حكم قاد ديربي شهير انتهى بانسحاب الرجاء وإصرار بيتشو على تسجيل هدف بمرمى فريقه الأم
قضاة الملاعب محمد حجان (حكم فيدرالي)

حسن البصري:
حين اعتزل المغربي محمد حجان التحكيم، فضل الابتعاد عن القطاع واختار وضع مسافة الأمان مع المحيط الكروي، إلى أن فوجئ الرأي العام الرياضي بخبر وفاته يوم رابع يونيو 2019، في بيته بحي يعقوب المنصور وهو في عقده السابع.
المفهوم الحقيقي للسلطة التقديرية
كانت وفاته مفاجئة لزملائه الحكام الذين انقطعت عنهم أخباره، وتبين أن الرجل اختار مواجهة المرض لوحده، بعد أن «علق» الصفارة واستكمل ما تبقى له من سنوات الشغل في قطاع البريد، وأدى مناسك الحج ليجعل المسجد والمصحة جهته في آخر أيامه.
كان حجان حكما بالفطرة، يقود المباريات بمنطق الحاكم الذي يفصل في نوازل كروية على امتداد تسعين دقيقة أو أكثر، لم تكن دروس التحكيم تستهويه يكفيه معرفته بقوانين اللعبة، وتنزيلها بما يكفي من الصرامة، لا يهمه ما يقال في الصحف يكفيه رأي اللجنة المركزية للتحكيم وضميره المهني.
يقول أحد رفاق دربه: «في آخر أيامه كان يفضل عدم متابعة مباريات كرة القدم وكأنه سئم منها، وكان يؤمن في نقاشه حول التحكيم، بأن المعرفة بقوانين اللعبة وحدها لا تكفي لنجاح حكم مهما كان مستواه الفكري».
يجمع رفاق دربه في مهنة التحكيم، بأن حجان كان سيد قراراته، وكانت له رؤية أخرى لامتياز «السلطة التقديرية» ما كلفه في كثير من المواقف غضب الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، «لا يتردد حجان في منح فريق فائز بخماسية مثلا ضربة جزاء في الوقت الميت من المباراة، رغم علمه المسبق أن هذا القرار لن يغير شيئا في نتيجة المباراة، لكنه قد يجلب لحجان غضبة الفريق المنهزم الذي يتمسك بقرار يعتبره ظالما»، يقول حكم رافق حجان في قيادة مجموعة من المباريات المحلية.
أغلب شهادات المقربين من حجان تسير في نفس الاتجاه، وتجمع بأنه لا يتردد في اتخاذ قراراته مهما كانت كلفتها، يقول حكم دولي سابق:
«في فترة من الفترات دخل حكام عصبة الشاوية إضرابا مفتوحا، فاستنجدت اللجنة المركزية للتحكيم بحكام عصبة الغرب لقيادة مباريات السد بالدار البيضاء، في إحدى المواجهات الحارقة أعلن حجان عن ضربة جزاء في الدقائق الأخيرة من المباراة، قوبلت بفورة غضب من الفريق الذي أعلنت ضده، هدد مسؤولوه بالانسحاب من الملعب وحين كانوا يهمون بمغادرته، طلب من لاعب الفريق تسديد ضربة الجزاء أمام شباك فارغة، وفعلا قام لاعب بتسجيل ركلة الجزاء في مرمى فارغة، فعاد الفريق المغادر ليقدم ضد الحكم اعتراضا تقنيا، واشتبك الحابل بالنابل فقط لأنه اتخذ القرار دون استشارة مساعديه».
وفي سياق مماثل يروي مسؤول سابق لفريق اتحاد سيدي عثمان، عن مباراة السد التي احتضنها ملعب شهود في الرباط بداية الثمانيات ضد فريق القوات المساعدة، «تأخرت المباراة عن موعدها وكانت تسير نحو نهايتها بعد غروب الشمس، التمسنا من حجان توقيف المباراة بسبب صعوبة الرؤية، لكنه استمر في تدبير المواجهة إلى أن تمكن فريق القوات المساعدة من تسجيل هدف لقي احتجاج لاعبي ومسيري سيدي عثمان، فرفضوا إتمام ما تبقى من دقائق المباراة، فأعلن نهايتها وتوجه إلى مستودع الملابس».
حكم المباريات المثيرة للجدل
تألق محمد حجان بشكل ملفت في نهائيات دوري كأس محمد الخامس في شهر غشت من سنة 1974، حين قاد بنفس الصرامة المعهودة مباراة نصف النهاية بين ممثل الكرة المغربية رجاء بني ملال الحائز على لقب بطولة المغرب تلك السنة، وفريق بينارول مونتفيديو بطل الأوروغواي، انتهت المباراة بهزيمة الملاليين بثلاثية، وقال المدرب عبد القادر الخميري، إن الحكم كان صارما، وسيعود الفريق الملالي ليراكم خسارة ثانية في نفس الدوري أمام فريق فيرنك فاروس الهنغاري بحصة (5-1)، فاحتل المرتبة الرابعة في هذه الدورة وتبين أن حجان لا يد له في الهزيمة.
في السنة الموالية، ستختاره الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم برئاسة عثمان السليماني، لقيادة المباراة النهائية الشهيرة لكأس العرش صيف 1975، وجمعت شباب المحمدية واتحاد سيدي قاسم، وانتهت بفوز الفريق الفضالي بهدفين لصفر، في مباراة تاريخية أقيمت على أرضية الملعب الشرفي بالدار البيضاء بتاريخ 6 يوليوز بحضور الملك الحسن الثاني.
في هذه المباراة برز اسمان: لاعب سيدي قاسم عبد الله السماط لاعب وسط ميدان اتحاد سيدي قاسم، والحكم محمد حجان الذي أشهر البطاقة الحمراء في حق السماط، بعد مشاهد من صراع ثنائي بين هذا الأخير واللاعب أحمد فرس. احتج القاسميون على طرد لاعب أحكم قبضته على نجم الكرة المغربية، هذا الأخير اعترف في أكثر من مناسبة بأن السماط فرمل تحركاته برقابة لصيقة في تلك المباراة ولم تنفرج الأمور إلا بعد طرده من طرف الحكم، حيث سجل شباب المحمدية هدفين في مرمى القاسميين.
ولأن رب ضارة نافعة، فإن طرد السماط في ذاك التاريخ أصبح محط أنظار المنتخب الوطني المغربي الذي تألق رفقته سنة 1976، وأهدى المغرب أول كأس إفريقية في التاريخ، إلى جانب جيل فرس وبابا والزهراوي وعسيلة والعديد من نجوم تلك الحقبة.
سيعود حكمنا إلى الواجهة، عبر كأس العرش سنة 1981، حين عينته اللجنة المؤقتة المكلفة بتسيير شؤون كرة القدم المغربية، حكما للمباراة النهائية التي جمعت في ملعب الفتح بالرباط منتصف شهر شتنبر، الوداد البيضاوي والنادي المكناسي، برئاسة ولي العهد آنذاك محمد السادس، وانتهت بتتويج الوداد بكأس العرش بعد فوزه بهدفين لواحد، بعدما كان الفريق البيضاوي منهزما بهدف لصفر الى غاية الدقيقة الثمانين من اللقاء، حين سجل هدفي الوداد كل من ابريجة وبودربالة.
أشادت اللجنة المؤقتة للجامعة بالحكم حجان الذي جعل التشويق يميز مباراة كانت الكأس فيها في طريقها إلى مكناس قبل أن تعود أدرجها وتستقر في خزينة الوداد. قال حجان لعميد الكوديم: «المباراة لا تربح قبل صافرة النهاية، تعلموا الدرس».
ضربة جزاء لا ينساها البيضاويون
لم يكن الحكم محمد حجان يعتقد أن مباراة ديربي بين الرجاء والوداد في الموسم الرياضي 1978/1979، ستظل موشومة في وجدان الجماهير البيضاوية، لأنها لم تنته في وقتها القانوني بسبب انسحاب الرجاء من رقعة الملعب.
كان فريق الرجاء البيضاوي منهزما بهدف لصفر، وكان يسعى لإدراك التعادل، قبل أن يعلن حجان ضد مجريات المباراة ضربة جزاء لفائدة الوداد، بسبب مناوشات بين حارس الرجاء مخلص وقلب هجوم الوداد مجيدو.
قبل وفاة حجان بشهور قليلة، خرج عن صمته وأعاد إلى الأذهان قصة هذه المباراة بأدق تفاصيلها، رغم أنه كان مجهدا بالمرض وهو في عقده السابع، لكنه قرر تبرئة ذمته من تبعات مباراة سارت بذكرها الركبان.
سئل الحكم حجان عن مباراة أسالت حبرا غزيرا في صحافة تلك الفترة الزمنية ولازالت تحقق أعلى نسب الإثارة في مواقع التواصل الاجتماعي. فقال: «لازالت أتذكر تلك المباراة التي ترجع للموسم الرياضي 1978/ 1979، كنت قد أشهرت بطاقة حمراء في وجه حارس الرجاء نجيب مخلص، لم تكن ضربة الجزاء التي منحتها للوداد هي سبب مشكل الانسحاب، فقد قام حارس الرجاء مخلص، بارتكاب خطأ بضربه للاعب الوداد امجیدو داخل مربع العمليات، بدون كرة، فأعلنت عن ضربة جزاء وقمت بطرد حارس مرمى الرجاء الذي لم یحتج ولم يعترض ليس فقط بل كل لاعبي الرجاء».
في تلك الفترة كان الإعلان عن ضربة الجزاء لا يتم إلا بوجود عنف حقيقي من لاعب تجاه آخر، عكس ما يحصل اليوم إذ أن مجرد احتكاك بسيط ينجم عنه جزاء نادرا ما كان يقابل بالاحتجاج كما هو الشأن اليوم.
يضيف الحكم حجان: «احتجاج لاعبي الرجاء، والجمهور على الخصوص، لم یكن بسبب إعلان ضربة الجزاء، و لا بسبب طرد حارسهم مخلص، وإنما بسبب الأحداث التي تسارعت في ما بعد، لأن فريق الرجاء كان قد استنفد التغییرات القانونية المسموح بها، فوقف لاعبو الرجاء و دكة الاحتياط یفكرون في من سیتولى حراسة المرمى، وقد تطوع لهذه المهمة اللاعب عبد المجید ظلمي، وحين كان يتوجه للمرمى من أجل التصدي لضربة جزاء يستعد لتسديدها بيتشو، الذي انتقل من الرجاء إلى الوداد، فطلبت منه تغيير القميص وارتداء قميص بلون مغاير لقمصان باقي لاعبي الفريقين».
بدأ فصل جديد من المباراة المتوقفة، شرع جمهور الرجاء في الاحتجاج على بيتشو حين جلس فوق الكرة ينتظر تسوية مشكل القميص، ارتفعت وتيرة الاحتجاج الرجاوي على لاعب أصر على تسديد الكرة في مرمى فريقه الأصلي نكاية في بعض المسيرين.
أضاف حجان وهو يضع النقط على الحروف: «أنا كحكم آنذاك ليست من صلاحیاتي التدخل في من سينفذ ضربة الجزاء، ظل بيتشو جالسا ينتظر ظهور ظلمي في المرمى، قبل أن يمنح لاعب ودادي بذلته لظلمي الحارس على اعتبار أنها مختلف عن لون الوداد الأبيض والرجاء الأخضر، ولأنها حمراء اللون فقد طالب الجمهور من الحارس عدم ارتدائها، بل إن اللاعب فاخر لحق بظلمي ونزعها منه ورمى بها أرضا، فارتفع مؤشر الاحتقان في الملعب وفي المدرجات. قبل أن يتدخل المدرب جرير حمان ويطالب لاعبي الرجاء بالانسحاب من رقعة الملعب، احتجاجا على إصرار بيتشو على تسجيل هدف ضد فريقه الأم، وكان بيتشو على خلاف مع حمان».





