ويرفض الاعتراف بأنه مريض. فليس هناك أبغض على النفس من الانتقاد، ولا تسكر النفس بخمر كالثناء. ونحن نثني على أنفسنا وزعمائنا في كل محفل، ونزعق بالدم بالروح نفديك يا أبو الجماجم.

وفلسفة ظلم النفس هي فلسفة قرآنية، ولكن فكر السلف يتهم الآخرين أنهم خلف انحطاطنا. مثل من يتهم الجراثيم أنها خلف المرض وينسى انهيار الجهاز المناعي، ونحن بهذا نعطي عقولنا إجازة مفتوحة.

وانهيار جهاز المناعة الداخلي أدى إلى انفجار أكثر من مرض، ومنها تورط الفكر السلفي في العنف واعتباره جهادا. فأعادوا إحياء مذهب الخوارج ليس باسم الخوارج، بل داعش وفاحش، ولكننا لم نتصور أنه سيرتطم بأبراج نيويورك. والجهاد في جوهره هو دعوة لإقامة حلف عالمي، لرفع الظلم عن الإنسان أينما كان ومهما دان.

وكل من فكر ابن لادن وبوش سابقا ومثلهما لاحقا، يرون أن القتل خير سبيل لحل المشكلات. ويشربان من العين الحمئة نفسها، فيكرران قول ابن آدم القاتل الأول: لأقتلنك وحيث العنف توقفت حركة العقل. ولا تجتمع الديموقراطية مع العنف، إلا إذا اتحد الماء مع النار.

ومقتل الفكر السلفي أنه يحدد فهم القرآن في عصر ورجال وتفاسير بعينها، والتفسير الفعلي ليس العصر والرجال، بل آيات الآفاق والأنفس، وهي مرجع القرآن. والقرآن قال: قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق؟ فطلب القرآن بذاته السير خارجه.

وللدخول إلى أي حقل معرفي لا بد من الأدوات المعرفية، ولفهم النص القرآني لا بد من استخدام العلوم الإنسانية المساعدة. فلا يمكن فهم القرآن بتفسير ابن كثير، كما لا يمكن فتح جمجمة بأدوات فرعونية.

ونحن حتى اليوم لم نفهم أن مشكلة التوحيد ليست تيولوجية، بل سياسية أن لا يتخذ الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله. وهي ورطة العالم الإسلامي حاليا، فقد عادت الأوثان إلى بلاد العربان، ولكن بين المسلمين وهذا الفهم سنة ضوئية.

وموت أمة لا يعني موت الإسلام. والإسلام هو مجموعة قيم قابلة للتحقق، وأي أمة التزمت بقدر من هذه القيم حققت الإسلام بهذا القدر. وكندا اليوم أقرب إلى الإسلام من الصومال وجزر القمر والسعودية وعبدان.

وباختصار الفكر السلفي يرى أن الرجوع إلى الخلف يعني المشي إلى الأمام، ويرى أن فهم القرآن يزداد وضوحا كلما غصنا أكثر في مغارة الماضي، وهكذا فتفسير الطبري أفضل من القاسمي، والقرطبي أفضل من رشيد رضا. ولكن التاريخ يقص علينا أن السلف هم الذين أضاعوا الخلافة الراشدة بحرب أهلية طاحنة. وعجزنا عن نقل السلطة السلمي، حتى قرأنا ترجمته باللغة الإنجليزية. وتحول التاريخ الإسلامي إلى مسلسل محموم من قنص السلطة الدموي ومحاولة شرعنته بالسيف، كما جاء في قصة أبي ليث الصفار، الذي زحف بالحرافيش والزعر إلى بغداد للاستيلاء على كرسي الخلافة، فحذره البعض من بيعة الخليفة، فسحب سيفا ملفوفا بخرقة، ثم لوح به أمام العيارين، وقال: هذا ما أجلس الخليفة في بغداد، فعهدي وعهده واحد.  

 

خالص جلبي

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى