حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

شوف تشوف

جففوا المستنقع

واضح اليوم أن الطبقات الأكثر استهدافا من طرف فيروس كورونا هي الطبقات الشعبية والفقيرة. وذلك لأسباب متعلقة بظروف العيش الصعبة وقلة الإمكانيات وتغلغل الفكر الخرافي الذي ما زال يتعامل مع الفيروس كشائعة وليس كجائحة.
لكن تبقى أحياء الصفيح في هوامش المدن وفي قلبها أحيانًا خزانا حقيقيا للعدوى ونشرها، والسبب هو رداءة شروط السكن والعيش المشترك في السكن الشعبي الاقتصادي والتكدس العشوائي داخل الأحياء بالمدن.
وقد عرفت أحياء شعبية وصفيحية عدة بؤر للوباء اضطرت السلطات معها إلى اللجوء لقرار الإغلاق، كما حدث بدوار بلمكي المعروف باسم جمايكا أكبر حي صفيحي بالمغرب بتمارة والذي يؤوي 25000 شخص والذي تم تأسيسه منذ الثمانينيات.
منذ حكومة جطو وإلى حدود سنة 2020 موعد انتهاء مشروع القضاء على مدن الصفيح في 85 مدينة تم تخصيص مبلغ 3200 مليار. مرت حكومة جطو وتلتها حكومة عباس الفاسي ثم حكومة بنكيران، وها نحن في حكومة العثماني والنتيجة أن الملايير تبخرت فيما لم تتوقف أحياء الصفيح عن التكاثر مثل الفطر. المنتخبون يعتبرونها خزانا انتخابيا، تجار الدين يحتاجون فقراءها لتوزيع صكوك غفرانهم عليهم مقابل أصواتهم. بعض رجال السلطة وأعوانها يغلقون أعينهم ومنهم من تم فصله بسبب تورطه مع مافيا مدن الصفيح.
منذ عشرات السنين والدولة تخصص ميزانيات للقضاء على الأحياء العشوائية والصفيحية، لكنها فشلت، ببساطة لأنه كان هناك أفراد من داخل الدولة ظلوا يتواطؤون مع تجار الانتخابات لاستعمال هذه الكاريانات والأحياء العشوائية كخزانات انتخابية تضمن حصة مهمة من الأصوات لصالح المرشحين الذين يدفعون أكثر.
وحتى عندما كانت الدولة تنجح في تفكيك حي صفيحي وتعويض سكانه بشقق كان حي آخر ينبت في مكان آخر، غالبا بنفس الساكنة التي كانت تبيع شققها وتعود إلى البراكة، في انتظار أن يمر المقدم ويسجل الأسماء في لائحة المستفيدين المقبلين من شقق جديدة.
وهكذا ظلت الدولة تدور في حلقة مفرغة، ووحدهم تجار الانتخابات والمنتخبون المرتشون من استفاد من كل أحزمة البؤس هذه.
لذلك سجل ارتفاع في عدد الأسر القاطنة بالصفيح من 270 ألفا كما تم إحصاؤها في 2004 إلى 472 ألفا في 2018 بزيادة 75 في المائة، مقارنة مع الهدف الأولي، وبمتوسط زيادة سنوي بـ10 آلاف و669 أسرة.
ولهذا وبالنظر إلى وضعية السكن لدى شرائح واسعة من المغاربة سيكون من الصعب هزم الفيروس بسهولة، فشروط السكن تعقد الحرب، ومشكلة وزارة الصحة عندنا أنها تعتمد البروتوكولات العلاجية نفسها التي تعتمدها دول أوربية، وخصوصا فرنسا، مثل العلاج في البيوت مؤخرا، دون أخذ بعين الاعتبار للفروقات الشاسعة والاختلافات الجذرية بين هذه المجتمعات الأوربية المرفهة وبين المجتمع المغربي الذي يرزح تحت ثقل الهشاشة والجهل والفقر.
لذلك لا يجب أن نستغرب عندما نرى أن بروتوكولات علاجية تنجح في دول أوربية في حين تفشل عندنا. لقد جلبنا مدونة السير من السويد فهل نجحنا في خفض نسبة حوادث السير كما هو موجود في السويد؟ طبعًا لا.
البروتوكول العلاجي في البيوت يفترض أن يوضع كل مريض في غرفة خاصة معزولة عن بقية سكان المنزل، فهل بيوت المغاربة تستجيب لهذا الشرط؟
لقد أظهرت دراسة رسمية أنجزتها وزارة الإسكان في المغرب، أن 43 في المئة من سكان البلاد غير راضين عن المساكن التي يقطنون بها في مختلف الجهات.
وعادة ما نتهم أصحاب المدارس الخاصة، وتارة أخرى نتهم بعض أصحاب المصحات الخاصة بالجشع، وننسى فصيلة المنعشين العقاريين الذين تحول بعضهم بفضل الاستثناءات والمساعدات والتسهيلات إلى مليارديرات رغم أنهم لا يظهرون على أغلفة مجلة فوربس.
وبعض هؤلاء المنعشين العقاريين، بالإضافة إلى وزارة الإسكان والمؤسسات التابعة لها، جميعهم مسؤولون عن فساد العمران الذي يعتبره ابن خلدون مقدمة لفساد البلدان.
ونحن اليوم نرى حجم الصعوبات التي تواجهها السلطة المحلية والأمن والجيش لفرض التزام المواطنين بتدابير الوقاية الصحية والحجر الموضعي، خصوصا في الأحياء الشعبية حيث السكن يعاني من الهشاشة والضيق وغياب الشروط الصحية للعيش السليم وانتشار الأسواق العشوائية.
مشكل سكان الأحياء الشعبية مع عدم احترام التدابير الصحية يعطينا فكرة عن مشكلة شروط السكن بهذه الأحياء. فغالبية الأسر تعيش مكدسة في بيوت بغرف محدودة وضيقة، والعائلات التي فيها مراهقون مشكلتهم أكبر بحيث يضطر الذكور لإخلاء المكان لإتاحة الفرصة لأخواتهم للقيام بأشغال البيت بحرية أكبر في الملبس.
هناك عائلات ليس لديها ما يكفي من أماكن النوم بحيث يتناوب أفراد العائلة على السدادر بالدور، وعندما ينام النصف يغادر النصف الآخر البيت.
وقد رأينا في فترة الحجر الصحي كيف تحولت أسطح العمارات في أحياء الدار البيضاء الشعبية والفقيرة إلى أماكن للتجمع، بحيث تحول راس الدرب إلى راس السطح، فهناك، وإلى ساعات الصباح الأولى، يتم تدخين الشيشة جماعيا وفتخ لفافات الحشيش وتعاطي كل المخدرات التي كانوا يتعاطونها عادة في المقاهي.
أعتقد أن الوقت قد حان لإمعان النظر في تقرير المجلس الأعلى للحسابات الخاص بتدبير ميزانيات القضاء على مدن الصفيح والسكن غير اللائق. فليس عدلا أن تهدر كل تلك المليارات وتذهب إلى جيوب البعض فيما الصفيح يتكاثر حولنا ويتكاثر معه البؤس والفقر والهشاشة، أي الحلفاء الطبيعيين للأمراض والفيروسات من كل نوع.
إننا نكتفي بمحاربة البعوض بالمبيدات في كل مناسبة في حين أن الحل الطبيعي هو تجفيف المستنقع.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى