
في تطورات مثيرة، تشير نتائج الانتخابات الأخيرة بإقليم إكستريمادورا الإسباني إلى تحولات سياسية عميقة في المشهد الحزبي، وتحديدا ما يتعلق بالصعود المتزايد لأصوات اليمين المتطرف، إذ رغم تمكن الحزب الشعبي من تصدر النتائج، إلا أنه لم يحقق الأغلبية المطلقة، ما يجعله مضطرا إلى البحث عن تحالف مع حزب «فوكس»، الذي يمثل اليمين المتشدد، والذي خرج من هذه الانتخابات أقوى من أي وقت مضى.
إن تنامي شعبية اليمين المتطرف بإسبانيا وباقي الدول الأوروبية، يتم على حساب تراجع اليسار واقتحام أبرز قلاعه الانتخابية، وسط توقعات بموجة أوسع من التغيرات السياسية التي يمكن أن تشهدها عدة أقاليم إسبانية، وهو الشيء الذي يستدعي اليقظة الدبلوماسية بالمغرب، خاصة والمواقف المتطرفة لليمين بشأن الشراكات الاستراتيجية بين البلدين وملفات الهجرة وسبتة ومليلية المحتلتين.
وما يثير القلق أكثر ليس تقدم الحزب الشعبي، بل الصعود المتزايد لليمين المتطرف وحزب «فوكس»، الذي لم يعد مجرد حزب شعبوي احتجاجي أو قوة سياسية هامشية تتعارض والقيم الكبرى التي تبنى عليها الدول، بل بات شريكا محتملا في الحكم والتأثير الكبير في السياسات الخارجية الإسبانية، خاصة في قضايا الهجرة والاقتصاد والعلاقات الدبلوماسية.
وتحتاج المرحلة القادمة اتخاذ تدابير استباقية من قبل المغرب، للتعامل مع متغيرات نجاح الحزب اليميني المتطرف في استقطاب شرائح واسعة من الناخبين الإسبان، حتى في مناطق كانت تقليديا محسوبة على اليسار وبعيدة عن تأثير «فوكس»، ما يشير إلى تحولات عميقة في المزاج العام الإسباني.
ولا شك أن هذا الواقع السياسي الجديد يشكل ضغطا رهيبا على الحكومة الاشتراكية في مدريد، علما أنها أدارت مجموعة من الملفات الخارجية بحكمة كبيرة، وانخرطت في بناء علاقات دبلوماسية ومعاملات اقتصادية وفق معادلة «رابح – رابح»، حيث ينتظرها عمل كبير للحفاظ على التوازنات السياسية، واختبار تفكيك شبكة اليمين المتطرف المنغلق على ذاته والمتطرف في مشروعه السياسي بشكل يهدد بقلب كافة الموازين ونسف تراكمات الشراكات والعلاقات المتميزة بين البلدين.
فحزب «فوكس»، كما يتابع الجميع، يتبنى مواقف متشددة تجاه المغرب، ويرفض أي نقاش حول مستقبل مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، كما يعارض بشدة سياسات الانفتاح والتعاون في مجالات الهجرة والأمن والاقتصاد، إذ رغم أن الحزب الشعبي يتميز بقدر من البراغماتية في السياسة الخارجية وتجارب التسيير التي تخول له ذلك، إلا أن تحالفه في المستقبل مع «فوكس» قد يفرض عليه تبني مواقف متشددة، ما قد يهدم كل ما سبق بناؤه من علاقات ثنائية متميزة شهدت خلال السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا بفضل جهود دبلوماسية مشتركة.
وأمام هذه التطورات السياسية، من واجبنا الاستعداد لكافة السيناريوهات الممكنة، من خلال تعزيز وتوسيع قنوات التواصل مع مختلف الفاعلين السياسيين الإسبان، والعمل على تحصين المكتسبات التي حققها البلدان في السنوات الأخيرة، فضلا عن الانفتاح على المجتمع المدني الإسباني، وتكثيف الجهود الإعلامية والسياسية، وذلك لمواجهة أي ارتدادات غير مرغوب فيها لصعود اليمين المتطرف في الجارة الشمالية.




