الرئيسيةالملف السياسيسياسية

المغرب مهدد بأزمة الماء تفاصيل المخطط الوطني للحفاظ على الموارد المائية

أعلنت وزارة الداخلية حالة استنفار قصوى لمواجهة ندرة الماء الصالح للشرب، حيث ستكون العديد من المدن الكبرى مهددة بأزمة العطش، خلال مدة الصيف المقبل، كما أن الحكومة عجلت منذ بداية ولايتها بإخراج المخطط الوطني للماء، الذي سيشكل الإطار المرجعي للسياسة المائية الوطنية خلال الثلاثين سنة القادمة، وسيحدد الأولويات والبرامج المحددة في الزمان والمكان لمواجهة التحديات المستقبلية في مجال الماء، وتبلغ الكلفة المالية المرتقبة لهذا المخطط، ما يقارب 383 مليار درهم على مدى الثلاثين سنة المقبلة. وكان الملك محمد السادس، بفضل نظرته الاستباقية، قبل أربع سنوات، قد دعا الحكومة السابقة ومختلف الفاعلين إلى ضرورة اتخاذ تدابير استعجالية للحفاظ على الموارد المائية باعتبارها موارد استراتيجية، فهل ستنجح الحكومة الحالية في تجاوز أزمة الماء؟

مقالات ذات صلة

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

فِي خطاب العرش، قبل أربع سنوات، وجه الملك محمد السادس رسالة واضحة للحكومة السابقة ومختلف الفاعلين، عندما دعا إلى الحفاظ على الموارد الاستراتيجية للمملكة وتثمينها، وعلى رأسها الماء الذي يأتي في مقدمة هذه الموارد، اعتبارا لدوره الرئيسي في التنمية والاستقرار، وأبرز أن المخطط الوطني للماء ينبغي أن يعالج إشكاليات تدبير الموارد المائية خلال الثلاثين سنة المقبلة. وأكد الملك على دور الحكومة والمؤسسات المختصة في هذا المجال، لأنها مطالبة باتخاذ تدابير استعجالية وتعبئة كل الوسائل لمعالجة الحالات الطارئة، المتعلقة بالنقص في تزويد السكان بالماء الصالح  للشرب، وتوفير مياه سقي المواشي، خاصة في فصل الصيف. وسجل الملك أنه ما فتئ يؤكد على ضرورة مواصلة سياسة، بناء السدود التي يعد المغرب رائدا فيها.

وحذر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من أن الحق في الماء والأمن المائي مهددان بشكل خطير، نتيجة الاستغلال المفرط للموارد المائية، ودق المجلس ناقوس الخطر، داعيا بذلك جميع الفاعلين إلى اتخاذ إجراءات وتدابير استعجالية، لأن الطلـب علـى المـاء فـي المغـرب أصبح أكبـر مـن الكميـات المتوفـرة سـنويا مـن المـوارد المتجـددة مـن الميـاه العذبـة، لـذا فـإن تحقيـق الأمـن المائـي يعـد أولويـة قصـوى بالنسـبة إلى المغرب حاليـا وفـي السـنوات القادمـة. وبالنظـر إلى مـا يترتـب عنـه مـن مخاطـر تمـس بالسـلم الاجتماعـي وتسـاهم فـي تفاقـم الفـوارق المجاليـة، فـإن الأمـن المائـي يسـتدعي تقديـم إجابـة سياسـية عاجلـة، تجعلـه فـي صلـب الرؤيـة التنمويـة الوطنيـة، وباعتبـاره عامـلا أساسـيا لاسـتدامة النموذج التنمـوي المنشـود، وقدرتـه علـى مواجهـة التقلبـات.

 

رصيد مهم

 

كشف نزار بركة، وزير التجهيز والماء، في معرض رده على أسئلة شفهية بمجلس المستشارين حول قضايا الماء، عن خطة الحكومة لمواجهة أزمة الماء بالمغرب. وأكد بركة أن البرنامج الحكومي في مجال الماء سيركز على النجاعة المائية وتحلية مياه البحر، وذلك لمواجهة الخصاص، والتحديات المطروحة على المملكة خلال المرحلة المقبلة.

وأوضح الوزير ذاته أنه بفضل نهج هذه السياسة المائية الاستباقية والاستشرافية، بعيدة المدى والقائمة على التخطيط والبرامج الطموحة، بالموازاة مع وضع إطار قانوني ومؤسساتي لخلق الظروف الملائمة للتدبير المستدام للموارد المائية، أصبح المغرب يتوفر حاليا على رصيد مهم من المنشآت والتجهيزات المائية، تتلخص في 149 سدا كبيرا بسعة إجمالية تفوق 19 مليار متر مكعب، و9 محطات لتحلية مياه البحر بقدرة 147 مليون مكعب في السنة، بالإضافة إلى آلاف الآبار والأثقاب لاستخراج المياه الجوفية، ومنشآت لتحويل المياه، الشيء الذي مكن من تحسين التزود بالماء الصالح للشرب، وتلبية الحاجيات المائية الصناعية والسياحية، وكذا تطوير الفلاحة السقوية على نطاق واسع، في ظل ظروف صعبة تتسم بعدم انتظام التساقطات وتوالي فترات الجفاف.

وهكذا، وبفضل هذه الجهود، يضيف بركة، وصلت نسبة التزود بالماء الصالح للشرب في المجال الحضري إلى 100 في المائة، وذلك انطلاقا من منظومات مائية مستدامة، كما يتم متابعة تعميم التزويد بالماء الشروب في العالم القروي الذي يعتبر أولوية أساسية، حيث تمكن المنشآت التي تم إنجازها من نسبة ولوج إلى هذه المادة الحيوية، تصل حاليا إلى 97,8  في المائة عوض 14 في المائة سنة 1995. وبفضل البرنامج الوطني للاقتصاد في مياه السقي، تم اعتماد السقي الموضعي عوض السقي الإنجذابي وبالرش على مساحة تفوق 700.000 هكتار.

نواقص وإخفاقات

أكد وزير التجهيز والماء أنه رغم أهمية المكتسبات التي تحققت، والتي بوأت بلادنا مكانة متميزة في مجال الماء على الصعيد الدولي، إلا أن القطاع لا يزال يشكو من بعض النواقص، كما تطرق إلى معظمها تقرير النموذج التنموي الجديد، مشيرا إلى أن هذه النجاحات لا ينبغي أن تخفي بعض النواقص وبعض الإخفاقات، التي قررت الحكومة معالجتها ضمن أولوياتها. ويتعلق الأمر أساسا، حسب بركة، بهشاشة بعض المنظومات المائية إزاء الجفاف، وبالتعرية والتوحل، التي تتطلب مضاعفة مساحات الأحواض المنحدرة المهيأة في إطار برامج مندمجة ومتزامنة، وبالتدبير المستدام للمياه الجوفية، التي تعرف استنزافا مستمرا طال مخزونها الاستراتيجي غير المتجدد، نتيجة لندرة المياه وعدم كفاية المراقبة وضعف المشاركة في تدبير هذا المجال. وأكد أن الوزارة تنكب منذ فترة، بالتعاون مع وكالات الأحواض المائية على معالجة هذه الإشكالية، عبر وضع إطارات تعاقدية تضم مختلف المتدخلين لتدبير مسؤول ومستدام لهذه الثروات الحيوية.

وأبرز الوزير أن تأخر إنجاز المشاريع المبرمجة في إطار الاستراتيجية الوطنية للماء لسنة 2009، أدى إلى اختلالات في توازنات العرض والطلب على الماء بالأحواض المائية، وأشار كذلك إلى أن تغير المناخ لم يؤخذ بعين الاعتبار بما فيه الكفاية، في المخططات والبرامج المائية. فبالإضافة إلى المحدودية، يتهدد الموارد المائية الوطنية تأثير احترار المناخ، الذي أصبح واقعا لا مجال للشك فيه. وقد اتفقت مختلف النماذج الرياضية المناخية أن هذا الاحترار، سيؤدي إلى انخفاض متوسط هطول الأمطار بمعظم التراب الوطني، كما سيؤدي إلى زيادة عدم اليقين والتباين الزماني للتساقطات.

وأضاف بركة أنه انطلاقا من النواقص والإخفاقات المذكورة آنفا، ومن التأثير المرتقب لاحترار المناخ، يجري حاليا مراجعة وتطوير السياسة المائية الوطنية، من خلال إعداد مشروع المخطط الوطني للماء، وفق مقتضيات القانون الجديد 15- 36 المتعلق بالماء، عبر الأخذ بعين الاعتبار تأثير تغير المناخ، ومبادئ التنمية المستدامة والعدالة المجالية والتضامن المجالي بين الأحواض المائية، والتجربة المكتسبة في تدبير المياه، خاصة في فترات الجفاف، لضمان التزويد بالماء الصالح للشرب.

المخطط الوطني للماء

يحدد مشروع المخطط الوطني للماء، الذي سيشكل الإطار المرجعي للسياسة المائية الوطنية خلال الثلاثين سنة القادمة، الأولويات والبرامج المحددة في الزمان والمكان لمواجهة التحديات المستقبلية في مجال الماء، تطبيقا لمقتضيات التدبير المندمج لموارد المياه، مع الأخذ بمعطيات التغيرات المناخية.

ويتمحور هذا المخطط حول ثلاث أولويات، وهي مواصلة وتعزيز العرض المائي، عبر تعبئة الموارد المائية الاعتيادية بالمناطق الداخلية للمملكة، والربط بين المنظومات والأحواض المائية، وتطوير تحلية مياه البحر في المناطق الساحلية، وتنويع مصادر تزويد المدن الكبرى بالمياه لتقليص الهشاشة إزاء فترات الجفاف الطويلة، وإعادة استعمال المياه العادمة، وتدبير محكم للطلب على الماء في جميع المجالات والقطاعات الإنتاجية، خاصة (النجاعة المائية) عبر تحسين مردودية شبكات إنتاج وتوزيع الماء الصالح للشرب، بغية الوصول إلى 80 في المائة في أفق سنة 2030 كمعدل وطني، و85 في المائة في أفق سنة 2040، ومواصلة الجهود في التحول إلى السقي الموضعي للوصول إلى 70 في المائة من المساحة المسقية الإجمالية في أفق سنة 2050. وبالموازاة مع ترشيد استعمال الماء، جاء المخطط ولأول مرة بتوجيه واضح ينص على ضرورة توجيه التنمية وإعداد التراب الوطني ببعض الأحواض المائية، وملاءمتهما مع توفر الموارد المائية والإكراهات المرتبطة بالماء، ثم المحافظة على البنية التحتية المائية من التوحل، والتدهور، ومحاربة التلوث وحماية الموارد المائية، سيما الجوفية عبر إرساء التدبير التشاركي والتعاقدي للفرشات المائية، لتقليص استغلال المياه الجوفية بنسبة 50 في المائة  في أفق سنة 2030، وتحقيق التوازن في أفق سنة 2050، وكذا تدبير الظواهر المناخية القصوى والأخطار المرتبطة بالماء.

