الرأي

داعش.. الحرب الأبدية

مروان قبلان

شهدت عمليات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) طفرة كبيرة خلال الأسابيع القليلة الماضية في العراق، لكن في سوريا خصوصا. إذ تعددت العمليات التي قام بها التنظيم وتنوعت أهدافها، فجرى استهداف عناصر من قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكذلك من قوات النظام السوري والميليشيات إيرانية الإدارة المتحالفة معه. كما بدأت عمليات التنظيم تقترب أكثر من مدن الوسط (حمص وحماه)، بعد أن كانت محصورة في البادية والشرق، ما حدا بروسيا والولايات المتحدة على السواء إلى رفع وتيرة تدخلهما الجوي، كل لدعم حلفائه على الأرض. لم تمثل الزيادة الكبيرة في عمليات «داعش» مفاجأة لمتابعي أوضاع التنظيمات الجهادية الذين سخروا من مزاعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في فبراير 2019، وأعلن فيها القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية بنسبة «مائة بالمائة»، كما قال، في سياق تبرير رغبته بالانسحاب من سوريا، في ضوء معارضة المؤسسة العسكرية التي ظلت تتخوف من تكرار سيناريو العراق، عندما تسبب الانسحاب المبكر للقوات الأمريكية، تنفيذا لسياسة الخروج بأي ثمن، التي تبنتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، في انبعاث «داعش»، بعدما كانت إدارة بوش أضعفت سلفه، تنظيم دولة العراق الإسلامية، بشكل كبير، إثر الزيادة الكبيرة التي أجرتها على عدد القوات الأمريكية هناك، وإنشاء الصحوات في الفترة 2007 – 2008.
واقع الحال أن الولايات المتحدة التي تتحمل قدرا من المسؤولية عن نشأة الجهاد العالمي، سواء بصورة مباشرة، عندما دعمته لهزيمة السوفيات في أفغانستان، أو بصورة غير مباشرة، بسبب سياساتها في العالمين العربي والإسلامي، دخلت في مواجهة معه منذ عام 2001. وباستثناء أنها منعت، منذ ذلك الوقت، وقوع هجوم كبير على أراضيها، فإن حربها معه مستمرة منذ عقدين، ومرشحة للاستمرار عقودا عديدة مقبلة، إذا ما ثابرت على استخدام المقاربة نفسها في التعامل معه. بكلمة أخرى، «الحرب على الإرهاب»، إذا وافقنا على استخدام المصطلح الذي اخترعته إدارة جورج بوش الابن، مرشحة لأن تصبح أطول الحروب في التاريخ المعاصر.
لقد بليت الألسن والأقلام من ترديد بدهية أن القضاء على «داعش»، وغيره من التنظيمات الجهادية المتشددة لا يمكن إنجازه، طالما ظلت الظروف التي أدت إلى صعوده وانتشاره قائمة، وهي، أي التنظيمات المتشددة، وإن توارت بسبب حجم القوة النارية المستخدمة ضدها لا تلبث أن تنبعث بمجرد تغذية التربة التي تنمو فيها. سوف تنمو على الأرجح خلال الفترة المقبلة قدرات تنظيم الدولة الإسلامية، وتتزايد عملياته وتبلغ ذروتها في حال تحولت إدارة بايدن، كما يتخوف بعضهم، إلى إدارة «أوباما 3»، بمعنى أنها أعادت إنتاج الظروف التي أدت إلى انبعاث التنظيم في سوريا والعراق، عبر تبني سياسة «استرضاء» إيران، من أجل ضمان عودتها إلى الاتفاق النووي، مع الاستمرار في تجاهل سياساتها في المنطقة، والتي تعد سببا رئيسيا في صعود التنظيم وانتشاره في عموم المشرق العربي.
عندما عاد تنظيم الدولة الإسلامية من صحراء الأنبار مع تطور اعتصامات الرمادي عام 2012، كانت الولايات المتحدة قد غادرت العراق، وتركته لإيران لتُحكم قبضتها عليه عن طريق حلفائها في حزب الدعوة وغيره من القوى السياسية المرتبطة بها. ومع إمعان حكومة نوري المالكي في سياسات التهميش والإقصاء التي طاولت المجتمعات السنية، بما فيها النخب التي سلمت بخسارة حكم العراق وانخرطت في العملية السياسية، مثل طارق الهاشمي ورافع العيساوي، عاد التنظيم ليقدم نفسه باعتباره الحل لسنة العراق، وتمكن من إقناع جزء منهم بذلك، بعدما أغلق المالكي كل السبل في وجوههم. تكرر الأمر نفسه في سوريا، حيث دعمت إيران استخدام النظام أقصى درجات العنف لمواجهة المجتمعات التي ثارت عليه، وساهمت من ثم في تحويل الصراع إلى صراع أهلي – طائفي بامتياز، وهي بيئة مثالية لازدهار فكر «داعش» وانتشاره.
إذا قررت واشنطن في عهد بايدن غض النظر عن السياسة الإيرانية القائمة على منع قيام دولة قوية في العراق تمثل العراقيين، وتفكك الميليشيات التي تدين بولائها لطهران، وفي منع حل سياسي عادل في سوريا يسمح بإعادة بناء الدولة، ويحقق للسوريين تطلعاتهم في استرداد بلدهم وإعادة بنائه، سوف تبقى الولايات المتحدة على الأرجح متورطة في حرب أبدية ضد «داعش» وأشباهه، ما أن تنتهي فيها جولة حتى تنطلق أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى