الرئيسيةخاص

بوب وودوارد يكشف اعترافات ترامب حول إدارة البلاد ومواجهة كورونا

كتاب «الغضب» لمفجر فضيحة «ووترغيت» يصور غرق البيت الأبيض في الأزمة

إعداد: أميمة سليم

بعد ما يناهز 50 سنة من تفجير فضيحة «ووترغيت»، لا يزال الصحافي الاستقصائي بوب وودوارد يتصدر الصفحات الأولى، ويقلق البيت الأبيض، الذي استطاع فتح أبوابه الأكثر سرية.
أما الضربة القاضية الأخيرة.. فأتت من كتابه «ريج أو الغضب»، الصادر قبل أيام، حيث يكشف الكاتب والمراسل الصحفي البالغ من العمر 77 سنة، أن دونالد ترامب أخبره في فبراير أنه على علم بخطورة الفيروس التاجي المستجد.
«كنت أرغب دائما في تقليل الخطر»، كما اعترف له الرئيس الجمهوري في مارس، حيث تعرض لوابل من الانتقادات بسبب إدارته للوباء الذي أودى بحياة أكثر من 190 ألف شخص في الولايات المتحدة.

كما حدث في سنة 1974، عندما أسقط الرئيس ريتشارد نيكسون بفضل مصدر رفيع المستوى في مكتب التحقيقات الفيدرالي الملقب بـ«الحنجرة العميقة»، نجح بوب وودوارد في كسب ثقة محاوره.
من دجنبر إلى يوليوز، أجرى مقابلة مع الرئيس في ما يقارب 20 مناسبة، وسجل بموافقته تسع ساعات من الحوارات، ثم التقى، بعناية كبيرة، بمرافقيه، وراجع ملاحظات الاجتماعات وجمع الوثائق الرسمية.
هذه هي الطريقة التي قاد بها مراسل شاب لصحيفة «واشنطن بوست» بمعية زميله كارل برنشتاين تحقيقا حول سرقة مكتب للحزب الديمقراطي في مبنى ووترغيت، وكشف عن الحيل القذرة لحملة إعادة انتخاب الرئيس نيكسون.
قام الرجلان بتأليف كتاب من هذه المعطيات، «كل رجال الرئيس»، الذي حول إلى فيلم سينمائي سنة 1976 من بطولة روبرت ريدفورد وداستن هوفمان، مما أكسبهما شهرة خارج الحدود الأمريكية.

«إنه هراء»
في الواقع، يملك بوب وودوارد، باعترافه، القليل من أوجه التشابه مع ريدفورد المفعم بالنشاط. يتحدث بهدوء، ويرتدي غالبا سترة وربطة عنق غير مرتبة، ويصف نفسه بـ«الممل».
بانتظام رقاص الإيقاع، ينشر كل سنتين مؤلفا يزيح الستار عن كواليس القوة الأمريكية التي يسبر أغوارها بطرق غير شرعية.
قلمه ذو الأسلوب الواقعي المحض، والذي توجه له انتقادات أحيانا لاهتمامه بالتفاصيل الثانوية، قام بالشرح الدقيق لعمل المحكمة العليا أو وكالة المخابرات المركزية أو البنك المركزي. لكن عندما يتعلق الأمر بولايات الرؤساء فإن مداده يسيل كثيرا.
تلقى آخر المقيمين في البيت الأبيض واحدا (جورج بوش) واثنان (بيل كلينتون وباراك أوباما) وحتى أربعة (جورج دبليو بوش) من المقالات حول رئاستهم. قبل كتاب «ريج (الغضب)»، تم تصوير دونالد ترامب في مؤلف «فير (الخوف)، الذي نشر سنة 2018، على أنه زعيم مصاب بجنون العظمة وجاهل.
«إنه هراء»، صاح الرئيس المتهور، الذي لم يكن الصحفي قد استجوبه في ذلك الوقت.
اعترف السناتور ليندسي جراهام، أحد حلفاء الرئيس المقربين، بأنه نصح بعد ذلك دونالد ترامب بالتحدث إلى بوب وودوارد، كما فعل جورج دبليو بوش في أكثر من مناسبة خلال فترة ولايته.
وقال لصحيفة «ديلي بيست»: «أخبرته أنه كاتب رئاسي معترف به، سوف يمنحك فرصة لتقديم روايتك في التاريخ، وقد وافق الرئيس».

«مأساة»
عند قبوله، ربما لم يقس دونالد ترامب القوة العظيمة لمحاوره: «قدرته في جعل كبار المسؤولين يفضون بأسرارهم»، وفقا لرئيس وكالة المخابرات المركزية السابق روبرت جيتس الذي رأى في سنة 2014 أنه من الممكن أن يصنع هذا الصحفي جاسوسا جيدا جدا.
لا شك في أن مقدم برامج تلفزيون الواقع السابق شعر، منذ غشت، أنه فتح قلبه أكثر مما يجب، إذ غرد بشكل استباقي «سوف يكون كتاب بوب وودوارد» هراء «كالمعتاد».
قبل أيام قام بهجوم مضاد: «كانت تصريحاتي في يد بوب وودوارد منذ أشهر، إذا كان يرى أنها سيئة جدا وخطيرة، فلماذا لم ينشرها على الفور لإنقاذ الأرواح؟»
قبله، ارتفعت أصوات عديدة، سيما على الانترنت، تلوم الصحفي على تفضيله الترويج لكتابه قبل صحة الأمريكيين.
المعني بالأمر، المخلص لسمعته عن الصرامة، دافع عن نفسه من خلال توضيح أنه أراد التحقق مما يعرفه الرئيس بالضبط وفي أي تاريخ، قبل النشر.
هو الذي يتفاخر دائما بتجنبه إصدار الأحكام والتركيز على سرد الوقائع، خرج عن هذه القاعدة. وقال في مقابلة مع شبكة «سي بي إس»: «إن حريات الرئيس على الحقيقة هي «مأساة».

كتاب مروع يزعزع حملة ترامب

أجرى الصحفي بوب وودوارد سبع عشرة محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكي، الذي استنبط منه التصريح المحطم.
«الغضب» هو الكتاب العشرون لبوب وودوارد. إنه أيضا الأكثر درامية.
على طول 392 صفحة، وستة وأربعين فصلا، يرسم المخضرم في الصحافة الأمريكية صورة رئاسة غير عادية تغرق في أزمة غير عادية.
«ريج» هو كتاب واقعي للصحفي الأمريكي بوب وودوارد حول رئاسة دونالد ترامب، ونشر في 15 شتنبر 2020 بواسطة الشركة الأمريكية لطباعة الكتب «سايمون وشوستر»، إنه تتمة لكتاب «فير (الخوف): ترامب في البيت الأبيض» للكاتب نفسه.
على غرار مؤلفاته السابقة، فإن عنوان الكتاب مشتق من محادثة أجراها وودوارد مع ترامب في مارس 2016.
إذ أكد وودوارد أن «الكثير من القلق والغضب والضيق» كان يخيم على الأجواء داخل الحزب الجمهوري، حيث أجابه ترامب قائلا: «أخرج الغضب.. أنا فعلا أخرج الغضب.. بل يلازمني دائما… لا أعرف ما إذا كان هذا أحد الخصال أو المسؤولية، ولكن مهما كان، فأنا أغضب. كما أنني أخرج الغضب بشكل كبير، في النهاية، وفي العديد من المناسبات مثل هذه، حيث كان الناس يكنون لي كرها غير معهود، وبعد أن انقضى الأمر، انتهى بهم المطاف بأن أصبحوا أصدقائي. وأرى أن هذا يحدث هنا».

خلفية الكتاب

أخبر ترامب وودوارد أنه تمنى لو كان قادرا على التحدث إليه بشأن الكتاب السابق لسنة 2018 «فير أو الخوف». قال مسؤولو البيت الأبيض لصحيفة «بوليتيكو» إن احترام ترامب لوودوارد متجذر في «عقليته الثقافية للثمانينيات» التي كانت تعطي الأولوية لأغلفة مجلة التايم ونيويورك تايمز وجعلته يحترم وودوارد باعتباره «مدرسة» نتيجة لعمله في فضيحة ووترغيت. مما أدى إلى استقالة ريتشارد نيكسون.
قال أنتوني سكاراموتشي، مدير التواصل السابق في البيت الأبيض، إن وودوارد كان «المعيار الذهبي على مدار 50 سنة في الصحافة الاستقصائية حول الرئاسة»، وإن ترامب كان ينجذب لصحيفة نيويورك تايمز مثل «انجذاب حشرة صغيرة محدودة الذكاء للنار». «وكان ترامب دائم الاقتناع بأنه إذا تحدث إلى هذا الشخص، سوف يوضح وينور ذلك الشخص ويجعله يحبه».

وحث ترامب أعضاء إدارته على إجراء مقابلات مع وودوارد من أجل كتاب «ريج»، وكان من بين المشاركين المستشار الكبير جاريد كوشنر، ورئيس أركانه السابق ميك مولفاني، ومستشار الأمن القومي روبرت سي أوبراين، ونائب مستشار الأمن القومي ماثيو بوتينجر.
قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كايلي ماكناني إن ترامب أعطى حق الوصول إلى وودوارد لأنه كان «الرئيس الأكثر شفافية في التاريخ». وذكر سايمون وشوستر أن الكتاب هو نتيجة «مئات الساعات من المقابلات مع شهود عيان، بالإضافة إلى ملاحظات المشاركين ورسائل البريد الإلكتروني واليوميات والتقويمات والوثائق السرية».

أجرى ترامب 18 مقابلة استمرت 9 ساعات مع وودوارد من أجل الكتاب. تمت المقابلات في المكتب البيضاوي وفي الليل على الهاتف. وبحسب ما ورد، سأل ترامب مساعديه مرارا وتكرارا عن موعد نشر الكتاب، لكنه سرعان ما أدان المؤلف ووصفه بأنه «خبطة سياسية أخرى».

مضمون الكتاب

أخبر ترامب وودوارد أنه كان «يقلل من شأن التهديد الذي يشكله كوفيد-19 على الصحة العامة للأمريكيين، على الرغم من إخباره أنه ربما يكون «أشد فتكا» بخمس مرات من الأنفلونزا العادية وأنه «أيضا أكثر فتكا» حتى من الأنفلونزا الوخيمة… إنه فيروس مميت»، قائلا: «ما زلت أحب الاستخفاف به، لأنني لا أريد أن أخلق حالة من الذعر». ويختم وودوارد كتابه «ريج» بتقييم ترامب بأنه «الرجل الخطأ للوظيفة».

ردود الفعل
كتبت نانسي كوك وأليكس طومسون في «بوليتيكو» أن ترامب «[اعتقد] أنه يمكن أن يجذب الرجل الذي ساعد في الإطاحة بالرئيس وقام بتأريخ نصف دزينة من الإدارات على مدى نصف القرن الماضي»، ولكن ما كشف عنه الكتاب «خلق حالة الفوضى داخل البيت الأبيض في زمن ترامب، حيث ألقى المساعدون اللوم على بعضهم البعض بسبب التداعيات المتوقعة من ضخ المزيد من الفوضى في سباق إعادة انتخاب صعب المنال أصلا».

وجهت انتقادات لاذعة لصاحب الكتاب لعدم كشفه عن أفكار ترامب بشأن جائحة فيروس كورونا في الولايات المتحدة قبل الإصدار الوشيك للكتاب. قال وودوارد في مقابلة إن الكتاب كان بإمكانه تقديم سياق أكثر من قصة إخبارية و«إن أكبر مشكلة التي لطالما كانت تواجهني مع ترامب، هي أنني لم أكن أعرف ما إذا كان هذا صادقا» وحتى لو «كتب قصة في ذلك الوقت عما كان يعرفه في فبراير، فإن ذلك لن يخبرنا بشيء لم نكن نعرفه».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى