
حسن البصري
في صيف عام 2012 كتب لي أن أقضي شهرا كاملا في المملكة العربية السعودية لتغطية بطولة كأس العرب. في مدينة جدة لازال طيف البهجة وكماتشو وأبو شروان حاضرا بقوة في أذهان أنصار اتحاد جدة، يسألونك عن مصيرهم يعتقدون أن السبل انقطعت بهم.
في جدة قدر لي أن أقترب أكثر من مدرب المنتخب المغربي إيريك غيريتس، لمست إصراره على الهروب من صحافيين يحملون سؤال راتبه السمين، قال لي مازحا بعدما انتهى من حصة تنس في فندق بوسط المدينة: «سعر المدرب بسيط لا يتجاوز ألفي أورو للكيلوغرام».
استغرب المدرب البلجيكي لانشغالنا نحن معشر الصحافيين براتب المدرب، وقال لي عقب الظفر بكأس العرب بنبرته الساخرة:
«لا تنزعج فقد حصل المنتخب على جائزة نقدية هامة تكفي لتغطية نصف رواتبي».
كان غيريتس يحرص، خلال مقامه في الفندق، على تفادي الحديث مع الصحافيين، وحين يلح التلفزيون مالك حقوق النقل الحصري، يفوض أمر الكلام لمساعده دومنيك كوبيرلي الذي يشترط صحافيا فرانكوفونيا فلا يجد له التلفزيون السعودي أثرا ثم تلغى الجلسة الحوارية.
ينسج لاعبو المنتخب حكايات طريفة عن كوبيرلي، الذي كان في حالة توتر دائم قبل وأثناء وبعد كل مباراة، حيث يصف كل مواجهة بـ«معركة حياة أو موت»، ويعتقد أن منتخب اليمن قادر على هزم الألمان، ويحذر من منتخب ليبي خارج للتو من الاحتقان.
ظل كوبيرلي صديقا لطبيب المنتخب يطرق بابه ابتغاء أقراص مهدئة، فيما كان اللاعبون يحذرونه من متابعة المباريات عالية الضغط، عكس المدرب غيريتس الذي لا يتجسس على خصومه ويفضل الاهتمام بفريقه.
عاش غيريتس خلال دورة كأس العرب خلوته في الفندق، يمارس يوميا مبارياته الاعتيادية في ملعب التنس، بمشاركة صديق علي الفاسي الفهري الذي عين مرافقا للمدرب، رغم أنه موظف في مكتب الماء الصالح للشرب. كان المرافق صالحا للشرب فعلا.
قيل والعهدة على مستخدم الفندق إن ممرضة أجنبية تمكنت من حقن مشاعر المدرب البلجيكي بلقاح الحب، وعاشا قصة غرام استمرت لأكثر من سنة، حين كان مدربا للهلال السعودي، نشرت الصحف تفاصيلها المملة، وتطاولت جريدة «الاقتصادية» على الكرة ونشرت خبرا عن زفاف بين مدرب وممرضة بعيدا عن رائحة الدواء. ليس الوزير السابق يتيم وحده الذي يعشق ملائكة الرحمة فللمدربين ميل فطري للممرضات.
من شدة إعجاب المدرب بالممرضة، ألزم جامعة علي الفاسي الفهري بتنظيم معسكر في الطائف لأول مرة في تاريخ الكرة المغربية، كي يظل قريبا من الممرضة التي كانت تتردد على مقر البعثة لتقيس له درجات الضغط ونبض القلب. لكن الرجل المتيم الذي أشرف على تدريب الهلال، لا يفوت الفرصة لزيارة الرياض ويبحث عن عشرات المبررات لحج غير مبرور.
حين ترددت الممرضة على الفندق، حاول صحافي سعودي استجلاء الأمر، قال إنه يعرف المسالك المؤدية للخبر اليقين، وحين كان يهم بمغادرة الفندق وعدنا بالسبق الصحافي في اليوم الموالي، ووزع علينا نحن معشر الصحافيين بطاقة زيارته الملونة.
كتب الصحافي ما يشبه بيان حقيقة، وكشف عن وجود طاقم طبي معزز بممرضات في الفندق لإسعاف باسل كوركيس، المدير التقني للمنتخب العراقي، الذي أصيب بنوبة قلبية مباشرة بعد مباراة المغرب والعراق، حيث نقل إلى مستشفى جدة المركزي في ساعات متأخرة من ليلة المباراة، مضيفا أن الاتحاد العربي هو من تحمل جميع نفقات علاجه.
في اليوم الموالي قررت التوجه لمستشفى «بخش» في جدة، حيث توفي نجم الكرة المغربية مصطفى شكري، وحين كشفت عن هويتي ورغبتي في تقليب أوراق لغز وفاة غامضة، قيل لي إن اللاعب مات وطبيبه مات ولم يبق إلا وجه ربك ذو الجلال والإكرام.