وأفاد بركة بأن الوزارة تعمل على مراجعة مشروع المخطط الوطني للماء بطريقة تشاركية مع جميع الفاعلين في مجال الماء، مع الأخذ بعين الاعتبار توصيات تقرير النموذج التنموي الجديد، ويتم حاليا إعداد المخططات التوجيهية للتنمية المندمجة للموارد المائية، من طرف وكالات الأحواض المائية، بإشراك جميع الفاعلين الجهويين والمحليين في الماء.

 

برنامج التزود بالماء

أبان الجفاف الحاد الذي شهدته بلادنا خلال السنوات الأخيرة، يضيف الوزير، مدى هشاشة بعض أنظمة التزود بالماء إزاء الجفاف، وتزايد التنافس حول الماء ما بين مستعملي هذه الموارد في جل الأحواض المائية، وفي هذا السياق ولمواجهة الخصاص في الماء، وتنفيذا للتعليمات الملكية، تم إعداد البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020- 2027، بتشاور تام بين مختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية المتدخلة في قطاع الماء.

وتم التوقيع على الاتفاقية الإطار لإنجاز هذا البرنامج، خلال حفل ترأسه الملك محمد السادس، يوم الاثنين 13 يناير 2020 بالقصر الملكي بالرباط، وتحدد هذه الاتفاقية شروط وكيفية تنفيذ وتمويل إنجاز هذا البرنامج، الرامي إلى دعم وتنويع مصادر التزويد بالماء الشروب، ومواكبة الطلب على هذا المصدر الثمين، وضمان الأمن المائي، والحد من آثار تقلبات الطقس. وسيكلف تنزيل مضامين هذا البرنامج، والذي يعتبر كمرحلة أولى من المخطط الوطني للماء غلافا ماليا يبلغ 115.4 مليار درهم.

ومنذ توقيع الاتفاقية الإطار لإنجاز البرنامج، تم إعطاء الانطلاقة لإنجاز 11 سدا كبيرا بسعة 4.25 ملايين متر مكعب في السنة، وكلفة إجمالية تبلغ 15.5 مليار درهم، وذلك من أصل 20 سدا مبرمجا، وتحسين معرفة واستكشاف الموارد المائية الجوفية، عبر إنجاز أثقاب وتجهيزها في إطار غلاف مالي يفوق 100 مليون درهم سنويا. كما تم وضع برنامج وطني لإنجاز مشاريع السدود الصغرى والتلية، بهدف دعم التنمية المحلية، والشروع في إعداد مشروع محطة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، بقدرة إنتاجية تبلغ 300 مليون متر مكعب في السنة، عبر إنجاز الدراسات التقنية وإعطاء الانطلاقة للدراسات التكميلية.

وتم إعطاء انطلاقة أشغال محطة تحلية مياه البحر بالداخلة بقدرة إنتاجية تبلغ 30 مليون متر مكعب في السنة، حيث تم اختيار الشريك من القطاع الخاص وتوقيع العقدة المتعلقة بالمشروع، والشروع في إنجاز محطة تحلية مياه البحر بسيدي إفني، من طرف المكتب الوطني للكهرباء وللماء الصالح للشرب، فضلا عن بلورة برامج عمل تهم تأمين التزويد بالماء الصالح للشرب بكل من العالم الحضري والقروي.

مخطط الحكومة لمواجهة أزمة الماء

أشار نزار بركة إلى  أن الحكومة الحالية ستعطى الأهمية اللازمة للتسريع في إنجاز مشاريع البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، وفي  هذا الإطار كذلك، تقوم الوزارة بتنزيل سياسة جديدة للربط بين المنظومات المائية لتأمين التزويد بالماء.

وأكد الوزير ذاته أن المياه الجوفية في المغرب تلعب دورا أساسيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، إلا أن محدودية وندرة الموارد المائية، وضغط النمو الديموغرافي والاقتصادي، نتج عنهم استغلال مفرط للطبقات المائية الجوفية، واستنزاف لجزء من مخزونات المياه الجوفية، بحيث تتجاوز الأحجام المستغلة للموارد المتجددة مليار متر مكعب سنويا، مما يؤدي إلى انخفاض عام تقريبا في مستوى طبقات المياه الجوفية الرئيسية في البلاد، وانخفاض صبيب العيون أو حتى جفاف البعض منها، الشيء الذي يضر بإمدادات المياه لسكان بعض المناطق القروية والدوائر السقوية التقليدية الصغيرة والمتوسطة.

ولاستعادة توازن مستدام للمياه الجوفية، حسب بركة، تتخذ الوزارة بطريقة تشاركية مع جميع المتدخلين الإجراءات اللازمة التي تهم بالأساس عقد التدبير التشاركي للطبقات المائية، حيث يتم العمل على وضع الصيغة النهائية لـ31 عقدا، وتم التوافق وإمضاء 3 اتفاقيات تهم كل من الطبقات المائية لسوس، والحوز- مجاط ولبرشيد، بالإضافة الى مراقبة استغلال وترشيد استعمال الموارد المائية الجوفية، للحد من استنزافها. ومن بين الإجراءات التي شرع في تنزيلها عبر استبدال استغلال الطبقات المائية، التي تعرف استنزاف مواردها بالمياه السطحية، وتحلية مياه البحر، كما هو الشأن بسهلي شتوكة وسايس، وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة لسقي المساحات الخضراء. كما توجد قيد الإنجاز عملية الربط بين المنظومات المائية للدار البيضاء الشمالية والجنوبية، وعملية تجديد قنوات الإمداد لتزويد كل من مدينتي وجدة وتاوريرت، انطلاقا من سد مشرع حمادي.

وعلى غرار السنوات الأخيرة، اتسمت الحالة الهيدرولوجية بالمملكة خلال السنة المنصرمة بنقص في التساقطات المطرية، حيث شهدت بلادنا خلال الفترة الممتدة منذ فاتح شتنبر 2020 إلى غاية 31 أكتوبر 2021 تساقطات مطرية متوسطة، تراوحت في المعدل ما بين 110 ميليمترات بحوض كير زيز غريس، و515 ميليمترا بحوض اللوكوس. وهو ما شكل عجزا على مستوى مختلف الأحواض المائية، سيما أحواض ملوية وتانسيفت وكير زيز غريس وسوس ماسة.

ونتجت عن هذه التساقطات المطرية واردات مائية متوسطة، حيث بلغ الحجم الإجمالي للواردات المائية المسجلة بمجموع السدود الكبرى للمملكة خلال الفترة نفسها حوالي 5.3 مليارات متر مكعب، وهو ما يشكل عجزا يقدر بـ59 في المائة مقارنة بالمعدل السنوي للواردات، وقد أثر هذا الوضع المائي سلبا على المخزون المائي بالسدود، حيث بلغ حجم المخزون المائي بحقينات السدود إلى غاية اليوم حوالي 5.55 مليارات متر مكعب، أي ما يعادل 34.5 في المائة كنسبة ملء إجمالي، مقابل 35.7 في المائة سجلت في التاريخ ذاته من السنة الماضية، وسيمكن المخزون المائي المتوفر حاليا بالسدود من تأمين حاجيات الماء الصالح للشرب بالنسبة لجميع المدن الكبرى المزودة انطلاقا من السدود في ظروف عادية، باستثناء الموجودة بأحواض ملوية وأم الربيع وتانسيفت، التي من المرتقب أن تعرف بعض الصعوبات في عدم تحسن الحالة الهيدرولوجية.

 

مؤسسات المياه بين الضبط والزجر وحماية الملك المائي

 

المجلس الأعلى للماء والمناخ

تم إحداث المجلس الأعلى للماء والمناخ بتعليمات سامية من الملك الحسن الثاني رحمه الله، الذي أعطى توجيهاته العليا ليتم، خلال الدورة الأولى التي عقدت بالرباط في 16 يونيو 1981، الانكباب على وضع الإطار التشريعي للماء وتخصيص الدورة الثانية لتدارس إشكالية التزويد بالماء الصالح للشرب.

ويقوم المجلس الأعلى للماء والمناخ، الذي تمت مأسسته في إطار قانون الماء رقم 10-95، بوضع التوجهات العامة للسياسة الوطنية في مجال الماء وإبداء رأيه حول الاستراتيجية الوطنية لتحسين المعرفة بالمناخ والمخطط الوطني للماء والمخططات التوجيهية للتهيئة المندمجة للموارد المائية بالأحواض المائية. وأعطى المشرع الإمكانية لتبدي هذه الهيئة رأيها في مواضيع أخرى لها صلة بالسياسة المائية بالمغرب.

يترأس هذا المجلس رئيس الحكومة ويتألف، في نصفه الأول، من ممثلين عن مختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية المتدخلة في مجال الماء، وفي نصفه الآخر من ممثلين لجمعيات مستعملي المياه والجمعيات العلمية الناشطة في مجالي الماء والمناخ، ومجالس العمالات والأقاليم  ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي والهندسة الوطنية. وبموجب القانون يمكن أن يتم إشراك كل شخص مختص في مجال الماء إذا اقتضت الضرورة.

يتوفر المجلس الأعلى للماء والمناخ على لجنة دائمة تترأسها الوزارة المكلفة بالماء، وتقوم هذه اللجنة بإعداد اجتماعات المجلس ورصد تنفيذ توصياته وكذا النظر في أي مسألة تتعلق بسياسة الماء والمناخ. علاوة على ذلك، تقوم هذه اللجنة بإعداد المخطط الوطني للماء وتنظيم اجتماعات التشاور والتنسيق اللازمة لإعداده، وتتكون اللجنة الدائمة من ممثلين عن مختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية المتدخلة في مجال الماء أعضاء المجلس الأعلى للماء والمناخ.

 

وكالات الأحواض المائية

وكالات الأحواض المائية هي مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. وتتمثل مهمتها في تقييم وتخطيط وتدبير موارد المياه على صعيد الأحواض المائية. ويمكن لها منح قروض ومساعدات وإعانات لكل شخص يقوم باستثمارات لتهيئة الموارد المائية أو المحافظة عليها. وتتشكل مواردها من الإتاوات المستحقة عن استعمالات الماء، ومن القروض ومن المعونات ومن الهبات، في إطار المرونة في التسيير واتخاذ القرارات المتاحة لهذه الوكالات، التي تمكن كافة مستعملي الماء في الحوض الواحد من الاستفادة من الدعم المالي والمساعدة التقنية اللازمة لهم لإنجاز العمليات المتعلقة باستغلال الملك العمومي المائي.

تعرف وكالات الأحواض المائية التي أحدثت طبقا للقانون رقم 10.95 المتعلق بالماء، الذي صادق عليه مجلس النواب منتصف شهر يوليو 1995، خصاصا على مستوى الموارد المالية والبشرية، حيث تعمل هذه الوكالات جاهدة من أجل الرفع من قيمة الموارد المائية ومن مردودية الاستثمارات الخاصة بالماء أخذا بالاعتبار المصالح الاقتصادية والاجتماعية للسكان من خلال الحفاظ على الحقوق المكتسبة.

تتكون الموارد المالية لوكالات الأحواض المائية من محاصيل وأرباح استغلال وكذا تلك الناتجة عن العمليات التي تقوم بها وعن أملاكها، ومحاصيل الإتاوات التي يؤديها المستفيدون من خدماتها، ومحاصيل إتاوات استعمال الملك العام المائي، وإعانات الدولة. بالإضافة إلى الهبات والوصايا ومحاصيل مختلفة، والتسبيقات والقروض القابلة للتسديد الممنوحة من طرف الدولة والهيئات العمومية أو الخاصة وكذا الاقتراضات المسموح بها طبقا للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل، والرسوم شبه الضريبية المحدثة لفائدتها، وكل المداخيل الأخرى التي لها علاقة بنشاطها.

 

جهاز شرطة المياه

إلى جانب المؤسسات التي تعنى بضبط قطاع المياه وتدبيرها، خصص القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء حيزا هاما لمراقبة الملك العمومي المائي حيث أناط هذا القانون مهام المراقبة بجهاز شرطة المياه، وهي التي تتكون من الأعوان التابعين للإدارة، لاسيما السلطة الحكومية المكلفة بالماء ووكالات الأحواض المائية والمؤسسات العمومية الأخرى المعنية، في الملك العمومي المائي الذي يتكون من جميع المياه القارية، سواء كانت سطحية أو جوفية أو عذبة أو مالحة أو معدنية أو مستعملة، وكذا مياه البحر المحلاة المسالة في الملك العمومي المائي والمنشآت المائية وملحقاتها المخصصة لاستعمال عمومي.

كما يعتبر الملك العمومي المائي غير قابل للتفويت أو الحجز أو التقادم، ويقوم أعوان شرطة المياه بمراقبة استعمال واستغلال الملك العمومي المائي الذي يتكون من المسطحات المائية الطبيعية كالبحيرات والبرك والسبخات والمستنقعات المالحة والمستنقعات من كل الأنواع التي ليس لها اتصال مباشر مع البحر، والعيون بكل أنواعها بما فيها منابع المياه العذبة الموجودة بالبحر، ومجاري المياه بكل أنواعها وكذا مسيلاتها وعيونها ومصباتها أو الشعاب، إضافة إلى حافات مجاري المياه إلى حدود المستوى الذي تصله المياه قبل الطفوح، وكذا كل المساحات المغطاة بمد يبلغ معامله 120، والضفاف الحرة انطلاقا من حدود الحافات، والطمي والرمال والأحجار وكل أنواع الرواسب التي تتشكل والنباتات التي تنمو طبيعيا في مسيل المجرى المائي والمنشآت المائية، لا سيما الآبار والمساقي ذات الاستعمال العمومي، وقنوات السقي والحواجز والسدود وحقيناتها.

وبخصوص المهام المنوطة بشرطة المياه، فيعهد إلى أعوان هذه الشرطة معاينة المخالفات طبقا لمقتضيات قانون الماء ونصوصه التطبيقية، ولهذه الغاية يتعين عليهم ولوج المنشآت المائية بما فيها الآبار والأثقاب والتجهيزات المتعلقة باستعمال واستغلال الملك العمومي المائي، وتوقيف الأشغال والحجز على الآليات والأدوات والأشياء التي كان استعمالها أساس المخالفة وإيداعها المحجز، ومطالبة مالك أو مستغل منشأة جلب الماء أو المياه المستعملة بتشغيل هذه المنشآت قصد التحقق من خصائصها.

المجلس الاقتصادي والاجتماعي: المغرب مهدد بأزمة عطش خطيرة

 

حذر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من أن الحق في الماء والأمن المائي مهددان بشكل خطير نتيجة الاستغلال المفرط للموارد المائية. ودق المجلس المذكور ناقوس الخطر، داعيا بذلك جميع الفاعلين إلى اتخاذ إجراءات وتدابير استعجالية.

وأوضح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقرير عبارة عن تحذير بعنوان «نقطة يقظة»، أن الطلب على الماء في المغرب أصبح أكبر من الكميات المتوفرة سنويا من الموارد المتجددة من المياه العذبة، لذا فإن تحقيق الأمن المائي يعد أولوية قصوى بالنسبة إلى المغرب حاليا وفي السنوات المقبلة. وبالنظر إلى ما يترتب عنه من مخاطر تمس بالسلم الاجتماعي، وتساهم في تفاقم الفوارق المجالية، فإن الأمن المائي يستدعي تقديم إجابة سياسية عاجلة، تجعله في صلب الرؤية التنموية الوطنية، وباعتباره عاملا أساسيا لاستدامة النموذج التنموي المنشود وقدرته على مواجهة التقلبات، ويتعين أن تندرج هذه الإجابة في إطار سياسة عمومية تمكن في الآن ذاته من حماية الموارد المائية وتثمينها، وتتسم بالإبداع وتسترشد بالممارسات الفضلى في مجال حكامة الموارد المائية.

ونبه المجلس إلى خطورة الوضع، مشيرا إلى أن وضعية ندرة المياه في المغرب مقلقة، لأن موارده المائية تقدر حاليا بأقل من 650 مترا مكعبا للفرد سنويا، مقابل 2500 متر مكعب في سنة 1960، وستنخفض عن 500 متر مكعب بحلول سنة 2030. مضيفا أن الدراسات الدولية تشير إلى أن التغيرات المناخية، يمكن أن تتسبب في اختفاء 80 في المائة من موارد المياه المتاحة في المملكة، خلال الخمس والعشرين سنة القادمة.

وأشار المصدر إلى أنه على الرغم من الخطورة البالغة للوضعية، فإن الإفراط في استغلال الموارد المائية، سيما المياه الجوفية يزداد، دون الاكتراث بالتراخيص التي يفرضها القانون، في حين أن السلطات العمومية غير قادرة على وضع وسائل مراقبة فعالة، لذلك فقد شهدت بعض المدن المغربية في السنوات الأخيرة احتجاجات للسكان المحليين، بسبب تواتر ظاهرة العطش وصعوبة الولوج إلى الماء الشروب، في وقت يستمر فيه في مدن أخرى استخدام المياه الصالحة للشرب، لسقي المساحات الخضراء وبعض المشاريع السياحية، ناهيك عن استمرار بعض الزراعات التي تستهلك الكثير من الماء. وفي هذا السياق، أبرز المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الحاجة إلى التدخل بشكل عاجل لضمان الأمن المائي في المغرب، مشيرا إلى أن خاصية ندرة الموارد المائية في المغرب التي لا يمكن التراجع عنها، ستزداد أكثر إذا لم تتخذ أي تدابير، أو إذا كانت الإصلاحات المعلنة بطيئة التنفيذ.

وفي هذا الصدد، اقترح المجلس ذاته ثلاثة أصناف كبرى من الإجراءات مستمدة من تقاريره وآرائه، بما في ذلك تدابير التحسيس العاجلة للعمل على سلوك المستعملين، والتي تتمثل في بلورة وتنفيذ استراتيجية تواصل تهدف إلى تحسيس جميع المستعملين بالأهمية الحيوية لاعتماد سلوكات بيئية مسؤولة تجاه الماء، والتوقف عن سقي المساحات الخضراء العمومية والمنشآت الرياضية والحدائق الترفيهية بالماء الصالح للشرب، من خلال اللجوء المنهجي إلى إعادة استخدام المياه العادمة.

وأضاف المصدر أن الأمر يتعلق أيضا بالتدابير المؤسساتية والتنظيمية، كتنظيم مراجعة الحسابات، واكتشاف التسريبات، للرفع من مردودية إمدادات المياه وتوزيعها في المدن، حسب مستوى المعايير الدولية، وإعداد دراسة التأثير والفعالية المائية للمشاريع الاستثمارية، خاصة في الفلاحة والصناعة والسياحة، واعتماد التحكيم من قبل رئيس الحكومة في هذا المجال. كما دعا المجلس إلى إجراء إصلاح عميق للتعريفة الوطنية والمحلية للماء وخدمات التطهير السائل، ومعالجة مياه الصرف الصحي ونشر النتائج، ووضع إطار مرجعي وطني للنظام المحاسباتي الخاص بالموارد المائية، يتيح تقييم الكلفة الحقيقية للماء في أحواض التصريف المائية، تمكن من ضمان تضامن إقليمي واجتماعي من خلال تحسين توجيه الدعم العام للقطاع، وتحسين قدرات التمويل الذاتي في هذه المناطق. ويتعين أيضا تفعيل هيئات التنسيق والتشاور على الصعيدين الوطني والمحلي، من أجل جعل التحكيم ليس فقط مرتبطا بالنزاعات، ولكن بشكل أساسي بالخيارات التي يجب اتخاذها في ما يتعلق بمختلف المعايير القائمة على سياسة الاستثمار والتنمية المستدامة.

وتطرق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أيضا إلى تدابير استراتيجية لتخصيص الاستثمارات على نحو أفضل في مجال المياه، على غرار تسريع الاستخدام المكثف للموارد المائية غير التقليدية، سيما من خلال تعميم تحلية مياه البحر بالمناطق الساحلية وإعادة استخدام المياه العادمة المعالجة، والعمل على الأقل بالنسبة إلى التجزئات العقارية الجديدة، على وضع شبكات منفصلة بين قنوات تجميع مياه الأمطار وقنوات الصرف الصحي، وكذا العمل على تعميم محطات المعالجة.

تحلية مياه البحر لإنقاذ مدن كبرى من العطش

 

في الوقت الذي أصبحت فيه العديد من المدن مهددة بأزمة العطش، بسبب تأخر التساقطات المطرية واستنزاف الفرشة المائية، يعرف مشروع إنجاز محطة تحلية مياه البحر بمدينة الدار البيضاء تأخرا غير مفهوم، رغم رصد الاعتمادات المالية لهذا المشروع في إطار قانون المالية لسنة 2021.

وأكد مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، والناطق الرسمي باسم الحكومة، في الندوة الصحفية التي عقدها عقب اجتماع مجلس الحكومة، تأخر إنجاز مشروع تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، بينما وحدة أكادير جاهزة ودخلت حيز الخدمة، حيث يذهب جزء من مياهها للسقي وهو ما أدى إلى إنقاذ 10 آلاف هكتار من الأراضي الفلاحية، والجزء الآخر مخصص للشرب، مضيفا أن وحدة الداخلة ستلحق بها بعد أيام، وكلاهما مشروعان أُنجزا بمبادرة من وزارة الفلاحة. وبالمقابل استغرب بايتاس للتأخر الحاصل في وحدة تحلية المياه الموجودة في الدار البيضاء، مبرزا أنه كان من المفروض أن تصل حاليا لمرحلة متقدمة من الأشغال لا تقل عن 50 في المئة، دون أن يعطي سببا لذلك، واكتفى بالقول إن الحكومة لا تدري ما الذي يحصل هناك بالضبط.

وكانت الحكومة السابقة أعلنت عن مشروع لبناء محطة لتحلية المياه في الدار البيضاء هي الأكبر في قارة إفريقيا، ورصدت ميزانية لإنجازها ضمن قانون المالية للسنة الماضية، وحسب معطيات المشروع، ستتكلف المحطة بإنتاج 300 مليون متر مكعب سنويا. وأكدت الحكومة أن المشروع سيكون بالشراكة بين القطاعين العام والخاص ويحتاج إلى استثمارات بقيمة 1.97 مليار درهم، سيخصص نحو 220 مليون درهم لتهيئة البنية التحتية للقطاع الزراعي، والباقي سيذهب إلى تهيئة البنية التحتية لإيصال الماء الصالح للشرب.

وستبلغ الطاقة الإنتاجية للمحطة حوالي 200 مليون متر مكعب في السنة، قابلة للتوسيع إلى 300 مليون متر مكعب في السنة، وستقوم المحطة بتلبية حاجيات جهة الدار البيضاء سطات. ووفقًا للمكتب الوطني للكهرباء والماء، يعد استخدام تحلية مياه البحر في المنطقة أمرًا ضروريًا من أجل ضمان وتأمين إمدادات مياه الشرب في المنطقة الأطلسية بين الجديدة والدار البيضاء من ناحية، ومن ناحية أخرى للتخفيف من الضغط على الموارد المائية لحوض أم الربيع، حيث يعاني هذا الأخير من اختلال متزايد في التوازن بين العرض والطلب على المياه، ويضمن هذا الحوض ري محيط تادلة والحوز ودكالة، بالإضافة إلى توفير مياه الشرب لمدن خريبكة والجديدة وآسفي وبني ملال ومراكش والدار البيضاء وسطات وبرشيد والمراكز المجاورة.

هذا وانتهت أشغال بناء أكبر محطة لتحلية مياه البحر في إفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط، إذ تجمع محطة تحلية مياه البحر لأكادير بين إنتاج الماء الصالح للشرب ومياه السقي، وتشتغل هذه المحطة بسعة تبلغ في مرحلة أولى 275 ألف متر مكعب في اليوم، منها 150 ألف متر مكعب في اليوم موجه للماء الشروب، كما ستمكن أيضا من استفادة ما يناهز مليونا و600 ألف نسمة من الماء الشروب في جهة أكادير الكبير، كما ستعمل على تطوير الاقتصاد الفلاحي وكل ما يتعلق بإشكالية الري. وهو ما سيسمح بسقي 15 ألف هكتار في أول منطقة للتصدير الفلاحي بالمغرب، كما ستحافظ على 15 مليون يوم عمل بمنطقة اشتوكة أيت باها.

ثلاثة أسئلة

 

جمال أقشباب*

 

*متخصص في الشأن البيئي – رئيس جمعية أصدقاء البيئة

 

«ندرة المياه من التحديات الكبرى للمغرب ولدينا ترسانة قانونية متميزة تتطلب التنزيل»

 

 

ما هي طبيعة الأزمة التي يواجهها المغرب في مجال المياه؟

تجب الإشارة إلى أن من بين التحديات الكبرى التي تواجه المغرب اليوم، ندرة المياه، وهو الأمر المرتبط بالظروف الطبيعية، خاصة التغيرات المناخية، وهو ما خلف تراجعا كبيرا وخطيرا على مستوى المياه السطحية وأيضا الجوفية، بالإضافة إلى أن المغرب قد مر من مرحلة جفاف قاسية، سيما في المناطق الجنوبية الشرقية، في القترة الممتدة من 2014 إلى 2021، فلم تتجاوز نسبة ومعدل التساقطات المطرية 60 ميليمترا في السنة خلال هذه السنوات السبع، بالإضافة إلى الارتفاع المهول في درجات الحرارة، والذي زاد بين 0,5 و1,5 درجة، زيادة أيضا على ارتفاع نسبة التبخر بشكل مهول، حيث انتقلت من 1000 ملم إلى 2000 ملم، وكل هذه العوامل شكلت ظروفا طبيعية قاسية واجهها المغرب.

وإلى جانب ما ذكرت، هناك نقطة أخرى تتعلق بغياب الاستراتيجيات الوطنية، باستثناء الاستراتيجية الوطنية للتكييف والتأقلم مع التغيرات المناخية، والتي بدأ العمل بها، زيادة على الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، غير أن هذه البرامج والاستراتيجيات تبقى محتشمة، وغير كفيلة بمعالجة مشكل نقص المياه، دون إغفال أن عددا من المواد الفلاحية التي يتم إنتاجها بالمغرب معروفة باستهلاكها الكبير للمياه، بل منها ما تستنزف الفرشة المائية بشكل كبير، ومنها من قررت عدد من الدول الأوروبية وقف زراعتها، رغم أن تلك الدول لديها فائض في المياه، وقد سجلنا هذا الأمر في عدد من المناطق، كالواحات الجنوبية الشرقية التي تعاني من جفاف كبير، وتم فيها تشجيع تلك الزراعات المستنزفة للمياه الجوفية.

وزيادة على كل هذا، فالمغرب يواجه مشكلا كبيرا في ما يتعلق بتعبئة الموارد المائية، حيث إن ملايين الأمتار المكعبة في الأوقات المطيرة أو أثناء الفيضانات، تصب في البحر، في غياب استراتيجيات لتعبئة تلك الموارد المائية التي تذهب سدى.

 

هل الترسانة القانونية غير كفيلة بالتخفيف من حدة مشكل المياه في المغرب؟

المغرب يتوفر على ترسانة قانونية مهمة في مجال المياه، ومنها قانون المياه، وهو قانون متقدم ومتطور، بالإضافة إلى الاتفاقيات الدولية المهمة التي صادق عليها المغرب في هذا المجال، كشأن الاستراتيجية الوطنية للوقاية من التغيرات المناخية، وهي استراتيجية مهمة جدا، بالإضافة إلى الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، غير أن المشكل الذي يواجهه المغرب، هو تنزيل وتفعيل هذه القوانين على أرض الواقع، وهو ما يخلف هذه النتائج، فلو كان هناك تفعيل وصرامة في تنزيل هذه الترسانة القانونية، لكنا في منأى عن الإشكال البيئي الكبير الذي نواجهه اليوم، ومؤسسات الدولة هي المسؤولة الأولى عن السهر على تنزيل وتفعيل هذه القوانين.

وفي تقديري، المشكل الكبير الذي يرتبط بهذا الجانب، هو غياب الالتقائية بين كل المؤسسات الحكومية المرتبطة بقطاع الماء، من أجل العمل على استراتيجية موحدة لتدبير الشأن المائي في المغرب، إذ نجد وزارة الماء، ومديرية المياه والغابات، ووكالة الأحواض المائية، ووزارة الفلاحة من جهة، وهذه القطاعات لا تشتغل بشكل منسجم ومنسق، وهذا ما يجب الوقوف عنده.

 

 

ماذا بخصوص البرامج والحلول، التي تعتمدها الدولة لمواجهة مشكل ندرة المياه؟

بالفعل، فبعض الحلول والاستراتيجيات متبعة على مستويات قطاعية، كما هو الشأن في اعتماد وزارة الفلاحة منذ مدة، سواء في المخطط الأخضر أو الجيل الأخضر الذي تم إطلاقه، على استراتيجية من أجل تقنين المياه والسقي بالتنقيط وغيرها، والتي كلها تصب في منحى الرغبة في التقليص من الاستهلاك الكبير لمادة المياه في القطاع الفلاحي، غير أن هذه المجهودات غير كافية، حيث إنه يوجد استهلاك فظيع للمياه في القطاع الفلاحي، وهو الأمر الراجع إلى عدم الوعي لدى بعض الفلاحين.

زيادة على هذا الجانب، نجد المخطط الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي وهو الممتد من سنة 2021 إلى سنة 2027، وهو مشروع كبير خصصت له ميزانية كبيرة جدا، وهذا يستوجب مواكبة والتقائية لدى جميع القطاعات، دون إغفال الاستراتيجية التي تعتمد بناء عدد من السدود على المستويات المتوسطة والصغيرة من أجل تعبئة الموارد المائية، غير أن الملاحظ أننا لم نبلغ بعد نسبة 100 في المائة من تعبئة الموارد المائية، وهنا تجب الإشارة إلى عدد من التجارب الدولية، للاستفادة منها في هذا الجانب بالتحديد.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى