الرأي

حكومة بيت النعاس

كان على إدريس جطو وهو يصدر، خلال الأسبوع الذي ودعناه، آخر تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، أن يوزع معه بالمجان أيضا أقراص الأسبرين، لأن مضمون تلك التقارير التي أنجزها قضاة المجلس في ربوع المملكة، وبداخل كل مؤسساتها العمومية وهيئاتها المنتخبة، تسبب فعلا في «الشقيقة»، بفعل العبث والتساهل والفوضى التي يدبر بها المال العام، وتكشف بصراحة أيضا أسباب التعثر الديمقراطي في البلد، بفعل نخبة سياسية تمتص الميزانيات كما يمتص البعوض الدماء، وحين تنتهي من قراءة تقرير جطو الأخير تخرج بخلاصة واحدة ووحيدة هي أن «السيبة في البلاد».
لو قمنا بعرض آخر تقرير للمجلس الأعلى للحسابات على أي مواطن أجنبي، لخرج بتساؤل واحد كذلك: أليس في البلد قضاء؟ لكن الطامة الكبرى هي أن تقارير إدريس جطو تحولت، في السنين الأخيرة، إلى مادة للاستهلاك والإلهاء الإعلامي، عوض أن تكون صكوك اتهام قضائية في تنزيل تام لربط المسؤولية بالمحاسبة كما نص عليها الدستور الجديد للمملكة، حتى أصبح من المناسب جدا التفكير مستقبلا في تحويل مؤسسة المجلس الأعلى للحسابات إلى المتحف الوطني للفساد، يفتح في وجه الزوار ويعرض عليهم جرائم الأموال العامة للاطلاع عليها والتمتع بها، كما يقع حاليا حين يتم نشر هذا الوسخ الوطني مع كل سنة في الجرائد عوض عرضه على القضاء.
لقد كشفت تقارير إدريس جطو مرة أخرى أن الخطابات الحكومية بشأن الأزمة الاقتصادية وانعكاس ذلك على إعداد قوانين للمالية مجحفة في حق التوظيف والزيادة في الأجور وخلق التنمية، ليست سوى أكاذيب رسمية كذلك، لأن ما تكشفه تقارير قضاة الحسابات يشير بوضوح إلى وجود ثروة ضخمة من المال العام في يد حفنة من المتلاعبين يصرفونها بدون حسيب أو رقيب على صفقات وهمية وأخرى مغشوشة، بجانب وجود ملاحظات تقنية لهؤلاء القضاة تهم عدم استخلاص الملايير من الدراهم من الرسوم الضريبية التي توكل مهمة تحصيلها إلى الهيئات المنتخبة. ومن يرى حجم الأموال العامة التي تصرف والملايير من الميزانيات التي تتطاير من تقارير مجلس جطو، سيقول إننا نتكلم عن دول الخليج وليس عن المغرب.
في خطاب العرش لسنة 2014، خلق الملك محمد السادس الحدث على المستوى الداخلي، حين قال بنبرة نقدية غير مسبوقة: «أتساءل باستغراب مع المغاربة أين هي هذه الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟»، والحال أن الجواب عن هذا التساؤل الملكي يوجد اليوم داخل المجلدات الضخمة التي أصدرها المجلس الأعلى للحسابات، والتي تبين بوضوح كيف تصرف وتسرق ثروة المغاربة وكيف تضيع فيها فئات الشعب بسبب الفساد وفوضى الحكامة وعبث التدبير العمومي لمؤسسات الدولة، والنتيجة الطبيعية حين تنهب الصناديق والميزانيات، هي ما عبر عنه الملك في خطابه التاريخي، حين قال أيضا: «الواقع يؤكد أن هذه الثروة لا يستفيد منها جميع المواطنين، ذلك أنني ألاحظ، خلال جولاتي التفقدية، بعض مظاهر الفقر والهشاشة، وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة».
خلال الأسبوع الذي ودعناه، نشر إدريس جطو أوراق الوسخ الذي ينخر مؤسسات البلاد، وقبله توقع عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، سنة كارثية وراجع توقعه بأن ينخفض معدل النمو إلى واحد بالمائة فقط، لكن في خضم كل هذه التحديات الكبيرة التي تنتظرنا، وكل الأيام السوداء العجاف التي تضرب لنا موعدا من الآن، هناك حزب حاكم يعيش في «الهناوات»، وعقول قيادته مشغولة إما بمضاعفة النسل حتى نصبح 120 مليون نسمة، أو بأضرار الساعة الإضافية على الجماع والنكاح… فلتسمحوا لنا، يا سادة، «هادي راها ولات حكومة بيت النعاس».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى