شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

دروس في كأس العالم

 

 

سامح راشد

 

 

انتهت فعاليات الدورة الـ22 لكأس العالم في كرة القدم بنجاح غير مسبوق. وهي دورة جديرة بالتأمل واستيعاب دروسها، إذ انتقل بها كأس العالم من مجرد بطولة رياضية إلى حدث إنساني عظيم ومهرجان بشري ضخم. فللمرة الأولى تشهد بطولة كأس العالم لكرة القدم تجمع أكثر من ثلاثة ملايين مشجع في مساحة جغرافية محدودة، دمجت هذا الكم البشري الهائل في حزمة ضخمة من الفعاليات الرياضية والثقافية والفنية، شملت أنحاء قطر بشكل يومي، طوال الأيام الثلاثين للمسابقة.

وهي أيضا المرة الأولى في كأس العالم التي تخضع فيها البطولة لقواعد وإجراءات ذات بعد ديني وأخلاقي ومجتمعي. منها منع الكحول بالملاعب ومراعاة العادات والتقاليد الإسلامية والعربية بالأماكن العامة. وقد أثبتت التجربة جدوى تلك الضوابط وأهميتها في نجاح البطولة، وخروج المباريات بسلام وأمان داخل الملاعب وخارجها. بل إنها لقيت استحسان الجماهير، حيث جرت فعاليات البطولة من دون شغب بين المشجعين تحت تأثير الخمور.. والاستثناء الذي أكد تلك القاعدة، كان إصرار مشجعة كرواتية على ارتداء ملابس فاضحة. وكان واضحا أن هدفها الاستفزاز واستجلاب رد فعل حاد ليجري توظيفه ضد قطر، فكان التعامل الذكي معها بالتجاهل التام رسميا وإعلاميا.

رياضيا، شهدت البطولة للمرة الأولى خذلان منتخبات كبيرة مشجعيها، وتوالت المفاجآت بمغادرة ألمانيا وبلجيكا والأوروغواي والدانمارك المسابقة من دور المجموعات، ثم تلتها إسبانيا في الدور التالي. ثم المفاجأة الكبرى بخروج البرازيل أمام كرواتيا، والبرتغال على أيدي المغرب، ليجسد «أسود الأطلس» عمليا ارتفاع مستوى الفرق المتوسطة والصغيرة القادمة من إفريقيا وآسيا، لتصل إلى المربع الذهبي وتخرج بظلم تحكيمي بين أمام فرنسا، حامل اللقب. فقد شهد التحكيم في هذه الدورة من كأس العالم انتكاسة غريبة ومريبة، فأخطاء الحكام لم تكن كثيرة وحسب، بل كانت موجهة وانتقائية، أي لم تكن نتاج نقص كفاءة وإنما عكست انحيازا متعمدا. إذ جاءت قرارات الحكام دائما مضادة للفرق العربية والإفريقية والآسيوية.. وما يزيد الشكوك ويجعل نظرية المؤامرة قائمة، بل ومنطقية، انخراط حكام الفيديو «الفار» في موجة التربص تلك، وفي الظلم نفسه الصارخ لفرق دون أخرى. حتى إن قرارات منظومة التحكيم تكاد تنطق صراحة بالتآمر على منتخبات دول العالم الثالث. ولعل مباريات المغرب وتونس والسعودية والسينغال كشفت نوايا غير بريئة لدى الحكام تجاه هذه المنتخبات. أما مباراة المغرب وفرنسا في الدور نصف النهائي، فتقدم دليلا دامغا على التوافق بين حكم الساحة وحكام «الفار» على منع منتخب عربي إفريقي من الوصول إلى نهائي المونديال.

ويبقى أهم ما في كأس العالم 2022 سقوط كل الادعاءات والمزاعم السلبية التي وُجهت زورا إلى قطر، فقد أثبتت أنها دولة قادرة كبيرة وشعبها نزيه متسامح. وأن لكليهما من الكبرياء وكرم الأخلاق ما جعلهما يترفعان عن الصغائر وتركها تنكشف تلقائيا، خصوصا أن الإنجازات التي تتم بالعمل والفعل كفيلة بإعجاز من لا يملكون سوى الكذب والبهتان..

أما العظة الكبرى في ذلك النجاح الكامل لتنظيم قطر كأس العالم، فهي أن الحداثة والمعاصرة والتقدم والإبهار في التخطيط والتنظيم والتنفيذ والإتمام، كلها لا تتعارض أبدا مع الاحتفاظ بالقيم والمبادئ، وإبراز الثقافة المحلية، وإحياء الجذور الأصيلة والمرجعيات الراسخة، من دين وحضارة وثقافة ولغة وتقاليد. وفي ذلك فخر للقطريين كبير، وللآخرين درس لو يعلمون عظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى