الرئيسية

المحطة الحرارية لآسفي.. الهدية الملوثة لحكومة بنكيران

المهدي الكراوي
خلال شهر شتنبر من سنة 2014، أشرف عبد الإله بنكيران، بصفته رئيسا للحكومة، على التوقيع بجانب عبد القادر اعمارة، وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، على مراسيم العقود الاستثمارية لبناء محطة حرارية جديدة بآسفي تعمل بالفحم الحجري من أجل توليد الطاقة الكهربائية. وهي الصفقة التي تزامنت مع إطلاق الحكومة الفرنسية لمشروع «مخطط فحم 2035»، الذي يقضي بإغلاق 7 محطات حرارية تعمل بالفحم الحجري، والتي أصبحت في حكم التقادم والتخلف الصناعي مع عدم ملاءمتها للقوانين البيئية الأوربية الجديدة، مما أعاد الحديث بقوة عن الآثار الملوثة لمشروع المحطة الحرارية لآسفي، بالنظر إلى عدم مسايرته لما انخرط فيه المغرب من أجل المحافظة على البيئة والاستثمار في الطاقات البديلة والنظيفة التي أشرف الملك محمد السادس على إعطاء انطلاقتها خاصة المشروع العملاق لـ«نور وارزازات».

يعتبر مشروع المحطة الحرارية لآسفي، بحسب ما كان صرح به عبد القادر عمارة، وزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، بكونه أكبر استثمار أجنبي من نوعه في المغرب بقيمة 2.6 مليار دولار أمريكي، وينتظر من المحطة الحرارية لآسفي أن توفر إنتاجا سنويا سيمكن من تغطية حوالي 25 في المائة من الطلب الوطني على الكهرباء بحلول سنة 2018، كما تعرف مساهمة البنك الياباني للتعاون الدولي بـ 900 مليون دولار، ومساهمة البنوك الدولية المضمونة من طرف اليابان بنحو 485 مليون دولار، بجانب مساهمة البنك الإسلامي للتنمية بمبلغ قدره 69 مليون دولار، وتساهم باقي البنوك الدولية بما يربو عن 100 مليون دولار، والمساهمين بما يناهز عن 535 مليون دولار، لكن هذا المشروع الكبير لم يحظ بتدشين ملكي، وبقي تحت الإشراف المباشر والفعلي لرئيس الحكومة ووزيره في الطاقة والمعادن والماء والبيئة، عبد القادر اعمارة.

نصف مليون طن من النفايات
خلق الإعلان عن إطلاق محطة حرارية تشتغل الفحم الحجري بمدينة آسفي موجة غضب وجدلا كبيرا بين الجمعيات المحلية والمنتخبين الذين حضروا ندوة من إشراف عمالة آسفي حضرها كل المتدخلين لجس نبض الشارع، خاصة وأن المخاطر البيئية الملوثة للفحم الحجري لن تزيد إلا في عزلة المدينة وإلصاق تهمة التلوث بها، بجانب ما ظلت تعانيه طيلة 60 سنة من مخلفات الصناعات الكيماوية ووحدات تصبير السمك ونقل الأمونياك والكبريت من وسط ميناء الصيد البحري إلى المركبات الكيماوية جنوبا عبر خط السكة الحديدية الذي يمر عبر المدينة القديمة ويفصل سكان حي تراب الصيني وأموني إلى نصفين.
الجمعيات البيئية بآسفي رفضت استيطان محطة حرارية من الجيل القديم تعمل بالفحم الحجري، وبكون الحكومة لم تفكر في بدائل جديدة لتوليد الطاقة الكهربائية، وبكون العديد من المدن المغربية رفضت استقبال هذا المشروع الذي دافعت عنه حكومة بنكيران بقوة واستجابت في الأخير لمطلب المكتب الوطني للكهرباء، الذي وقع اختياره في الأخير على توطين هذه المحطة الحرارية على بعد 8 كيلومترات فقط من المركبات الكيماوية بمدينة آسفي على ساحل المحيط، وهو المشروع الذي تطلب موارد مالية ضخمة وإضافية من أجل بناء ميناء معدني لتزويد المحطة الحرارية بالفحم الحجري، خاصة بعد فشل المكتب الوطني للكهرباء، تحت ضغط جمعيات المجتمع المدني، في بناء هذه المحطة الحرارية بمدينة أكادير منذ سنة 2000، لأسباب ترتبط بالمصالح السياحية للمدينة.
ويبقى أحد أكبر مخاوف ومخاطر التلوث الناتج عن توليد الطاقة الكهربائية من المحطة الحرارية لآسفي، هو الفحم ورماده المتطاير في الهواء وانعكاساته الضارة بالصحة وجودة الهواء والحياة البرية والبحرية والأنشطة الفلاحية المجاورة للمحطة، حيث رفضت جميع الجماعات القروية المشكلة لإقليم آسفي، حتى الآن، إحداث أكبر مقبرة ملوثة لطمر مخلفات استعمال الفحم الحجري وباقي المخلفات الملوثة للمحطة الحرارية، حيث تتوقع وثائق الدراسات التقنية للمشروع الذي تتستر عنه الحكومة والمكتب الوطني للكهرباء، ارتفاع حجم النفايات الملوثة بمدينة آسفي الناتجة عن اشتغال المحطة الحرارية إلى نصف مليون طن سنويا، من بينها 400 ألف طن من الرماد المتطاير على شكل جزيئات، و100 ألف طن من الرماد المترسب، والناتج عن استعمال 10 آلاف طن من الفحم يوميا من أجل تشغيل المحطة.

تهديد الحياة النباتية والحيوانية
كشفت دراسة علمية للآثار البيئية والاجتماعية للمحطة الحرارية أنجزت من قبل خبراء بطلب من المكتب الوطني للكهرباء، (تتوفر «الأخبار» على نسخة منها)، أن الحياة النباتية والحيوانية في المنطقة ستتأثر بعمل المحطة الحرارية، سواء على مستوى الأحياء البحرية أو البرية، كما أن المدار الحضري لمدينة آسفي سيصبح ضمن الشريط الخاضع لمنطقة التأثيرات المباشرة عند بدء أشغال توليد الطاقة عبر حرق الفحم في «توربين» ضخمة لإنتاج الطاقة.
وأوردت المعطيات ذاتها أن من بين الأحياء البرية التي ستتأثر بشكل مباشر من ملوثات المحطة الحرارية حشرة الجندب التي لم يسبق لعلماء الأحياء في المغرب أن حددوا مواطنها قبل أن تكتشف بأعداد كثيفة في محيط موقع المحطة الحرارية، بجانب طائر جلم الماء البليري المصنف عالميا والمهدد بالانقراض. كما تتوقع الدراسة العلمية وقوع متغيرات طبيعة ومناخية سواء على جودة مياه البحر أو الهواء.
ويسود حاليا خلاف حاد بين الجمعيات البيئية من جهة والمكتب الوطني للكهرباء وشركة آسفي للطاقة من جهة أخرى، بسبب ارتفاع درجات التلوث في مدينة آسفي، والذي سينتج عن تشغيل المحطة الحرارية بالفحم، وأيضا بفعل قرار المشرفين على المحطة الحرارية تحويل مدينة آسفي إلى «مقبرة للنفايات السامة»، حيث ستقوم المحطة الحرارية بطمر ودفن مئات الآلاف من الأطنان من الرماد في مواقع شمال وشرق مدينة آسفي لم تحصل بعد على الموافقة من قبل الهيئات المنتخبة.
وتشير دراسة علمية أعدها مكتب دراسات مختص بطلب من المكتب الوطني للكهرباء، إلى أنه سينتج ارتفاع في درجة مياه البحر بفعل استخدام مياه المحطة في مسلسل التبريد لآليات تشغيل المحطة، كما سيرتفع مستوى الضوضاء الصناعي في محيط المحطة، بجانب تخوفات كبيرة من تلويث الآبار والمياه الجوفية لسكان المنطقة المحيطة بالمحطة الحرارية، وانعكاس كل ذلك على موطن الأحياء البحرية والبرية من نباتات وأسماك وطيور وماشية.
هذا ودقت العديد من الجمعيات ناقوس الخطر بخصوص الآثار البيئية السلبية للمحطة الحرارية لآسفي، حيث طالبت جمعية «أطاك المغرب»، في هذا الشأن، بمناسبة استضافة المغرب لمؤتمر «كوب 22»، بإرساء نموذج مجتمعي بديل مبني على أنماط جديدة للإنتاج والاستهلاك والسكن والأكل والعيش مع احترام الطبيعة، وشددت بالخصوص على وضع مدينة آسفي التي تضررت بشكل بالغ من التلوث، والذي تقوم فيه الحكومة المغربية اليوم ببناء محطة حرارية تعمل بالفحم الحجري، وهو ما يعكس زيف الخطاب الرسمي الذي يتحدث عن التنمية الخضراء ويواصل الاستثمار في الطاقات الملوثة، بحسب تعبير الجمعية، في وقت تشكلت تنسيقية تضم 30 تنظيما سياسيا وحقوقيا بمدينة آسفي، تحت اسم «شبكة الدفاع عن البيئة وضد المحطة الحرارية»، حيث أطلقت حملة «قناع الأنف الواقي» للتظاهر ضد مخاطر المحطة الحرارية.
وتشير خلاصات الدراسة البيئية لمشروع المحطة الحرارية لآسفي إلى وقوع متغيرات طبيعة ومناخية سواء على جودة مياه البحر أو الهواء، وهو ما سيجعل الثروات السمكية لمدينة آسفي في انقراض، خاصة وأن الأنشطة الصناعية والكيماوية التي تعرفها المدينة ساهمت في تراجع كبير ومقلق للثروة السمكية، حيث تراجع ميناء آسفي باحتلاله الرتبة العالمية في صيد وتصدير السمك خلال عقد السبعينيات، وانتقل إنتاجه من سمك السردين من 150 ألف طن سنة 1970، إلى أقل من 50 ألف طن حاليا، وهو ما كانت له انعكاسات اقتصادية واجتماعية كبيرة، خاصة على مستوى إغلاق وحدات تصبير السمك التي انتقلت من 130 وحدة إلى 5 وحدات حاليا، مع ما رافق ذلك من تسريح لعشرات الآلاف من اليد العاملة، وارتفاع كبير في معدلات الفقر والبطالة.
ضريبة توجه صناعي ملوث
في فرنسا أطلقت الحكومة مشروع «مخطط فحم 2035»، الذي يقضي بإغلاق 7 محطات حرارية تعمل بالفحم الحجري، والتي أصبحت في حكم التقادم الصناعي وعدم ملاءمتها للقوانين البيئية الأوربية الجديدة، حيث تم إغلاق المحطة الحرارية لمنطقة لورين في 9 أبريل 2015، ومن بعدها أغلقت محطة «فيتري سير سين»، في وقت يشير تقرير صادر عن «كلين أير تاسك فورس»، إلى أن المحطات الحرارية التي تعمل بالفحم، تتسبب في وفاة 13 ألف شخص بالولايات المتحدة الأمريكية. أما منظمة «غرين بيس» العالمية الشهيرة فقد كشفت، في أحدث تقاريرها، أن المحطات الحرارية بالفحم وراء فقدان أزيد من 240 ألف سنة من الحياة بالنسبة للإنسان في أوربا.
ويعتبر سكان آسفي أن المدينة أدت بما يكفي ضريبة التوجه الصناعي الملوث، وأن مستقبل المدينة هو توفير كل السبل لتغيير السياسات العمومية المتبعة في الإقليم، والدفع بخيارات اقتصادية جديدة كالسياحة والصناعات غير الملوثة والطاقات البديلة، خاصة الطاقة الريحية التي تميز الساحل الصخري للإقليم، وأيضا إعطاء دفعة قوية لقطاع الصيد البحري والخدمات واللوجستيك، وخلق منطقة تجارية موجهة للتصدير، خاصة وأن ميناء آسفي الجديد والقديم يمكنهما أن يلعبا دور الرافعة في تصدير المنتجات الفلاحية والغذائية والصناعية لمدينة مراكش والجهة ككل، والتي يتم تصديرها حتى الآن عبر ميناء الدار البيضاء، مع ما تشكله هذه العملية من ارتفاع كبير في تكلفة النقل.
وطيلة خمس سنوات من عمر حكومة بنكيران لم تستفد مدينة آسفي من مشاريع تنموية مستعجلة كمستشفى متعدد التخصصات أو مركز للأنكولوجيا، أو خط للسكة الحديدية مباشر مع مراكش والجديدة، أو تأهيل وتحديث ميناء الصيد البحري وتأهيل الشبكة الطرقية المتهالكة في العالم القروي وتعميم استفادة سكان القرى من الماء الصالح للشرب والكهرباء، وخلق منطقة لوجستيك، أو خلق جامعة للتعليم العالي مستقلة عن مراكش بتخصصات جديدة كالطب والصيدلة والهندسة المعمارية، في حين أنها كانت أول مدينة تختارها الحكومة من أجل إنشاء محطة حرارية من الجيل القديم تعمل بالفحم الحجري الذي تخلت عنه كل الدول الأوربية، وستكون فاتورة مخلفاته البيئية على الإنسان والمجال الطبيعي أكبر بكثير مما ستربحه من إنتاج الطاقة الكهربائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى