
على بعد أقل من سنة، سيكون المغرب أمام انتخابات مصيرية، وهي الانتخابات التشريعية 2026 التي سيكون لها بالغ التأثير على مستقبل مجموعة من القرارات الاستراتيجية، ودعم المسار الذي اتخذته المملكة الشريفة، بشأن التنمية الشاملة، وضمان تكافؤ الفرص، والحد من الفوارق المجالية والاجتماعية والاقتصادية، وبناء مغرب 2030، والاستثمار الجيد في الأحداث الدولية والإقليمية ومستجدات دعم الحكم الذاتي بالصحراء المغربية، كحل وحيد وطي الملف المفتعل بشكل نهائي.
ومن المؤشرات الدالة على أهمية الانتخابات المقبلة، تطرق الملك محمد السادس في خطاب العرش إلى إجرائها في موعدها الدستوري والقانوني العادي، وتأكيده على ضرورة الإعداد الجيد لهذه المحطة الهامة، وتعليماته لوزارة الداخلية بتنفيذ ذلك، ما يسائل جميع المؤسسات المعنية والأحزاب السياسية لتحمل مسؤوليتها الكاملة في انتخابات تطبعها الشفافية والنزاهة، وتقديم وجوه سياسية قادرة على منح قيمة مضافة للمشهد السياسي المترهل وتدبير الشأن العام.
ولعل البداية في الإصلاح ستكون بمعالجة مشكل فساد التزكيات داخل الأحزاب، وتبعات ذلك على مستوى اختلالات الصفقات العمومية وصرف المال العام، حيث يتم تقديم مرشحين أميين يعجزون عن كتابة أسمائهم، فبالأحرى التخطيط للتنمية، وأولئك الذين تلاحقهم متابعات قضائية وقضايا جرائم الأموال، ما يساهم في توسع فيروس الفساد عوض محاصرته باتخاذ إجراءات فعالة والجدية في الممارسة السياسية.
ويحتاج التدبير الأمثل للحملات الانتخابية، تتبع تمويلها والكشف عن المداخيل والمصاريف وتقديم تقارير رسمية بشأن ذلك، واستبعاد تدخل الشبكات الإجرامية ولوبيات تبييض الأموال ولوبيات العقار، في تشكيل المجالس الجماعية، ما يحول الأخيرة إلى بقرة حلوب لفائدة فئة قليلة، خارج خدمة الصالح العام وتجويد الخدمات والتفاعل مع الشكايات، وفق السرعة والنجاعة المطلوبتين.
وعندما يتم إصلاح اختلالات التزكيات، وتقديم الطاقات والكفاءات، وتصويت الناخب على الشخص المناسب، دون انتظار رشوة تافهة، فإن ذلك لا شك سيقدم خدمة للوطن بدعم تشكيل فرق برلمانية قوية قادرة على الإنتاج التشريعي كما وكيفا، والقطع مع التبعات الكارثية لجمود التشريع على ما هو اقتصادي واجتماعي وسياسي، وغياب مواكبة التحولات المحلية والإقليمية والعالمية.
إن فيروس الفساد الانتخابي، يدمر كل مشاريع الإصلاح ويعرقل التنمية، ويهدم الثقة بين المواطن ومؤسساته، ويساهم في تكريس التمييز وغياب العدالة في الاستفادة من الثروة، فضلا عن تهلهل القانون وميله نحو الجهة المسيطرة بالمال والنفوذ، عوض العدالة وتكافؤ الفرص، والصرامة في ردع المخالفين، مهما كانت رتبتهم، ومحاكمتهم وفق الحقوق المكفولة.
وختاما فإن الصراحة التي تتحدث بها الخطب الملكية السامية، في موضوع الإنجازات والاختلالات، وضرورة معالجتها وفق النجاعة والسرعة المطلوبتين، تتطلب العمل بجدية لخدمة الشأن العام، ونكران الذات والتضحية لمحاربة الفساد وخلق أجواء تساعد على ذلك، والبداية تكون من النفس أو الفرد الواحد كل من مسؤوليته، سواء كان منتخبا أو مسؤولا أو قاضيا أو تاجرا أو إعلاميا أو مواطنا بسيطا يتحمل أمانة التصويت واختيار من يمثله بمجالس تحولت إلى ما يشبه السيرك وتجمعات رأس الدرب، فهل من قارئ جيد للتعليمات الملكية السامية، أم أن المصالح الشخصية تعمي الأبصار والقلوب؟





