شوف تشوف

الرأيالرئيسية

حوار رئاسي في مكان عام!

الصحافة الدولية كلها تتحدث عن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى أوكرانيا والآمال المعقودة على اللقاء بينه والرئيس الأوكراني، الذي اشتغل سابقا ممثلا، وأدى دور البطولة في عمل فني شهير في أوكرانيا حمل عنوان «خادم الشعب». أصبح سيناريو الفيلم حقيقة وصار فلاديمير زيلينسكي، فعلا، رئيسا للأوكرانيين.

مقالات ذات صلة

لكن قبل خبر زيارة الرئيس الأمريكي إلى أوكرانيا، حل بها مواطن أمريكي لديه معجبون في كل أنحاء العالم وتفوق شعبيته شعبية الرئيس. يتعلق الأمر بالمذيع والكاتب دافيد ليترمان، الذي تحول، أخيرا، إلى فيلسوف وتجاوز بكثير مرحلة الانبهار بأضواء الشهرة.

جاء هذا الوجه الإعلامي الشهير إلى أوكرانيا لكي يُحاور الرئيس الأوكراني ويلتقي بعض الأوكرانيين في الشوارع لإنجاز حلقة عما يقع فعلا في أوكرانيا، حتى أنه فضّل أن يُحاور الرئيس في محطة للقطار وليس في القصر الرئاسي أو أي «مكان آمن» بعيدا عن محاولات القصف الروسية على مدينة «كييف».

كان المسافرون يتحركون جيئة وذهابا، وتُسمع بوضوح أصوات فرامل القطارات وصفارات إعلان وصولها، وكان الرئيس الأوكراني، في كل مرة، يحاول رفع صوته لكي يُسمع بوضوح في مكان التسجيل.

أما ليترمان فلم يكلف نفسه عناء الظهور بطريقة مألوفة للقاء الصحافيين أو المذيعين برؤساء الدول، حتى أنه لم يحلق ذقنه وأطلق لحية طويلة واكتفى بارتداء ملابس عادية جدا، من تلك التي يرتديها السياح لكي يشعروا بالراحة أثناء جولاتهم السياحية.

مضمون الحوار الصحافي لم يكن عاديا، بل كان إنسانيا وركز على هواجس الإنسان أكثر مما ركز على سياسة البلاد الخارجية وكلام السياسيين المنمق.

التقى رجلان من رجال التلفزيون. الرئيس، باعتباره ممثلا سابقا وكوميديا شهيرا في بلاده، وليترمان باعتباره أحد أكثر الوجوه الأمريكية شهرة في عالم صناعة المقابلات التلفزيونية وأكثرها متابعة خلال السنوات العشرين الأخيرة.

طريقة ليترمان في محاورة الضيوف، وأحيانا «استفزازهم» بحس سخرية لاذع، كلها بهارات صنعت نجاحه المهني، لكن العمل الأخير الذي قام به في أوكرانيا كشف إلى أي حد يمكن لوجه معروف أن يصل إلى ما لا يصل إليه السياسيون والدبلوماسيون ووزراء الخارجية.

اللقاء مع الرئيس الأوكراني كشف الحياة اليومية للأوكرانيين وليس لرئيس البلاد. القطارات التي كانت تمر خلف المكان المخصص لتسجيل الحوار، رغم الضجيج الذي أحدثته أثناء التسجيل، عكست الترقب والتوجس المخيمين على البلاد وإصرار الأوكرانيين على مواجهة الروس إلى آخر رمق. بينما ظهر بالواضح أن الفنان الذي وقف طويلا، ولسنوات، في إطار الـ«وان مان شو» لإضحاك الأوكرانيين في النوادي الكوميدية والمسارح، صار مطلوبا منه الآن الجلوس، وليس الوقوف، إلى كرسي لكي يخاطب الأوكرانيين ويطمئنهم بخصوص مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، خصوصا وأن ما يقارب نصف سكان البلاد صاروا لاجئين حرفيا في دول أوروبية أخرى تشارك حدودها البرية مع أوكرانيا.

في جولة ليترمان في أوكرانيا، بعد تسجيل الحوار مع الرئيس، التقى مواطنين أوكرانيين عاديين ومنحهم الكلمة وطرح عليهم أسئلة بسيطة بشأن حياتهم اليومية وتخوفاتهم، لكي يتحول التسجيل من مقابلة إعلامية مع رئيس الدولة إلى وثائقي عن الحياة في أوكرانيا ما بعد القصف.

الأمريكيون عرفوا ليترمان من خلال مقابلاته الكوميدية والساخرة، حتى أن بعض تعليقاته في برنامجه الشهير في أمريكا خلال التسعينيات، صارت نكتا يضحك بها الأمريكيون في ما بينهم. ولعل أكثر ما جعل مقابلته الإعلامية مع الرئيس الأوكراني «ناجحة»، بحسب تعليقات الصحافة الأمريكية، أنه يلتقي مع الرئيس في مهنة «الكوميديا»، ولم يتوقفا طيلة المقابلة عن تبادل النكات الساخرة. وكانت النتيجة حوارا بين واحد من أشهر الإعلاميين ورئيس دولة، في مكان عام، والقطارات تمر خلفهما!

يونس جنوحي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى