شوف تشوف

الرأيالرئيسية

خمر وحب

 

بداخلي امرأتان واحدة تائهة تبكي لأتفه الأسباب، وتضحك لأغبى المواقف، امرأة مخيطة بالكفن والأبجدية… وأخرى تقفز إلى الشاشات لتفرق بسمتها على الجمهور الحزين، تنحني في خفة لتلتقط قلوب الرجال التي تتساقط حولها، وتخيط هي كفن الأبجدية!

لطالما أيقنت أن نصفي سيهزم نصفي يوما ما أمام عيني الرجل الذي أحبه، لكني لم أكن أعرف من سينتصر…

حين التقيتك، يا سيدي، لم تقم الحرب أبدا، لم يهزم نصف نصفا، ولا افترقت المرأتان، جئت كالصلح، تدفعهما معا للوقوع في الحب، وتبطل أي سبيل للنجدة في ما بعد.

أذكرك جيدا بصوتك المبحوح المختنق هو أول ما تعرفت عليه منك، تسألني في خجل إن كان من الممكن أن أتحدث إليك قليلا قبل النوم، لا أنكر أبدا أنني كنت أتذمر بشدة من اتصالاتك المتكررة، كنت أتأفف من شخص اتصلت به لأساعده فأصبح يحدثني دون سبب، كثيرا ما تحججت بالعمل، الدراسة، وأشياء أخرى كي أنهي اتصالاتنا، لكني ما أن أقفل الهاتف حتى يتآكلني إحساس مقيت بالذنب لأني أتركك في ظلمتك تلك وحيدا، إلى أن أصبحت اليوم أنا التي تستجدي رنة شوق، وترجو سماع صوتك ولو صدفة، وتعانق الظلمة وحيدة دون أن يخزك قلبك ولو مرة كي تسأل عنها. فأي نكران ذا الذي جبلت عليه؟ وأي مادة قاسية تلك التي خلقت منها؟ وكيف لك، أيها الطفل الغرير، أن تعض الثدي الوحيد الذي أرضعك وأنت جائع؟

أقر أنا وأعترف بأنني أتحمل كل المسؤولية في ما وصلت إليه اليوم، لم يجبرني أحد على التخلي عن العالم الخارجي والسكون إليك على الهاتف، لا أحد أجبرني على الدخول معك إلى سجنك والزهد في حريتي، لا أحد كان سيفهم أصلا إلى أي مدى تحبك امرأة تفضل الاستماع إلى صوتك في الهاتف على أن تجمع قلوب الرجال التي تتساقط حولها، إلى أي مدى هي واقعة في الحب أنثى تقرر التخلي عن كل شيء في رمشة عين، عائلتي، عملي، أصدقائي، وكل ملذات الحياة كي أكتفي بك وحدك… لم ألق بالا يوما لاتهاماتهم، لم يزعجني أنك كنت منبوذا، لم أهتم لمواقفهم منك أولئك الذين تركتهم سابقا لأجلك واليوم هم وحدهم من يحاولون طبطبة تقوس كتفي وكفكفة دمعي.

حين التقيتك للمرة الأولى كنت كأم أنجبت للتو، كان بطني لا يزال منتفخا بك، وثديي ممتلئا بحليب الحب، كنت أمشي بصعوبة لأن غرز خياطة الفراق كانت تؤلمني، لم أحاسبك لأنك تركتني مرتين، لم أخف، مددت لك يدي وأخذتك بعيدا عن العالم إلى أقصى الصحراء كي أنفرد بك.

كان متاعنا في السفر خمرا وحبا، لكنك كنت عاقا بشدة، لم أنزعج أبدا من معاملتك الفظة رغم أن سارة عاتبتك كثيرا، لم أكن أحزن لأنك كنت ولدي الذي انسل من رحمي منذ أيام فقط، كنت أقبلك بعيوبك، أفهم أنك طفل قد تعض نهدي في أي وقت، قد تخدش وجهي، تجر شعري، وترفث حتى النعمة التي تضع نفسها في طريقك. كنت سعيدا بكل ما كنت تفعله، كنت أسعد وأنا أعد إفطارك صباحا، أستفيق ليلا لأمدك بقنينة الماء، أغطيك وأنت نائم، أساعدك على الاستحمام، لكني لم أتوقع ولو لوهلة أن ألمح شبح امرأة غيري بأحداقك، كنت لي لدرجة أني اندمجت فيك، وتقبلتك كلك على قلة الميزات وكثرة العيوب، وحتى يوم قلت لي إن الاستمرار مستحيل بيننا، لملمت نفسي، بكيت وحيدة، ثم استجديتك من جديد لأني في آخر المطاف أم لا أستطيع أبدا أن أتخلى عن فلذة كبدي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى