حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

حدود الحصانة

تشكل الحصانة البرلمانية والتمثيلية إحدى أهم ركائز الممارسة الديمقراطية وحرية التعبير المكفولة لفضح الفساد ومراقبة عمل الحكومة، لكن سوء استغلالها من قبل العديد من المنتخبين بات يطرح علامات استفهام مقلقة، حيث تحول الأمر في بعض الأحيان إلى غطاء لتمرير اتهامات خطيرة، دون أدلة ملموسة، أو تقدير للمسؤولية وتبعات التصريحات واستخدامها لتصفية الحسابات الشخصية داخل المؤسسة التشريعية وبالمجالس المنتخبة، بدل أن يتم تسخير الحصانة لخدمة الصالح العام، وكشف الفساد وفق المساطر القانونية المعمول بها.

مقالات ذات صلة

وكلنا تابع ما تشهده العديد من اجتماعات لجان البرلمان والجلسات ودورات الجماعات الترابية من انزلاقات مقلقة، تحولت معها قاعات الاجتماعات إلى ساحات حرب حقيقية، تستعمل فيها أسلحة تبادل الاتهامات بالرشوة وسوء التدبير وتهديد الصحة العامة، في غياب تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي نص عليه الدستور المغربي بشكل واضح، وهو الشيء الذي يُفقد المؤسسات مصداقيتها، ويسيء لصورة المنتخبين أمام المواطنين.

فالحصانة وُجدت لحماية المنتخب أثناء أدائه لواجبه التمثيلي، لا سلاحا يستعمل للابتزاز السياسي، أو منصة للتشهير المجاني بمؤسسات ومسؤولين، أما مساءلة القطاعات الحكومية المعنية فينبغي أن تتم بمنطق المصلحة العامة وبدافع الرقابة والمحاسبة، لا لأهداف انتقامية، أو مآرب شخصية لا علاقة لها بالمال العام ولا انشغالات واهتمامات المواطنين.

إن إعادة الاعتبار لروح الحصانة تقتضي وضع حدود واضحة، تحمي من التجاوزات، وتعيد الثقة في العمل السياسي، وتكرس ثقافة تحمل المسؤولية في كل التصريحات والاتهامات الثقيلة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأمن وصحة المواطنين، والتشكيك في دور مؤسسات الرقابة، حيث يبقى الكل تحت القانون، والواجب هو تقديم أدلة وفتح تحقيق قضائي لكشف كافة الحيثيات والظروف المتعلقة بالاتهامات.

ومن غير المقبول تحول الحصانة في العديد من الحالات إلى درع وهمي يُستعمل لتوجيه اتهامات خطيرة بالفساد، أو خروقات في تدبير المال العام، أو حتى في قضايا أخلاقية، دون أي وثائق أو أدلة قانونية، لأن مثل هذه الممارسات تخلق نوعا من الشك، وتتسبب في ضرب الثقة في المؤسسات المنتخبة.

ولا يجب إغفال أن البعض يتراجع عن التصريحات بعد إثارتها للرأي العام، أو تقديمها في صيغة نقاش سياسي، أو مبرر العبارات المجازية، دون اعتبار أن كل تصريح رسمي بالفساد داخل مؤسسة تمثيلية يُعتبر بمثابة تبليغ عن جريمة في القانون المغربي، ويستوجب التحقيق وتفعيل المحاسبة.

لقد أصبح من الضروري، شرح حدود الحصانة، وتفعيل التحقيق في كل تصريح يُتهم فيه شخص أو جهة أو مؤسسة بالفساد أو خروقات أو تجاوزات، مع إلزام المُصرّح بتقديم الأدلة لدى القضاء وجهاز النيابة العامة وتحمل التبعات القانونية في حال البلاغ الكاذب، لأن الحصانة ليست حماية من المحاسبة بشكل مطلق، بل وسيلة لضمان استقلالية الرأي في إطار احترام القانون، وهي مناسبة كذلك لدعوة القيادات الحزبية لضبط الخطاب السياسي، ومحاسبة منتخبيها عن كل تصريح خطير وغير مسؤول، بدل «جيب يا فم وطلق» والاختباء خلف الحصانة عندما «تحماض القضية».

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى