
أحترم غيرة الفقهاء على مجال تخصصهم، وأقدر غيرة العلماء أو من يعتبرون أنفسهم في حكم العلماء على دائرة معارفهم، حتى ولو كانت دائرة حشائش وأعشاب، فمن الطبيعي أن يدافع كل مشتغل عن مجال اشتغاله الذي يضمن له خبزه وخبز أبنائه ضد من يريد أن ينتزع اللقمة من فمه.
وما نشاهده من حرب شعواء بين بعض الوعاظ المتحدثين في أمور الدين وبين مهندس زراعي أعد بحث تخرجه من معهد الزراعة حول السمن البلدي ليس سوى وجه من وجوه هذه المعارك حول مصدر الرزق.
الأطباء يحاربون أطباء الطب البديل والعشابة الذين ينافسون الباراسيتامول بلبخات المخينزة. وأطباء الأسنان يحاربون صناع الأسنان الذين ينافسونهم في قلع الأضراس وتركيب الأسنان وإجراء العمليات الجراحية لتقويم الأسنان.
الأطباء النفسانيون يشتكون بدورهم من هؤلاء الدجالين الذين يستقبلون المرضى مقابل تسعيرة زهيدة لكي يجربوا فيهم نصائحهم الخرقاء وتوجيهاتهم التي يحفظونها من صفحات الكتب ويكررونها كببغاوات أمام كل من يجلس أمامهم. والنتيجة أن كثيرين أصبحوا يهجرون عيادات الأطباء الحقيقيين لكي يجلسوا فوق كنبات الكوتش الذي لم يدرس أي شيء حول علم النفس ولا يحمل أي شهادة في المجال.
أطباء التجميل يحاربون متخصصي صالونات التجميل الذين أصبحوا يحقنون شفاه النساء بالبوطوكس.
وأصحاب التاكسيات يحاربون أصحاب التطبيقات ويحاصرونهم في الشوارع ويسلمونهم لرجال الأمن، وأصحاب الكيني يحاربون متخصصي الماساج الذين يقدمون أنفسهم كمتخصصين في تقويم العظام.
جميع المهن لديها من يدافع عنها، وينشئون هيئات لهذا الغرض، فأنت تجد هيئة الأطباء وهيئة المهندسين وهيئة المحامين، وكلها هيئات مكونة فقط من مهنيي القطاع ولا يوجد بينهم دخيل من مهنة أخرى، عدا مهنة الصحافة فلا أحد يدافع عنها ضد كل هؤلاء الدخلاء الذين يقتحمون قلعتها كل يوم من كل حدب وصوب، وحتى مجلسها يضع فيه كل واحد يد الوصاية.
وتكفي مراجعة تركيبة المجلس الوطني للصحافة لمعرفة ذلك، فأغلب المهن ممثلة فيه، من المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية إلى اتحاد كتاب المغرب، رغم أن المحامي جلال الطاهر المحامي بهيئة الدار البيضاء ظل يمثل جمعية هيئات المحامين في المجلس بالرغم من انسحاب هيئة الدار البيضاء من الجمعية، وممثل اتحاد كتاب المغرب في المجلس سبق له أن قدم استقالته من رئاسة الاتحاد.
وبسبب الأبواب المشرعة لمهنة الصحافة أصبحت ملجأ لكل الفاشلين في دراستهم وأنصاف الأميين أو المطرودين من مهنهم الأصلية أو أصحاب السوابق الإجرامية الذين وجدوا في هذه المهنة التي بلا بواب فرصة لتجريب سوابقهم وخبراتهم الإجرامية التي راكموها في حياتهم السابقة.
فأصبحنا اليوم أمام الآلاف من المواقع الإلكترونية التي لا تملك سوى بونجة مايكروفون تطبع عليه اسما ينتهي بكلمة “بريس” تمنحه لشخص بلا تكوين ولا تجربة لكي يطارد العمال والولاة وممثلي السلطة المحلية ويغطي نشاطهم ويطبل لمنجزاتهم.
وهكذا أصبح المسؤولون الترابيون في كل مدينة لديهم جيشهم الإلكتروني الذي يلمع صورتهم ويدافع عنهم ضد كل من يحاول أن يكشف مساوئ مجال نفوذهم الترابي، ولا غرابة في ذلك طالما أن بعض هؤلاء المسؤولين هم من يتكلف بشراء المعدات لهؤلاء الطبالة والغياطة الإلكترونيين ويضمن لهم المنح والإعانات، أحيانا من أموال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أي أنهم يستعملون أموال الدولة لتحسين صورهم على حساب صورة المدن والأقاليم التي يسيرون. ومن يتابع حملة تغطية زيارات القياد والباشوات والخلفان للأسواق ومحلات التخزين بمناسبة الحملة على الغلاء سيفهم ما أقول.
وطبعا فأغلب أصحاب تلك المواقع لا تصاريح قانونية لديهم ولا يضعون ملفات لدى النيابة العامة ولا يعترف بهم المجلس الوطني للصحافة ولا وزارة الاتصال، وأغلبهم من ذوي السوابق العدلية، ومع ذلك يشتغلون بحرية، رغم أن كبسة زر واحدة من طرف وكالة تقنين الاتصالات ANRT، بعد أمر من النيابة العامة، كفيلة بقطع الولوج لمواقعهم داخل المغرب، وحماية هذه المهنة الشريفة من شرورهم.






اودي الحياة” ليست خبزا فقط…وهناك من لا يزال يصر ان يرى في الباطل حقا ، صراحة هو معدور لانه لا يستطيع رؤية الى ما يتوافق مع ممعلوماته وادراكاته