عبد الله إبراهيم عن دعوة المشاركة في الحكومة: “لا أملك حتى الحذاء”
مذكرات مولاي المهدي العلوي

يونس جنوحي
من أقوى النقاط التي تطرق إليها مولاي المهدي العلوي في مذكراته، كواليس تعيين الحكومة المغربية بعد 1956، إثر نهاية تجربة حكومتي البكاي الأولى (دجنبر 1955)، ثم الثانية التي لم تعمر طويلا هي الأخرى..
ورغم أن مولاي المهدي العلوي كان مقيما في فرنسا لاستكمال الدراسة العليا، إلا أنه كان دائم الحضور في المغرب، خلال العطل، ومن خلال تجمعات الطلبة المغاربة المتابعين لشؤون المغرب السياسية أولا بأول.
يحكي مولاي المهدي العلوي عن هذه كواليس تشكيل حكومة بلافريج، القطب الاستقلالي، في مذكراته:
“في ليلة تشكيل الحكومة، دعينا من طرف الحاج أحمد بلافريج للاجتماع حول الموضوع. وأذكر أنه طلب من عبد اللّه إبراهيم أن يهيئ نفسه لتولي وزارة الأنباء (الإعلام)، فأجابه هذا الأخير بأنه ليس مهيئاً لذلك لكونه، “لا يملك حتّى حذاء”، مُفضلا أن يبقى في عمله مع المناضلين في الدار البيضاء، وعلى الخصوص مع المحجوب بن الصديق، الذي كان يحضر باسم التنظيم النقابي.
وفي باريس، عُقد اجتماع للطلبة في مقر الحزب ضمَّ حوالي 150 مشاركا، وهو ما اعتبرناه حركة تصحيحية وجدت صداها في نفوسنا، وقد أرسلنا كتابا بذلك إلى القيادة الحزبية حرر ديباجته الأولى المفكر عبد اللّٰه العروي، في جلسة مشهودة بادرت إلى تنظيمها بمعية عمر بن جلون وعبد الحق العلمي.
في هذه الفترة زارنا في العاصمة الفرنسية “الفقيه محمد الحمداوي” لتدشين الاتصالات بالطلبة وبالعمال لتقديم “الحركة التصحيحية” وبسط أهدافها وتوجهاتها، والإشعاع الكبير الذي عرفته بانضمام عدد من الشخصيات المنتمية لحزب الشورى والاستقلال، منهم عبد الهادي بوطالب وأحمد بن سودة، ودعانا إلى حضور الاجتماعات الأولى للجنة الإدارية برئاسة عبد الهادي بوطالب، في أجواء اتسمت على الخصوص بالهجمات العنيفة التي شنتها صحافة حزب الاستقلال على الحركة الجديدة، وعلى الحكومة.
وقد حازت “الحركة التصحيحية”، بسبب الانكماش الذي عاشه الحزب، تأييد مجموعة من الوطنيين الذين كانوا قبل ذلك أندادا وخصوما للاستقلاليين، وأعني بذلك الشوريين والحركيين، فضلا عن أغلب المنظمات الجماهيرية، وعلى رأسها الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد الوطني لطلبة المغرب وحركة المقاومة المغربية. وكان سر نجاح الانتفاضة وإقبال أفواج من المواطنين عليها من مختلف الفئات، هو خطابها التقدمي الداعي للعمل من أجل تحقيق الأهداف التالية:
- بناء استقلال البلاد وتمتين وحدتها
- تأسيس دستور ديموقراطي وحكومة شعبية في ظل العرش العلوي؛
- تربية الأمة تربية سياسية ديموقراطية؛
- تكوين نهضة اقتصادية تضمن السير لسائر أفراد الأمة؛
- توجيه تطور البلاد الاجتماعي والثقافي نحو حضارة وطنية عربية إسلامية.
وقد انتهت لقاءات ممثلي الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال، وعناصر من حزب الشورى والاستقلال والحركة الشعبية، إلى عقد مؤتمر تأسيسي بتاريخ 6 دجنبر 1959 تمخض عنه تأسيس “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”.
وإذا كان تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مبعث أمل وتفاؤل بالنسبة للرأي العام المغربي والعربي، فإنه كان بالنسبة لجهات معينة مثار خوف ورعب، ذلك أن الاتحاد الوطني بخطابه الطموح، وبنوعية رجالاته الذين ينتمون إلى مختلف الأجيال والفئات، وبطينة رموزه الذين ساهموا مساهمة فعالة في الحركة الوطنية كقادة وسياسيين مرموقين ومقاومين ونقابيين مشهود لهم بالسبق والريادة في الكفاح ضد المستعمر أمثال المهدي بنبركة، وعبد الهادي بوطالب، والمحجوب بن الصديق والصنهاجي، وبالتفاف مثقفيه من مختلف المشارب والمستويات، تحول بالفعل إلى “حزب جماهيري” مهاب الجانب وفي الوقت الذي كان فيه الجميع منهمكا في بناء الحزب والدولة، كنتُ مكلفا بعقد الصلات مع الأحزاب والشخصيات في الخارج، فحضرت لأول مرة مؤتمر الحزب الشيوعي اليوغوسلافي في مدينة “لوبليانا” في عام 1956 بتكليف من المهدي بن بركة”، بصفتي ممثلا للشبيبة الاستقلالية”.
يعرج مولاي المهدي العلوي لاتصالاته الأولى مع المهدي بن بركة، والتي تعززت أكثر بعد مرحلة تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959.
وعندما كان مولاي المهدي العلوي نشيطا -في قمة نشاطه السياسي مع الشبيبة التي أطرها المهدي بن بركة- عاش تجربة فريدة تمثلت في لقاء ولي العهد الأمير مولاي الحسن سنة 1960، أثناء زيارته إلى باريس.. وكان ذلك اللقاء، غاية في الأهمية، ومنعطفا في حياة العديد من الشبان الذين اعتنقوا السياسة أثناء مرحلة الدراسة العليا في الخارج، وفرنسا على وجه الخصوص.





