شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

النبوغ المغربي

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

في الوقت الذي تُصرف فيه ميزانيات سنوية لتمويل إصدارات دعائية وأخرى «علمية» عن مواضيع تهم المغاربة وتاريخهم وحاضرهم، لا نجد مكانا لأي إصدار توثيقي جاد يتعلق بالشخصيات التي بصمت المشهد الثقافي المغربي في ستينيات القرن الماضي. رغم أن تلك الفترة كانت انطلاقة حقيقية للحياة العصرية.

لنقارن مثلا بين الاستثمار في إرث الفنان العالمي «فان جوخ»، والخبر الأخير المتعلق بالعثور على لوحة نادرة له، كانت محفوظة بعناية ولم يسبق الاطلاع عليها نهائيا، وبين خبر العثور على مخطوط نادر في مكتبة «ما» في المغرب.

المخطوط إذا لم يتم توجيهه إلى لجنة جائزة الحسن الثاني للمخطوطات، والتي تعتبر أهم جهة تعتني بالإرث التاريخي، فإنه بالتأكيد سوف يسقط بين يدي جامعي التحف وعصابات الكنوز، وهذا لوحده موضوع آخر، وفي أفضل الحالات فإنه سيقبع في مكتبة مولع بجمع المخطوطات النادرة، ليجد طريقه يوما إلى المعارض.

أما في حالة «فان جوخ» فإن اللوحة تُعتبر إرثا قوميا يمكن أن يعقد البرلمان الهولندي بشأنها جلسات كثيرة.

لنأخذ على سبيل المثال منزل الملحن العالمي «بيتهوفن» الذي يدر ملايين الأورو سنويا، يدفعها السياح من كل أنحاء العالم بسخاء لكي يتجولوا بين أغراض الملحن العالمي الذي لا تزال أعماله تُعزف إلى اليوم. ورغم أن عمر المنزل يقارب القرنين من الزمان، إلا أنه لا يزال محافظا على رونقه ويمكن للسياح من كل دول العالم أن يلجوا إليه.

بينما نحن عندنا في المغرب منازل كثيرة شهدت أحداثا ثقافية وفنية مهمة ولا أحد يعرف حتى موقعها. في أزقة الصويرة، أماكن نزل فيها النجم العالمي جيمي هاندريكس. لا أحد يعرف موقعها بالضبط. وحتى المنزل الذي زاره هذا الأيقونة العالمية في مدينة طنجة قبل أزيد من خمسين سنة، لا يهتم به أحد. علما أن عشاق «هاندريكس» حول العالم مستعدون لشد الرحال، بمئات الآلاف سنويا، لكي يلتقطوا صورة فقط في المنزل الذي قضى فيه «هاندريكس» بضعة أسابيع. أما إذا كان هناك اجتهاد توثيقي فقد يحقق المنزل، وهو بالمناسبة منزل عادي جدا وبسيط في داخل القصبة بمدينة طنجة، إيرادات بملايين الأورو وسوف يصبح وجهة عالمية. لكننا في المغرب لا زلنا لا نعير اهتماما لهذا النوع من الثروة.

ألم تقم الدنيا عند اكتشاف اختفاء «ثريا» عتيقة من قلب جامعة القرويين بفاس؟ ثم أعيدت بعدما تعالت الأصوات المطالبة بفتح تحقيق في الموضوع؟ وهذه الواقعة لوحدها درس بليغ، يجب على إثره إحداث هيئات لمراقبة هذا النوع من الثروة التي لا تُقدر بثمن.

خلال فترة الحرب العالمية الثانية، نجحت الدول الكبرى في حماية تراثها وآثارها من القصف، وهناك تحف وتماثيل ومخطوطات هُربت سرا إلى مصر وإلى شمال المغرب، خصوصا في طنجة الدولية، لحمايتها من القصف والمدفعيات، وأعيدت فور انتهاء الحرب.

بينما لا يزال أرشيف فرنسا، خصوصا المجلات المتعلقة بالآثار، شاهدا على جرائم فرنسا في المغرب، خصوصا التنقيبات التي قام بها العلماء الفرنسيون المتخصصون في «الآثار» ما بين سنوات 1930 و1955، حيث أخذوا معهم مئات الحفريات التي تعود إلى الفترة الرومانية والفينيقية. ورغم أنها اليوم تساوي الملايير، إلا أنه لا أحد يفكر في طريقة لإعادتها إلى المغرب.

بل إن أضخم مكتبة مغربية جرى تهريبها من المغرب قبل حوالي 600 سنة في ظروف متشابكة، ولا تزال موجودة إلى اليوم في إسبانيا، لم ننجح بعد في إعادتها إلى المغرب، وبها كتب ومخطوطات شاهدة على ازدهار الدولة المغربية ونبوغ العلماء المغاربة في الطب والفلسفة. وقد حاول المولى إسماعيل قبل خمسة قرون إعادة تلك المكتبة لكنه لم ينجح، ولا أحد حاول استعادتها من بعده.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى