
في أقل من يومين، استقبل وزير الخارجية ناصر بوريطة، السفير المتنقل لدولة أنغولا برناردو دومبيلي مبالا، المبعوث الخاص لرئيس الجمهورية جواو لورينسو، ثم بعد ساعات معدودات استقبل روبرت دولغر، الذي قدم نسخا من أوراق اعتماده بصفته سفيرا مفوضا فوق العادة لجمهورية ألمانيا الاتحادية لدى الملك محمد السادس. هي إذن لقاءات ومشاورات سياسية ودبلوماسية مكثفة تجريها وزارة الخارجية المغربية يستشف من إحدى رسائلها أن الإنجازات المحققة على مستوى قضية وحدتنا الترابية أمميا وقاريا، لا تعني الاستسلام للكسل والانتظارية القاتلة، بل إن هذه الانتصارات الدبلوماسية، بقيادة الملك محمد السادس، تضع عبئا ثقيلا على صناع القرار الدبلوماسي ببلادنا لحماية المكتسبات، والتي لن تكتمل إلا مع استمرار سياسة اليقظة والاشتغال اليومي على دبلوماسية القارات.
وبالمقارنة مع ممارساتها الماضية، أصبحت الدبلوماسية المغربية تتخذ بالفعل وجهًا جديدًا في مجال دبلوماسية القارات؛ حيث كانت، إلى حدود السنوات القليلة الماضية، ترتكز على كسب مواقف بعض الدول المحسوبة على رؤوس الأصابع في أوروبا وإفريقيا والخليج. والآن أصبحت الدبلوماسية المغربية بفعل الانعراجة الكبيرة التي أحدثتها تركز على أن تكون لها حصة أكثر فعالية في الشؤون الدولية، خدمة للسيادة الوطنية والمزاوجة بينها وبين تلك المتعلقة بالمصالح الاستراتيجية، وهو ما يستوجب الاستفادة من الآليات الدبلوماسية المتعددة الأطراف.
إن الدبلوماسية التي تستهدف كل القارات أصبحت مرتبطة بمدى استيعاب الدولة المغربية للتحولات التي عرفتها المواقف الإيجابية للكثير من دول القارة الإفريقية، وفي الوقت نفسه الإحاطة بقوى دولية سواء التقليدية أو الصاعدة التي تعتبر مواقفها مهمة بالنسبة لبلدنا. ومن خلال الوقائع والتحركات، بدا واضحا أن الدبلوماسية المغربية تحرص في الحاضر والمستقبل على صداقة العالم -إلا من استثنى نفسه- وزرع علاقات الشراكة المتكافئة مع كل دولة تخطو خطوات إيجابية نحو قضية وحدتنا الترابية، وفي الآن نفسه ممارسة خيار الحزم مع الدول التي تفضل العيش في المناطق الرمادية .
لماذا نصر على القول بأن دبلوماسية القارات هي الحل؟ أولا لأن قرار الحسم في قضيتنا الوطنية، رغم عدالتها التاريخية والجغرافية، لن يتم بموقف لدولة في إفريقيا أو أوروبا أو أمريكا أو آسيا. ثانيا لأن التحولات الجيوستراتيجية التي يشهدها العالم تفرض على بلدنا تنويع شركائه وحلفائه، وبالمقابل توحيد خصومه وعزلهم، وهذا ما يحدث بالضبط في علاقتنا مع جار السوء.





