شوف تشوف

شوف تشوف

الوشائج الخطرة (2/2)

السبب الثاني، والمصلحي، في دعم بريطانيا لتنظيم الإخوان المسلمين، وفرعهم بالمغرب العدالة والتنمية، هو منح برلمانيي الحزب لمؤسسة بريطانية تابعة لوزارة الخارجية البريطانية مكتبا في مجلس المستشارين واستعداد الغرفة الأولى لمنحهم مكتبا ثانيا داخلها.
فبمجرد اختتام الدورة البرلمانية الخريفية لمجلس النواب، والتي كانت دورة بيضاء لم يصادق خلالها سوى على قانون وحيد هو القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، عقد مكتب المجلس اجتماعا خصص لتوزيع السفريات على الفرق البرلمانية، حيث أرسل وفودا برلمانية تحت ذريعة المشاركة في اجتماعات الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط، والجمعية البرلمانية للأمن والتعاون بأوروبا، والجمعية البرلمانية للفرنكفونية، والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، والدورة 61 للجنة وضعية المرأة التابعة للأمم المتحدة.
كما أشارت النقطة الرابعة في أول بلاغ أصدره مكتب المجلس حول أشغاله، لأول مرة ومنذ عشر سنوات، إلى قرار المجلس المشاركة في بعض البعثات الدراسية والورشات التدريبية المنظمة في إطار التعاون الدولي، والمقصود هنا مؤسسة «ويست منيستر» البريطانية، هذه المؤسسة أُنشئت لدعم نشوء مؤسسات ديمقراطية تعددية وتعزيزها في الدول التي تمرّ بمراحل انتقالية، التي تكون في دول تعاني من ثورات أو حروب، كتونس وغيرها، مما يطرح أسئلة غامضة حول تواجدها في البرلمان المغربي الذي يقارب عمره ستين سنة وأمضى عشرات الولايات البرلمانية، فما الحاجة إذن لمثل هذه المؤسسة؟
والمثير للانتباه هو أن نشاط هذه المؤسسة التي تمولها وزارة الخارجية البريطانية ازداد بشكل متسارع خلال الولاية التشريعية السابقة بشكل لافت، حيث كانت وراء تمويل العديد من الندوات والأيام الدراسية التي نظمتها الفرق البرلمانية، وتجاوزت أنشطة هذه المؤسسة الأجنبية عدد الأنشطة التي نظمها البرلمان بشكل مستقل، والخطير في الأمر هو تمويل أنشطة برلمانية تتمخض عنها قرارات ذات طابع تشريعي، بحيث أصبح موظفو هذه المؤسسة يتابعون كل صغيرة وكبيرة داخل كواليس الفرق واللجان البرلمانية، بل أكثر من ذلك يتوفرون على مقر بملحقة مجلس المستشارين، ومؤخرا حصلت المؤسسة على مقر بمجلس النواب سينتقلون إليه قريبا، وهي سابقة في تاريخ البرلمان المغربي، حيث من المفروض في المؤسسة البرلمانية أن تحصن نفسها من أي اختراق خارجي، وهذا لا يحدث في أي بلد في العالم، لأنه مس بحرمة المجلس ومس بالمؤسسات الاستراتيجية كمؤسسة تشريعية.
لكن إذا ظهر السبب بطل العجب، فأكبر مستفيد من نشاط هذه المؤسسة هم نواب حزب العدالة والتنمية، حيث ساهمت مؤسسة «ويست منيستر» في تمويل أنشطة وسفريات لأعضاء الفريق المستفيدين من دورات تدريبية بالخارج، وخصوصا محمد يتيم، نائب رئيس مجلس النواب السابق، الذي حطم الرقم القياسي في عدد السفريات إلى الخارج، لذلك «طار» على منصب رئيس لجنة الخارجية ليواصل هواية ركوب الطائرات من المال العام، والأخطر أن هناك من يستفيد من خمسة ملايين شهريا كتعويضات من هذه المؤسسة، وهنا نخص بالذكر البرلماني السابق، عبد اللطيف برحو، محاسب المجلس، الذي كان أول من أدخل هذه المؤسسة للبرلمان، فهل يستطيع أن يقول لنا كم من التعويضات تقاضاها كخبير لدى المؤسسة؟ وأية خبرة قدم لهذه المؤسسة؟
