
يونس جنوحي
عندما وصلت رسالة امحمد بوستة، وزير الخارجية المغربي، التي أرسلها من الرباط، يوم الثاني من فبراير 1979، إلى وزير الخارجية الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، كانت الجزائر لا تزال تعيش أجواء الحداد، «حزنا» على الرئيس هواري بومدين.
لم تكن مضت على وفاة الرئيس السابق سوى أسابيع قليلة، قبل أن ترفع القيادة الجزائرية الإيقاع مجددا وتعود إلى استفزاز المغرب عند الحدود الشرقية مرة أخرى، واستئناف دعم البوليساريو.
وبما أن السفير محمد التازي احتفظ بنسخة من رسالة وزارة الخارجية إلى بوتفليقة، فإنه انبرى أيضا للتعليق عليها، وسجل، في أوراقه الشخصية، ما وقع من أحداث بعد وصول الرسالة إلى الجزائر. يقول:
«بعد عشرة أيام من إرسال هذه الرسالة، وجلالة الملك في زيارة لفرنسا، تلقى السيد امحمد بوستة ردا من الوزير الجزائري بوتفليقة، احتوى على النقط التالية:
°°
أولا، أكد أن الجزائر ليس لها أي مشكل مع المغرب وأنها ترغب في أن تربط مع المغرب أمتن العلاقات التي يمليها الجوار والحضارة والتاريخ: وبصفتكم كوطني عرف الحرب التي خاضها الشعب المغربي الشقيق، تعرفون أن الاحتلال تنجم عنه لا محالة مقاومة الشعب الذي هو الضحية، وأن الحرب التي تدور رحاها في الصحراء الغربية بين محاربي جبهة البوليساريو وبين المغرب، لم تردها بلادي.
ثانيا، إن الإعانة التي تقدمها بلادي للكفاح التحريري للشعب الصحراوي تنطلق من المبادئ التي التزمت بها بلادي لكل الشعوب المكافحة.
ثالثا: إن الجزائر المهتمة بوحدة ترابها وحرمة حدودها لا تجيز لنفسها الاعتداء على بلد آخر، خصوصا إذا كان جارا وشقيقا، ولعلي أذكر بفقرة من رسالة وجهها في شهر أكتوبر 1978 الرئيس الراحل بومدين تغمده الله برحمته إلى جلالة الملك الحسن الثاني. وهذه الفقرة:
« إني أطمئن جلالتكم باسم الروابط المتينة الموجودة بين بلدينا بأن أي جندي جزائري لن يخرق الحدود التي اتفقنا عليها في سنة 1972، وأن القوات المسلحة لن تقوم بأي عملية خارج حدود الجزائر إلا لصد عدوان عليها».
ويضيف السيد بوتفليقة:
رابعا، إن المحاولات الأخيرة للاعتداء على السيادة الجزائرية وأمن مواطنيها في عدة نقاط من التراب الجزائري خطيرة جدا. إلقاء أسلحة جوا في رأس «سيكلى»، تفجير قنابل في مغنية ووهران، لا يشك أحد في هوية القائمين بها.
خامسا، في ما بخص اللقاء الذي كان سيعقد بين الرئيس هواري بومدين وجلالة الحسن الثاني، فأؤكد أن جدول أعماله كان محصورا في نقطة واحدة هي مشكلة الصحراء الغربية
وتلبية الرغبات الوطنية للشعب الصحراوي، وأشهد أن اللقاء لم يتم ليس للحالة الصحية للرئيس بومدين – كما قلتم – ولكن لأن آراءنا لم تكن متفقة بالنسبة لمشكل الصحراء، وبالنسبة كذلك لمنطقة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، ألم يكن المغرب أول بلد عربي يستقبل السادات العائد من كامب ديفيد؟
خامسا: إن الرئيس بومدين العائد من اجتماع جبهة الصمود والتصدي في دمشق كيف يجتمع مع جلالة الملك الذي يزكي سياسة القاهرة؟
°°
بعد أن عرض السفير محمد التازي نص رد عبد العزيز بوتفليقة، وزير خارجية الجزائر في ذلك الوقت، مر إلى تناول أثرها في المشهد المغربي:
«وعلى هذا المنوال كان التهرب من الرد المباشر على رسالة السيد بوستة، وقد وصفت جريدة «المحرر» التي كان يصدرها حزب القوات الشعبية، ويديرها محمد اليازغي نائب الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي في افتتاحيتها ليوم 18-19 فبراير عام 1979 رسالة السيد بوستة لوزير خارجية الجزائر بأنها رسالة، استعطافية، ولعلها كانت تنتظر رسالة عنيفة، توازي في عنفها، بشاعة الاعتداء على المدينة الآمنة طانطان.
ألا يكون ملفتا للنظر أن لقاء جلالة الملك قدس الله روحه لم يتم مع العقيد الشاذلي بن جديد إلا بعد أن توارى السيد عبد العزيز بوتفليقة عن الحياة السياسية؟ وتم اللقاء في القرية التي تحمل اسم العقيد لطفي يوم 26 فبراير عام 1983، وهي قرية تقع بالقرب من الحدود المغربية».
بدا واضحا أن بوتفليقة لعب دورا كبيرا في حالة «البلوكاج» التي مرت بها العلاقات المغربية- الجزائرية.. وكان التازي أيضا شاهدا على محطات تزكي هذا الطرح.




