
كان حلم والد أحمد التوفيق أن يصبح ابنه يوما مدرسا، منذ ولادته في يونيو 1943، وهو الذي قضى طفولته راكضا بين الروابي والجبال، حين قرر أن يطلب العلم في قرية بالأطلس الكبير الغربي تقع على 58 كيلومترا إلى الجنوب من مراكش، قرب قرية تينمل، مهد الموحدين.
لم يكن المدشر يتوفر على مدرسة، فاضطر إلى الالتحاق بفرعية في قرية ويركان البعيدة بخمسة كيلومترات، وانتقل لمتابعة تعليمه بمراكش في دجنبر 1955.
يستحضر أحمد هذا التحول الجوهري في حياته، «غيرت المدرسة بالدخول إلى مدرسة حرة، لأنني كنت أعلم أن المستقبل للغة العربية، وهذا ما كان يتردد، لكنني تعبت بهذا التغيير كثيرا»، يقول وزير الأوقاف في حوار مع جريدة «العلم».
حصل أحمد على الشهادة الإعدادية عام 1961، ودخل على الفور مدرسة المعلمين واشتغل مدرسا في التعليم الابتدائي لمدة عامين، حصل فيها على الكفاءة المهنية. وهو في قطاع التعليم، حصل على البكالوريا عام 1964، وانتقل إلى الرباط، حيث تعاقد مع المدرسة العليا للأساتذة، ودرس أربع سنوات في كلية الآداب، شعبة التاريخ والجغرافية، وحصل على الإجازة ودبلوم المدرسة العليا للأساتذة سنة 1968، «درست في التعليم الثانوي مدة عامين، أيضا حصلت فيها على الكفاءة المهنية في هذا التعليم، وحضرت في الكلية شهادات تكميلية خولتني الدخول مساعدا في شعبة التاريخ، ثم ناقشت رسالة دبلوم الدراسات العليا عام 1976، وارتقيت إلى أستاذ محاضر، وعملت نائبا للعميد، بعد صدور الإصلاح الجامعي الأول».
في الموقع الرسمي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أكثر من حوار مع الوزير يعترف فيه بقضاء فترة من عمره الوظيفي في وزارة التربية والتعليم، بل إن الوزير لا يتردد في الإقرار بأهمية المدرسة العمومية في التصدي للتطرف الديني، بل إنه يعترف بالدور الهام الذي يلعبه المعلمون إسوة بالقيمين الدينيين. عينه الملك محمد السادس وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية في نونبر2002، وظل في هذا المنصب إلى اليوم.
عرف الوزير بمؤلفاته التاريخية، على غرار: المجتمع المغربي في القرن التاسع عشر: 1912- 1850، وابن زيدان مؤرخ الدولة العلوية. وجارات أبي موسى، ثم كتابه: والد وما ولد، وعدد كبير من المؤلفات القيمة التي أغنت المكتبة التاريخية بالخصوص.
حصل على وسامين: وسام العرش من درجة ضابط، ووسام العرش من درجة فارس، كما نال وسام فارس الآداب والفنون للجمهورية الفرنسية.
ابن وزير الأوقاف يختار الطب النفسي
خلافا لمسار والده أحمد، اختار الابن جلال علم النفس تخصصا علميا، في أكبر المعاهد والجامعات العالمية، بعد أن درس الطب العام في بداياته، قبل أن يدخل ممر التخصص الذهني. إلى أن عين طبيبا نفسانيا في مستشفى الرازي للأمراض العقلية بسلا، ومع مرور الوقت سيصعد في سلم هذا التخصص من خلال محاضراته وإشرافه على مجموعة من الأوراش التكوينية في مجال تخصصه، إلى أن أصبح مديرا بالنيابة لمستشفى الرازي، ثم ارتقى ليصبح مديرا لهذه المؤسسة.
ظل جلال ينادي بالاهتمام بالصحة النفسية، التي تعاني من الحيف والتهميش، بل إنه أثار القصور الذي يعاني منه هذا القطاع الذي يخصص نسبة ضعيفة جدا من الميزانية، وما يترتب عليه من خصاص بشري. وكان ضمن فريق البحث العلمي الذي قدم دراسة جريئة أوضحت أن 48 في المائة من المغاربة الذين يزيد عمرهم على 15سنة، يعانون من اضطرابات نفسية.
نادى ابن الوزير إلى الاهتمام بمؤسسات رعاية هذه الفئات، وناشد الوزراء المتعاقبين على القطاع الصحي تعزيز الموارد البشرية، والقطع مع الهشاشة التي تعرفها الصحة العقلية في بلادنا، بالرغم من انتماء والده للفريق الحكومي.
مدير مستشفى الرازي يعتزل الوظيفة
حين طلب الإعفاء من مهامه كمدير لمستشفى الرازي، بعد أن حصل على التقاعد النسبي، أثار القرار ضجة واعتبرته كثير من وسائل الإعلام إقالة من وزير الصحة، فيما ذهب البعض إلى الحديث عن تصفية حسابات، وهو ما نفته إدارة المستشفى الجامعي.
في حفل تسليم المهام إلى مدير جديد، نوه مدير المركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالمسيرة المهنية الاستثنائية للبروفيسور توفيق، «المشهود له بالتزامه في مجال الطب النفسي، والذي اختار أن يتقاعد مبكرا، بعد مسيرة مهنية متميزة في خدمة الصحة النفسية والأبحاث الطبية»، يقول مدير المركز الاستشفائي ابن سينا.
قضى جلال التوفيق، نجل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، سبع عشرة سنة كطبيب وكمسؤول في مستشفى الرازي للأمراض العقلية بسلا، وهو ما اعتبره البعض احتكارا لهذا المنصب.
عرف باهتمامه بالإدمان، لما له من انعكاسات مباشرة على الأشخاص، ومساهمته في محاربة آفة المخدرات والحد من انتشارها. لذا تم انتخاب جلال التوفيق عضوا في الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، كما تعتبر إعادة انتخابه ثمرة لدينامية والتزام ثابت، مقرونين بتجربته وخبرته العلمية وإلمامه التام بالحقائق الميدانية.
بموازاة مع منصبه كمدير، شغل جلال مهمة أستاذ الطب النفسي بكلية الطب بالرباط، كما تولى العديد من المهام الاستشارية لدى المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بمنطقة شرق المتوسط، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة وغيرها من المؤسسات الدولية، وهو كذلك رئيس المركز الوطني للوقاية والعلاج والبحث في الإدمان، ومدير المرصد الوطني للمخدرات والإدمان.
حين اعتزل الوظيفة، ظل جلال حريصا على التموقع في جبهة مكافحة المخدرات، خاصة لدى المسنين، وفي حوار مع «أخبار الأمم المتحدة»، قال البروفيسور جلال توفيق، العضو في الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، إن ثمة ثلاثة أصناف من متعاطي المخدرات: «الصنف الأول هو مسن كان مدمنا منذ الصغر وأصبح مدمنا مسنا، (الصنف الثاني) مسن ذهب إلى العيادة وأعطيت له وصفات أصبح بعدها مدمنا على بعض المسكنات والمهدئات، والثالث مسن لم يقدر على الحصول على هذه الوصفات، وأصبح يشتري هذه المخدرات من الشارع. هذا هو المؤسف والخطير جدا».





