حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

المطار.. مرة أخرى

درشول
في مطار مدريد سألني الشرطي، وهو يمسك بجواز سفري الأخضر: «من أي بلد أتيت؟». كان السؤال بالإسبانية، لذلك أجبته بالإنجليزية قائلة: «آسفة أنا لا أتحدث الإسبانية». ابتسم، وأعاد طرح السؤال بلغة أفهمها، أجبته أني من المغرب، وفي نفسي أستغرب كيف يسألني عن البلد الذي أتيت منه وجواز سفري يحدد مكاني الجغرافي. لكن الشرطي كان شيء ما يشغله بشأني، فسألني مرة أخرى: «هل تقيمين بمراكش؟»، أجبته أني أقيم بالرباط. ابتسم لي ابتسامة وديعة، وقال لي: «مرحبا بك عندنا»، رددت عليه بابتسامة خجولة، وأجبته هذه المرة بالإسبانية: «شكرا لك».
أول مرة أبرز جواز سفري كان منذ 11 سنة، كانت أول دولة أطأ أرضها خارج أرض الوطن هي قطر. دخل أخي غرفتي في الليلة التي سأسافر فيها وقال لي إني ذاهبة إلى بلد يرى المغربيات مجرد نساء سيئات، وإن علي أن أقدم صورة جيدة عن هؤلاء المغربيات اللواتي لم يكتشفهن بعد أهل قطر. لذلك حين أبرزت جواز سفري الأخضر للموظفة في مطار الدوحة، صلبت ظهري، ورفعت رأسي، ورسمت على عيني نظرة مليئة بالأنفة والكبرياء.. كنت أتصرف مثل المغربيات اللواتي قال لي أخي إن أهل الخليج والمشرق لا يعرفونهن بشكل جيد بما يكفي. يومها نظرت إلي الموظفة بكثير من الفضول، سألتني إن كنت مذيعة في قناة «الجزيرة»، كانت «الفيزا» قد كتب فيها أن كفيلي هو قناة «الجزيرة»، قلت لها إني مدعوة من القناة. تجمعت زميلات للموظفة في مكتبها الصغير وسألنني بما بدا أنه صوت واحد: «أنت مغربية؟»، كان السؤال مليئا بالفضول، مليئا بالرغبة في التعرف إلى واحدة من هؤلاء المغربيات اللواتي يملكن سحرا يخلب عقول رجالهن.
ثلاث سنوات بعدها، ستطأ قدماي أرض لبنان، في مطار «رفيق الحريري» سألني الشرطي من أين أتيت، صلبت طولي، ورفعت رأسي ورسمت على عيني نظرة الأنفة والكبرياء، وقلت له: «من المغرب». كان لبنان في ذاك الوقت قد تحول وسوريا والأردن إلى دول عبور لتجارة البشر، ازدهرت فيها التجارة ببائعات الهوى وأيضا المغرر بهن من المغرب. رد علي الرجل: «يا ميت أهلا وسهلا بأهل المغرب الكرام».
المطار هو بوابة أي دولة، فيه يمكن أن تقيس مستوى عدوانية أو حميمية الشعب الذي ستجده فور أن يختم الشرطي جواز سفرك، ويأذن لك بالمرور. المطار ليس مكانا محايدا، فيه يمكن أن يستقبلك الشرطي بابتسامة عريضة إذا كان جواز سفرك ذا سمعة جيدة، وفيه يمكنه أن يعبس في وجهك إذا دخلت بلده في نزاع مع بلدك، وفيه أيضا يمكن أن يحاول الشرطي التودد إليك لأنك قادم من بلد لا يزال يريد أن يعرف عنه الكثير.
في مطار القاهرة بت أعتاد أن أوقف من شرطي المطار ليتحدث إلي بالفرنسية، أو ما يعتقد أنه فرنسية. مرة طلب مني الشرطي مرافقته إلى مكت رئيسه، كان الرئيس يرتدي لباسا مدنيا، وكنت أحاول أن أفهم السبب في المجيء بي إلى رجل يبدو أنه ضابط مخابرات وليس مجرد شرطي. أذكر أن الرجل تحدث إلي بالفرنسية وقال لي إنه يدرس الفرنسية منذ زمن ليس ببعيد، وإنه سيجتاز أول امتحان في المعهد الذي يدرس فيه، وإنه يريد أن أستمع لنطقه للجمل التي سوف يستظهرها في امتحان الشفوي.. كان طلبا غريبا، لذلك آثرت أن أكتم ضحكاتي إلى أن يختم الشرطي جواز سفري، ويسمح لي بدخول قاهرة المعز.
مطارات الدول العربية تتعامل مع حاملي جواز السفر المغربي بطريقة لن يشعر بها إلا من اعتاد على السفر إلى هذه البلدان. الكثير يعتقد أن دخول هذه الدول بجواز سفر مغربي يجلب المشاكل لصاحبه، وهذا أمر خاطئ، حتى في دولة مثل الأردن، حيث ضابط المخابرات يقف إلى جوار ضابط الأمن وهو يقلب جواز سفرك، سرعان ما يتحول إلى حمل وديع حين تقف أمامه مصلوب الظهر، مرفوع الرأس وترسم على عينيك نظرة أنفة. في مطار تونس، نادرا ما سيرفع الشرطي نظره إليك، وسوف يكتفي بأن يسألك وهو ينظر إلى شاشة الحاسوب: «سم بوك؟»، وحال أن تخبره عن اسم والدك تسمع صوت الختم وهو يترك أثره على جواز سفرك.
«المجانين فقط من يذهبون إلى ليبيا الآن»، هذا ما سمعته من أصدقائي وأنا أخبرهم أني ذاهبة إلى ليبيا.. سنتان مرتا على مقتل القذافي، لا حكومة ولا نظام في البلاد، وصوت الرصاص في كل مكان، ومع ذلك حملت حقيبتي وسافرت. أوصاني أصدقائي ألا أستفز الميليشيات المتواجدة في المطار، وأنهم قد يطلبون مني إجراء فحص للسيدا فقط لأني أحمل جواز سفر مغربي، لكني حين وصلت لمطار طرابلس، ووقفت أمام أحد أفراد الميليشيات، اكتفيت بأن أصلب ظهري، وأرفع رأسي وأرسم نظرة الكبرياء على عيني لأحصل على ختم الدخول على جواز سفري، بل إن أحد أفراد الميليشيات، حين علم أني متوجهة إلى بنغازي، أتى إلي ليخبرني أن الطائرة وصلت، وألا أتردد في التواصل مع الميليشيات إن أنا احتجت لأي شيء.
المغاربة يعتقدون، أيضا، أن جواز سفرهم الأخضر لا يلقى القبول اللازم وهم يلجون أرض أوروبا، أو أمريكا، فقط هم لا يعرفون أنهم إن تعرضوا لأية مضايقة، فإن السبب هو أنهم نسوا أن يصلبوا ظهورهم، ويرفعوا رؤوسهم ويرسموا على أعينهم نظرة الأنفة، نسوا أن يتصرفوا كمغاربة، لذلك حين مددت جواز سفري لشرطي المطار في واشنطن ذات سنة، ابتسم لي وسألني إن كانت أول مرة أزور فيها أمريكا. وحين سافرت إلى إيطاليا، كان الشرطي ينظر إلى جواز سفري بارتياب، فاكتفيت بالنظر إليه بأنفة، ليبتسم لي ويقول وهو يختم جوازي: «يومك سعيد». حتى في أكرا، عاصمة غانا، حين طلبت مني موظفة المطار بعنف أن أفتح حقيبتي، رددت عليها بنظرة غاضبة ووجه عابس، ولم أنس أن أصلب ظهري، وأرفع رأسي وأرسم على عيني نظرة الأنفة، لأجد زميلها يتحدث إلي بلطف، ويقول لي: «يمكنك أن تتفضلي سيدتي»، وأغادر.
التردد على المطارات سيجعلك تفهم أنك قد لا تملك أقوى جواز سفر في العالم ليهابك الناس، لكنك تملك السر في أن تجعل الناس يعاملونك باحترام، وهو «ظهر مصلوب، رأس مرفوع ونظرة عين مليئة بالأنفة»، هذا هو جواز سفرك الحقيقي.

مقالات ذات صلة
حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى