
يونس جنوحي
كيف كانت إذن أجواء الحملة الانتخابية الأولى التي عاشها المغرب مع بداية سنة 1963؟
نادرا ما تحدث المرشحون السابقون لأول نسخة من البرلمان المغربي عن هذه الكواليس.. وقلة فقط من السياسيين كتبوا عن هذه التجربة.
يحكي مولاي المهدي العلوي عن كواليس حملته الانتخابية باسم حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والتي خاضها جنبا إلى جنب مع المهدي بن بركة، وعبد الرحيم بوعبيد والفقيه البصري. وكان فيها منافسه في مدينة سلا، هو العالم والوطني الكبير أبو بكر القادري.. كيف تدبّر العلوي إذن هذه الأزمة.
يقول:
«كُنت مترددا، لا سيما عندما سمعتُ من السي بوعبيد أن دائرتي الانتخابية ستكون هي مدينتي (سلا)، وسأكون في مواجهة أحد رجالات المدينة الذين لا يجرؤ أي على مواجهته، وهو «سي بوبكر القادري» برمزيته ومكانته وتاريخه كان جوابي التلقائي والصريح على طلب «السي بوعبيد» هو أنه يبقى الأولى بالترشح في مدينة يعرفها ويعرف أهلها، في الوقت الذي كنت أدرك حجم الإحراج من المواجهة التي يمكن أن نقع فيه جميعا بعد قرار حزب الاستقلال اختيار الأستاذ أبي بكر القادري مرشحا للحزب في المدينة.
ولما كانت العلاقة التي تجمع بين الرجلين على قدر كبير من الاحترام المتبادل، فإني أعلم أن بوعبيد لن يقدم على مواجه القادري في أية ساحة انتخابية، لذلك اختار الاتحاد الوطني ترشيحه في مدينة القنيطرة القريبة.
وبالفعل استجبت لطلب إخواني في الحزب وعُدت إلى أرض الوطن وقُدت حملة انتخابية موفقة، بمساعدة كافة أعضاء القيادة، إذ حضر معي عبد الرحيم بوعبيد في أول تجمع انتخابي، وترأس الفقيه البصري التجمع الثاني، وشارك المهدي بن بركة في تجمع آخر من التجمعات الاتحادية بالمدينة.
وفي لجة حملاتي الانتخابية، طلب مني المهدي أن أنوب عنه في رئاسة التجمع الانتخابي المنظم بمدينة وزان على أن يتفرغ لتجمع آخر في مدينة الدار البيضاء، فتوجهت إلى المدينة الجبلية وألقيت فيها خطابا ما ظننت أنني أعدته مرة أخرى، تُوج بنجاح منقطع النظير، مما شجعني على مواصلة سلسلة التجمعات بدءا من سوق أربعاء الغرب، وصولا إلى مدينة سلا، التي ألقيت فيها خطاب اختتام الحملات.
قُدنا حملة انتخابية ناجحة بامتياز نظرا لمعرفتي بمدينتي، إذ عملت قبل الانطلاق على رصد الأماكن التي ستعقد فيها التجمعات الخطابية، وسجلتها لدى باشا المدينة عبد الرحمن عواد، الذي كانت لي به معرفة سابقة بحكم صداقته لوالدي، وكان قد واجهني بسؤال عما سأبرر به مواجهتي للمرشح المنافس سيدي بوبكر القادري، فكان جوابي أنني سأعالج الأمر بطريقتي الخاصة.
إثر ذلك، قررت التوجه إلى بيت السيد أبو بكر القادري، فطلبت مقابلته بعد انصراف عدد من الأشخاص الذين كانوا معه في حملته الانتخابية، فبدأت بذكر أفضاله على الوطن وعلى المدينة، وأعدت على مسامعه تقديري الكبير لشخصه وحفظي للود الذي أكنه له، والعلاقة التي تربطنا جميعا بهذا البيت، الذي كان المكان الأول الذي أديت فيه قسم الإخلاص للوطن والكفاح من أجل وحدته واستقلاله.
أكدت لمخاطبي أن هدف مشاركتي في الانتخابات باسم حزبي ليس هو الفوز، بل هو تكريس قيم الديمقراطية التي ننشدها جميعا في أفق بناء بلد عصري بمؤسسات ديمقراطية والنزاهة لتشكيل برلمان مُنتخب بشكل ديمقراطي، وأن الهدف في النهاية سيكون هو تعزيز استقرار البلاد وعزتها، وقد كنت أتحدث إلى الرجل وأنا على قناعة تامة بكل كلمة أقولها.
تركتُ بيت السيد القادري، بعد أن سلمته مطبوعا حددتُ فيه أماكن وتوقيت التجمعات، وطلبت منه أن يتصرف بما يراه مناسبا في برمجة لقاءاته حسب ما يراه من أولويات تخدم حملته، ثم عدت إلى المكتب وحكيت ما وقع للجنة الحزبية المكلفة بالانتخابات، وكان موقفهم هو الرفض الحاد لـ«كل ما قدمته من تنازلات لصالح المرشح المنافس»، في اعتقادهم.
أصررت على موقفي مؤكدا أن السياسة أخلاق أولا وقبل كل شيء. وأعدت على مسامعهم تاريخ أبي بكر القادري في النضال والوطنية بالمغرب وفي مدينة سلا بالذات».
كيف انتهت إذن هذه «الأزمة» التي عاشها مولاي المهدي العلوي في قلب مدينته «سلا»؟ فقد كانت كواليس الحملة الانتخابية في المدن الرئيسية، محمومة، وتطورت في بعض المدن الأخرى إلى مواجهات دامية بين أنصار المتنافسين.. كان تدبير الحملة في الحقيقة مجرد بداية لما كان ينتظر العلوي، من «متاعب» بعد 1963.