وبالإضافة إلى الأنشطة المكثفة لهذه المؤسسة البريطانية، حصل المجلس على تمويل من الاتحاد الأوروبي، بلغت قيمته حوالي 33 مليون درهم، خصصت لدعم تفعيل الخطة الاستراتيجية لتأهيل المجلس، وتوفير الدعم السياسي والتقني في مجال التشريع والمراقبة للعمل الحكومي، وهذه سابقة في العالم، كيف لمؤسسة خارجية تمول نشاط مؤسسة دستورية ذات سيادة لتراقب عمل مؤسسة دستورية أخرى؟
وكان نواب العدالة والتنمية قد أعلنوا عندما كانوا في المعارضة اعتراضهم على تمويل الاتحاد الأوروبي لمجلس النواب، واعتبروه «مسا باستقلالية المؤسسة التشريعية»، لكن بمجرد حصولهم على أكبر عدد من المقاعد، انقلبوا على موقفهم، ووافقوا على هذا التمويل الخارجي من دول خارجية تمثلها مؤسسة الاتحاد الأوروبي، وهذا ما يمس بسيادة المغرب واستقلالية مجلس النواب الذي يعتبر مؤسسة تشريعية دستورية، وهي ثالث مؤسسة في البلاد، بعد السلطتين التنفيذية والقضائية.
إن هذا التمويل من الناحية السياسية والسيادية يتضح أنه لا معنى له، لأنه سيؤثر على البرلمان باعتباره سلطة مستقلة تقوم بأدوار الرقابة على السلطة التنفيذية وتمتلك صلاحيات التشريع وإخراج القوانين.
وهناك مؤسسة أجنبية أخرى تُمارس أنشطتها داخل مجلس النواب، وهي المعهد الديمقراطي الأمريكي، الذي يمول مكاتب لنواب برلمانيين، ويشرف على أنشطة تكوينية لهم، كما قام المعهد بتنظيم دورات تكوين للنواب والفرق البرلمانية تناولت مواضيع مختلفة مثل تنظيم الكتل النيابية، وبناء التحالفات، والاتصال بالناخبين، والعلاقات مع الإعلام، وصياغة القوانين، والتخطيط الاستراتيجي، والحوار التشريعي، وقدم مساعدات للنواب على فتح وإدارة مكاتب الناخبين المحلية. والخطير في الأمر هو اطلاع موظفي المعهد على الملفات التي يتوصل بها هؤلاء النواب في مكاتبهم، ما يجعلهم على معرفة ودراية بأهم المشاكل والقضايا التي يطرحها المواطنون، كما يقوم موظفو المعهد بجمع استمارات خلال انعقاد دورات مجلس النواب، لمعرفة مجموعة من المعلومات التي تظهر في شكلها أنها عادية وبسيطة لكن في العمق وراءها ما وراءها من خلفيات يعرفها أصحاب المعهد والذين يمولونه من الأموال الأمريكية.
إذن هذا البرلمان الذي كلف خزينة الدولة حوالي 11 مليارا من المال العام في ظرف ستة أشهر بدون عمل، محتاج لأخذ الدعم من مؤسسات أجنبية؟
إذا كان البرلمان محتاجا للدعم المالي فما عليه سوى أن يراسل رئيس الحكومة ليرفع له من الميزانية المخصصة له، أو أن ينقصوا من تعويضات البرلمانيين وتقاعدهم، لأن البرلمان يجب أن يكون تمويله مستقلا، لأنه يعبر عن السيادة الشعبية للمغاربة.
وهذه المؤسسات البريطانية والأمريكية والأوربية إذا كانت تريد أن تتعامل مع البرلمان فيجب أن تتعامل معه في احترام للسيادة الوطنية وأن تكون لها مكاتب خارج مجلس الشعب.
وإذا كان برلمانيو العدالة والتنمية قد أدخلوا هذه المؤسسات الأجنبية إلى قلب البرلمان عندما سيطروا عليه، فماذا سيفعلون في اليوم الذي سيحكمون فيه سيطرتهم على كامل دواليب الدولة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى