
محمود حسونة
في الحرب الإسرائيلية على غزة معلوم ومستور. معلوم أن إسرائيل تريد تصفية القضية الفلسطينية، ومعلوم أنها تسعى إلى تهجير الفلسطينيين من وطنهم، سواء كان قسرا أو طواعية، رغم إدراكها أن لا أحد منهم يريد الهجرة، ولكنها تجبرهم عليها وتدفعهم بالأسلحة، بما فيها المحرمة للهرب من جحيم الحرب والموت جوعا، تقتل وتدمر وتخرب وتجوع وتحاصر وتطارد منذ 22 شهرا، لتنفيذ مخططها بإخلاء قطاع غزة من أهله واحتلاله. ومعلوم أنها تستخدم أحدث وأقوى ما أنتجته مصانع السلاح الأمريكية لإبادة شعب يتشبث بأرضه، ويفضل العيش في جحيمها على الخروج منها. كل هذا وأكثر منه يعرفه العالم كله ويثير غضب معظم سكان الكوكب، بعدما أدمت مشاهد الإبادة القلوب في أربع جهات الأرض، وبعدما خلعت إسرائيل برقع الحياء واستحلت المحرّم وتجاوزت القانون الدولي والقانون الإنساني، وجاهرت بجرائم وأخفت وأنكرت جرائم أملا في مواصلة تضليل العالم الذي لم تعد تنطلي عليه تصريحات ساستها ولا إعلامها ولا الداعمين لها، وساهمت في فضح عنصريتها وخبث نواياها تصريحات وزرائها المتطرفين الذين يتوعدون الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر 2023 بمحوه من الوجود، والسطو على ممتلكاته وتجريده من كل حقوقه الإنسانية، وكل ذلك لتنفيذ مخطط إسرائيل الكبرى الذي أعلن بنيامين نتنياهو، قبل أيام، أنه في مهمة تاريخية وروحية لتحقيق ذلك.
في المقابل، إنه مستور عن الرأي العام أن إسرائيل ليست وحدها التي تستهدف الفلسطينيين، وأنها وداعميها ما كانوا يستطيعون ارتكاب كل هذه الجرائم في قطاع غزة وفي الضفة أيضا لو كان الفلسطينيون يدا واحدة، انقسامهم يسّر مهمة الاحتلال، البعض منهم أسهم في استهداف أهله وناسه، سواء عن طمع في مال أو سعيا خلف سلطة وهمية أو تعاونا مع المحتل. وبصرف النظر عن كون هؤلاء يعلمون أو لا يعلمون نتائج أفعالهم، إلا أنهم في النهاية مساهمون بشكل أو بآخر في قتل أهلهم وأطفالهم ونسائهم وتخريب ديارهم واستباحة محرماتهم وتصفية قضيتهم.
خلال هذه الحرب ارتكبت «حماس» الكثير من الخطايا التي اتخذتها إسرائيل ذريعة لتنفيذ مخططاتها، كانت البداية بهجوم السابع من أكتوبر 2023، والذي لم يكن يوما أسود على إسرائيل، بقدر ما كان حالك السواد على أهل غزة، كان الفتيل الذي أشعل حربا بلا نهاية، استغلته إسرائيل لتنفذ حلمها القديم المتجدد، وصورت نفسها أمام العالم أنها الدولة المحاصرة من «الإرهابيين» من كل جانب والمستهدفة من محيطها، وأن من حقها الدفاع عن نفسها واستعادة رهائنها بكل الأساليب الممكنة، صدّقها العالم وتعاطف معها، ودعم حربها على القطاع، من منطلق أنها رد فعل، قصفت ودمرت وخربت وغزت ولم تترك كائنا حيا إلا واعتبرته هدفا لها.
بذل الوسطاء جهودا امتدت على زمن الحرب، هُدَن اختُرقت ومبادرات رُفضت، وبدلا من أن تستمع «حماس» لصوت العقل وتطأطئ الرأس أمام العاصفة المدمرة، حفاظا على الناجين من الغزيّين بعد مقتل عشرات الآلاف، واصلت غيها ومارست غرورها وهي تسلم رهائن في استعراض رخيص، محاولة الإيحاء بأنها الأقوى وأن النصر لها. لم يشغلها مقتل عائلات بأكملها، ولم يلفتها تشرد الناس على الطرقات، وتمسكت بالرهائن توهما أنهم وسيلتها لإذلال إسرائيل، وكأنها لا تدرك أنهم منذ بداية الحرب في ذيل اهتمامات نتنياهو وحكومته. ولم تكتف «حماس» بصم الآذان لكل نداءات الحكماء للقبول بشروط وقف إطلاق النار المدعومة أمريكيا والمعلوم أنها مجحفة تفاديا لكوارث أكبر، ومحاصرة لأهداف إسرائيل الحقيقية. ووصل الأمر بالحركة إلى حد استهداف فلسطينيين بنيرانها، مما أثار عليها غضب عائلات كانت داعمة لها في الماضي.
انقلب العالم على إسرائيل بعدما أدرك أن هدف الحرب هو الإبادة وليس تحرير الرهائن، ورغم ذلك لم تدرك «حماس» ما أدركه الجميع، أو أنها أدركت ولم يرف لها جفن، فهي ونتنياهو وجهان لعملة واحدة، هو يواصل الحرب حفاظا على السلطة وهي تمسكا بالسلطة، لا الرهائن قضية نتنياهو، ولا الشعب الفلسطيني قضية «حماس». وفي أوقات الحروب والفوضى تخرج الشياطين من الجحور بحثا عن فتنة تصنعها لتزيد النار اشتعالا، وفي غزة خرجت ميليشيات تعرض خدماتها على المحتل، وتساعده في قتل وتجويع الأبرياء، تسرق المساعدات القليلة التي سمحت إسرائيل وأمريكا بدخولها، أسهمت في قتل الجوعى وهم ينتظرون حفنة دقيق.
وصلت الوقاحة إلى ذروتها بتظاهر بعض فلسطينيي الداخل أمام السفارة المصرية في تل أبيب، محملين القاهرة مسؤولية تجويع غزة، فئة من الفلسطينيين بلا بصر ولا بصيرة، تنتمي إلى الجماعة الإرهابية المنحلة ارتضوا أن يكونوا خنجرا مسموما في يد إسرائيل تصوبه على مصر التي تبذل جهودا يعلمها العالم كله منذ بداية الحرب لإيقافها ولإدخال المساعدات وعدم التهجير بكل صيغه وأشكاله، حفاظا على القضية وعلى الحقوق الفلسطينية، وعلى نفس النهج تظاهر بعض أعضاء الجماعة ضد سفارات مصرية وأردنية في الخارج، بدلا من التظاهر أمام وزارة الدفاع الإسرائيلية ومنزل نتنياهو والكنيست ومجلس الوزراء في الداخل، وأمام السفارات الإسرائيلية في الخارج.
إسرائيل تبيد للتوسع وتحويل حلم «إسرائيل الكبرى حقيقة»، و«حماس» تقاتل لأجل البقاء والسلطة، والميليشيات ترهب بحثا عن دور، والإخوان يتظاهرون لنشر الفوضى في المنطقة.
نافذة:
انقلب العالم على إسرائيل بعدما أدرك أن هدف الحرب هو الإبادة وليس تحرير الرهائن ورغم ذلك لم تدرك «حماس» ما أدركه الجميع أو أنها أدركت ولم يرف لها جفن فهي ونتنياهو وجهان لعملة واحدة





