شوف تشوف

الشعب المخدوع 2.2

 

 

 

كل هذه “اللهطة” في امتصاص جيوب المواطنين بأي ثمن لا تقابلها أية خدمات اجتماعية وصحية وتعليمية جيدة.

ففي الوقت الذي نجد فيه المواطنين يدفعون ضرائبهم كلها، ومضطرين لأداء مختلف الرسوم الكثيرة التي حملها قانون مالية 2018، فإنهم مجبرون أيضا على دفع تكاليف علاجهم وأيضا تعليم أطفالهم.

ففي مدينة جرادة، والتي من عجائب الصدف أنها هي أيضا تابعة لجهة يترأسها أحد أتباع إلياس العماري، نجد كل المؤشرات تدل على وضع كارثي في الخدمات الاجتماعية، حيث تستفيد مدينة وجدة عاصمة الجهة من الجزء الأكبر من المجهود المالي والتنموي، لتأتي المرتبة الثانية من حيث الاهتمام لمدينتي بركان والناظور، في حين أن جرادة وبوعرفة وتاوريرت والدريوش تقع في آخر اهتمامات المجلس الجهوي هناك.

لذلك فإذا كانت الحسيمة قد مهدت لزلزال سياسي على مستوى الإقالات بسبب التعثر في تنفيذ مشروع منارة المتوسط فإن ما يقع في جرادة ينبغي أن تتلوه محاسبة لكل من ساهم في إفشال مشاريع كان قد دشنها الملك سنة 2008، لكنها مشاريع لم تخرج إلى الوجود، لأنه يبدو فعليا أن هؤلاء المسؤولين “يخافو ما يحشمو”، فعندما نكون في جهة تصل فيها نسبة التمدرس مثلا إلى 0.8 بجماعة قروية تسمى أولاد محمد، أي أن أطفال هذه الجماعة لا ينهون في المدرسة سنة واحدة، ونجد في جماعة أخرى تسمى أولاد سيدي عبد الحاكم نسبة لا تتعدى 1.2، أي أن هاتين المنطقتين تقعان في المستوى نفسه لمناطق تعرف الحروب والمجاعات عبر العالم كجنوب السودان والصومال، وهذه مقارنة رسمية صادرة عن مؤسسة دستورية اسمها المجلس الأعلى للتربية والتكوين، فإننا نكون أمام دليل آخر على فشل كل السياسات الاجتماعية لهذه الحكومة والتي سبقتها أيضا.

فالكارثة هنا هي أن ما تصرفه الحكومة على التقارير أكبر بكثير مما يتم صرفه في إنجاز نتائجها على أرض الواقع، ففي تقرير رسمي يحمل عنوان “الأطلس المجالي الترابي للفوارق في التربية”، والذي صدر في السنة التي ودعناها، نجد أن هذا التقرير كلف مئات الملايين، ما بين “الخبراء” الذين أنجزوه، والتعويضات التي تم صرفها على أعضاء المجلس لمناقشته، والتي تكلف الخزينة العامة 13 ألف درهم لكل عضو، البالغ عددهم تسعين عضوا، وفي الأخير عندما يتم إصدار مثل هذا التقرير فإن المسؤولين الحكوميين والجهويين لا يكلفون أنفسهم حتى عناء قراءته.

ففي هذا التقرير، نجد أن جهة الشرق، والتي اندلعت فيها هذه الاحتجاجات، تصنف في الرتبة 150 عالميا، إلى جانب مناطق تعيش المجاعات والحروب الأهلية.

لكننا عندما نطلع على مشاريع الجهة لهذه السنة، وعلى قانون المالية لسنة 2018 فإننا لا نجد أي تجاوب مع توصيات هذا التقرير، مما يعني أننا أمام حكومة تولي ظهرها لأطفال المناطق المهمشة، ولا تولي أي اهتمام لردم الفوارق المجالية بين الجهات، بل وبين الجماعات الترابية للجهة الواحدة، إذ لم ترصد أي مشاريع لدعم التمدرس في مختلف الجماعات الترابية التي اعتبرها هذا التقرير مناطق “منكوبة”.

والأمر ذاته في قطاع الصحة العمومية، فبدل تطوير جودة الخدمات الصحية في المستشفيات العمومية، وخلق بدائل لمواكبة الوضع الصحي لملايين الفقراء الذين يصارعون لوحدهم موجة البرد، ها هو العثماني لم يجد شيئا يقوم به غير الإدلاء بتصريح يصف فيه وزير الصحة الأسبق لحسن الوردي بكونه “أسوأ وزير صحة”، مع أن “بلحوحتنا” بحت ونحن نردد طوال خمس سنوات أن الوردي كارثة أصابت قطاع الصحة، لكن بما أنه كان يمنح الرخص والامتيازات للقطاع الخاص ويتابع شخصيا الحالة الصحية لوالدة بنكيران رحمها الله “فلهلا يقلب فالشي لاخر”.

هكذا انتهت 2017 بواقع أسوأ مما كان عليه الوضع قبل هذه السنة، حيث الاستمرار في رهن البلد للقروض الدولية، وضرب الخدمات العمومية، بما في ذلك ضرب الوظيفة العمومية، في التعليم والصحة أساسا، وإرهاق جيوب المواطنين بضرائب ورسوم لم يرها المغاربة من قبل دون تقديم خدمات عمومية مناسبة مقابل ذلك، بل إن العكس هو ما يحصل، إذ نجد تبذيرا رهيبا للمال العام في عشرات الدراسات والتقارير التي يكون مصيرها هو الأرشيف، ومنه إلى معامل تدوير الورق في مصانع “الكارطون” في تمارة والقنيطرة، فضلا عن الاستمرار في السياسوية المقيتة في التعاطي مع مشاكل المواطنين، وإلا هل يعقل أن يدخل قطاعان اجتماعيان هامان، هما الصحة والتعليم، الشهر الثالث دون وزير ؟

فكما ودعنا 2016 على إيقاع الفراغ الوزاري في هذين القطاعين، ها نحن نودع 2017 على إيقاع الوضع نفسه، وما بين السنتين هناك حكومتان، الأولى أسست للفشل ووضعت له “منهجية” عنوانها خوصصة القطاعات الاجتماعية بأي ثمن، والثانية تسير في الاتجاه نفسه لإنهاء شيء اسمه الخدمة العمومية، والمعول أن تحمل 2018 زلزالا سياسيا آخر يخلصنا من هذه الكائنات الإدارية والحزبية التي تعبث بالأمن الاجتماعي للمغاربة والتي يتحمل فيها الشعب المخدوع الذي منحها أصواته مسؤولية كبيرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى