حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةفسحة الصيف

«اليسار الإسلامي» أو «التهمة» التي تنتظر المتعاطفين مع قضايا المسلمين

كتاب «التعاون الآخر.. الأصول الفرنسية لليسار الإسلامي» لميشيل أونفري

كتاب ميشيل أونفري الجديد «التعاون الآخر.. الأصول الفرنسية لليسار الإسلامي» هو مساهمة من هذا الفيلسوف في جدل سياسي وفكري عقب استعمال مفهوم «اليسار الإسلامي» مرارا من طرف سياسيين فرنسيين لنقد تعاطف بعض المفكرين والباحثين مع الأطروحات الإسلامية. فقد صرحت وزيرة التعليم العالي في فرنسا، فريديريك فيدال، قبل ثلاث سنوات، بأن شبح «اليسار الإسلامي» يطارد فرنسا، واستخدم هذا المصطلح أيضًا وزير التعليم جان ميشيل بلانكي، وأصبح استهداف المفكرين المشتبه في صلتهم بما يسمى «الإسلام السياسي» – سيما المتخصصين في دراسة العنصرية المؤسسية أو العلاقات الاجتماعية في فرنسا ما بعد حقبة الاستعمار- أمرا واضحا الأشهر الأخيرة، وهو ما يعكس توجه السلطة نحو اليمين المتطرف في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية لعام 2022، بحسب مراقبين. ويستخدم اليمينيون في فرنسا مصطلح «اليسار الإسلامي» عند الحديث عن أوجه الاتفاق والتحالف السياسي المزعوم بين الإسلاميين واليساريين في البلاد، وخاصة حول قضايا، من قبيل الحجاب واستقبال اللاجئين.

 

علاقة الفلاسفة الفرنسيين بالإسلام تاريخية

علاقة الفلاسفة الفرنسيين بقضايا المسلمين والإسلام ليست وليدة اللحظة، وعودتهم التَّأمُّلية إلى التراث الإسلامي هي تقليد ثقافي فرنسي، يضرب بجذوره العميقة في جدالات القرون الوسطى ونقاشات عصر الأنْوار؛ فقد كَتب عن الإسلام، ديانةً وحضارةً، العديدُ من مُفكِّري فرنسا وعلى رأسهم: فولتير (1694- 1778)، مونتسكيو (1689- 1755) وفيكتور هيجو (1802- 1885) وخاضوا جميعهم غمارَ البحث في نصوص هذا الدين وثقافته، تأويلاً وتحليلاً. وآخِرُ العائدين إلى نصوص الإسلام، في أيامنا، المفكر الفرنسي ميشال أنفري Michel Onfray، الذي شغل منصبَ أستاذٍ للفلسفة في التعليم الثانوي لسنواتٍ، ثمَّ استقالَ لِيُؤَسِّس «الجامعة الشعبية» بهدف تبسيط المعارف وإشاعتها بين العموم، دون ارتباطٍ بالمنظومة الجامعية الرسمية. اشتهر أنْفري، كذلك، بتوجهه اليساري، فيما يتصل بمواقف السياسة، وتبني مبدأ اللذة (hédonisme) في مجال الفلسفة، متأثرًا في ذلك بتيارات الفَوضوية وفلسفات القوة والذاتية كما تبلورت في أنساق سبينوزا (1632- 1677) ونيتشه (1844-1900). ولذلك بات الرجل يمثل وَجهًا إعلاميًّا دائمَ الحضور في وسائل الإعلام الفرنسية.

ففي أعقاب مأساة السابع من أكتوبر، عاد أونفري بكتاب جديد في سياق الجدل الذي خلفه مفهوم «اليسار الإسلامي»، وتساءل عن سبب احتفال ملايين الفرنسيين بيوم عظيم للشعب الفلسطيني. لذلك يدور كتابه حول السؤال التالي: ما دور فلاسفة القرن العشرين في بناء هذا الشغف المخيف والحزين، وهو الإقرار بسادية الجلادين ضد الضحايا الأبرياء؟ وأي شكلٍ كان يمكن أن تتخذه معاداة السامية لدى سارتر، الذي يعتقد أن اليهودي لا وجود تاريخي له خارج معاداة السامية التي تُوجده، رغم وجوده منذ ثلاثة آلاف عام؟ ولدوبوفوار التي سئمت من المناوشات التي أحاطت بآن فرانك؟ ولدولوز الذي ينحني أمام ياسر عرفات، أو لدى فوكو الذي يُحب ملالي إيران حبًا جمًا، والذين يعتمدون على معاداة السامية وشعارهم تدمير دولة إسرائيل؟ ولدى جينيه الذي يُشيد بهتلر، ورجال الميليشيات والغيستابو؟ ولدى جان لوك نانسي الذي يرى معاداة السامية في كل مكان، باستثناء هايدغر الذي انضم إلى الحزب النازي، ولم يجد أي خطأ في موت ستة ملايين يهودي حتى وفاته عام 1976؟ أو لدى آلان باديو الذي تبدو له المسألة اليهودية مجرد مسألة لسانية؟ ولدى روجي جارودي، الشيوعي المتعصب، الذي اعتنق الإسلام، والذي يبدو أنه انتصر اليوم بعد وفاته في «اليسار».

ففي الوقت الذي يتم فيه تعريف «اليسار الإسلامي» في السياق العربي بأنه الخطاب الثالث الذي يقف في المنتصف بين السلفية التقليدية القائمة على النقل واليسار التقليدي الذي يعمل على دحض الدين والتراث، وهو بذلك يشكل رابطًا ونقطة التقاء فكرتين متباعدتين إلى حد كبير.. فاليسار الإسلامي يطرح من منظوره سبل التحول إلى الحداثة مع الحفاظ على جوهر الفكر العربي الإسلامي وذلك بأدوات منهجية علمية وبرؤى حداثية تستجيب لمتغيرات العصر، فالموازنة بين الأصالة والمعاصرة هي المشروع الأساسي والطريق الأوحد لنهضة الأمة المتعددة وتحررها أولًا من القوالب المعرفية الموروثة وثانيًا من التغريب الوافد.. فإن هذا المصطلح، في سياق الجدل الذي عرفته الساحتان السياسية والفكرية الفرنسية، هو تعاطف قوى اليسار بكل مواقعها مع قضايا المسلمين.

 

اليمين «الوطني» واليسار «الخائن»

تعليقا على تصريحات وزيرة التعليم العالي الفرنسية بخصوص ما تسميه «اليسار الإسلامي» وتقييمها لردود مؤتمر رؤساء الجامعات والمركز الوطني للبحوث العلمية، اعتبر أونفري أن ردود فعل الوسط الأكاديمي سلطت الضوء على التناقض في الخطاب السياسي لكبار ممثلي الدولة. ولعل أكثر ما يدعو للقلق هو استخدام الدولة مصطلحات تندرج ضمن إطار نظريات المؤامرة، وبالتحديد الادعاء بوجود مؤامرة تحبك ضد فرنسا من الداخل من طرف خونة الأمة، يُقصد بذلك الأكاديميون الذين يعملون جنبًا إلى جنب مع «المتطرفين الإسلاميين» لإفساد الشباب الفرنسي، بحسب تعبير تيارات يمينية فرنسية.

وأضاف الفيلسوف أنه عندما يشير مؤتمر رؤساء الجامعات والمركز الوطني للبحوث العلمية إلى أنه لا يمكن أن يكون «اليسار الإسلامي» موضوع دراسة أكاديمية، فإنه يعني بذلك أن استخدامات هذه الفكرة أيديولوجية وأمنية بحتة. وهي تهدف إلى ترسيخ فكرة خيالية مثيرة للقلق عن مجتمع محاصر لتبرير اتخاذ جميع التدابير السياسية والقانونية بتعلة «حماية» السكان من الخطر الوشيك، التي تقيّد الحريات وحرية التعبير بما في ذلك أيضا الحريات الأكاديمية.

وذكر أونفري أنه يتم بانتظام نشر قوائم بأسماء المثقفين والأكاديميين المشتبه في وجود صلة لهم مع «العدو» في الصحف الرئيسية أو على حسابات تويتر، والتي لا تكون بالضرورة مجهولة المصدر. وتم تصنيف بعض الباحثين على أنهم يمثّلون تهديدا أخلاقيا وملموسًا على المجتمع، واتُّهموا بأن عملهم سيكون أساسا أيديولوجيا للتعصب الإجرامي. في المقابل، يعتبر نشر مثل هذه القوائم بمثابة دعوة مستترة للعنف (ضدهم) بسبب تعبير الفيلسوف.

وفي إجابته عما إذا كانت تصريحات وزيرة التعليم العالي محاولة للتغطية على الصعوبات المادية التي يواجهها الطلاب والباحثون في السياق الحالي لجائحة كورونا، قال الفيلسوف «منذ بداية الوباء، تُركت بعض الجامعات للتصرف بمفردها حيث اضطرت إلى توزيع وجبات على الطلاب الذين فقدوا وظائفهم أو الدعم المادي الأسري بسبب الأزمة الاقتصادية، أو نشر تدابير المساعدة لشراء الأدوات الرقمية مثل أجهزة الحاسوب». وأعرب أونفري عن قلقه الشديد في الظروف الحالية بشأن تفضيل الوزارة شن حرب ضد عدو وهمي على حساب التعامل مع المشاكل الحقيقية التي يواجهها المجتمع الأكاديمي والتي تستمر في التفاقم. ويقول إن ما يحدث لعبة خبيثة تتمثل في إضعاف ما هو هش بالفعل، إذ تتعرض حرية التعبير والمعرفة لهجوم عنيف من قبل حركات يمينية متطرفة فاعلة وفتاكة، ولكن ما يحدث في المقابل هو استهداف فضاءات إنتاج المعرفة الحرة، بينما الطلاب الذين تُركوا بمفردهم لمدة عام يحتاجون إلى مؤسسات قوية يعتمدون عليها، ولكن ما يحدث أن هذه المؤسسات باتت تجرّد من أهليتها وشرعيتها.

يرى أونفري أنه كثيرا ما كان العمل على هذه المسائل معقدا في فرنسا، فعندما بدأت دور النشر الفرنسية المرموقة في ترجمة مواد مهمة في مجال دراسات ما بعد الاستعمار إلى الفرنسية أوائل العقد الأول من القرن 21، كان رد الفعل فوريا قاده باحثون فرنسيون شعروا بأنه لم تعد لهم فائدة وأن مجالات بحثهم افتكت منهم. وذكرت أيضا أن الدراسات ما بعد الاستعمارية تستحق معاملة مميزة من وسائل الإعلام الفرنسية والفضاء السياسي، ويجب فهم السبب الذي يكمن وراء إثارتها «الكراهية». وتعبيرا عن رأيه بشأن سلسلة الهجمات التي تستهدف العلوم الإنسانية الأسابيع الأخيرة من داخل الطبقة السياسية وجزء من النخبة المثقفة، قالت الفيلسوفة الفرنسية «يمكننا القيام بالعديد من التحليلات. من ناحيتي، أود التأكيد على نقطة واحدة. أود الإشارة إلى ما أسماه المفكر وعالم الاجتماع البريطاني ستيوارت هال في التسعينيات (الأصولية العرقية) الذي يحيل إلى ظهور (شكل جديد من القومية الدفاعية والعنصرية) التي تجتاح المجتمعات في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية».

وفي فرنسا، تجد هذه «الأصولية اليمينة» الآن موطئ قدم لها في السلطة، قد يكون ذلك عن قناعة، أو ربما يعود إلى «الانتهازية الانتخابية». لقد أنذرت فترة ولاية دونالد ترامب بوضوح بما يمكن توقعه: هجوم مباشر على الديمقراطيات الليبرالية بدعم من الجماعات الرجعية أو المتطرفة، بحسب تعبير الفيلسوفة الفرنسية.

 

وجهة نظر مختلفة

يعتبر ميشيل أونفري امتدادا لفلاسفة ما بعد الحداثة في فرنسا، وأسهم بصفة جدية في الفلسفة الفرنسية المعاصرة، وهو معروف بغزارة مؤلفاته التي تعد بالعشرات. لم يبدأ الكتابة إلا أواخر الثمانينيات، لتتوالى الإصدارات بمعدل كتاب في العام على الأقل، فاستحق لقب أكثر الفلاسفة غزارة وظهورا في الإعلام. كان يحلم بأن يكون سائق قطار، فإذا به من أبرز مفكري الجيل الجديد في فرنسا، ومن وجوه «اليسار المعادي لليبرالية». بنى خطابه على فلسفة المتعة، وأعاد قراءة المعلمين الكبار. يرى أونفري أن الفلسفة فن للوجود، وأن غايتها الوصول إلى السعادة القصوى عبر المتع الحسية والفكرية، وأعاد قراءة تاريخ الفلسفة تحت عنوان «تاريخ مضاد للفلسفة».

لذلك فالكتاب هو جدل بين أونفري والكاتب والصحافي إريك زمور، ففي الوقت الذي يؤكد زمور أن موازين القوى في العالم ليست اقتصادية بقدر ما هي ديمغرافية، وذكر أن النمو الديمغرافي انقلب لغير صالح البيض، الذين كانوا أربعة أضعاف إفريقيا، واستعمروا العالم وأبادوا الهنود الحمر والسكان الأصليين واستعبدوا الأفارقة، وأوضح أن اتجاه التيار اليوم انعكس، وأن البيض غدوا هم من سيكونون بالنسبة للمهاجرين الجدد محل الهنود الحمر والعبيد. وقال أيضا «إن لواء المهاجرين الجدد هو الإسلام، مؤكدا أن كل مشاكل فرنسا، على غرار البطالة ونقص المدارس والمستشفيات وغيرها زاد وجود المهاجرين حدتها، وبالتالي زاد الإسلام تلك الحدة». وقال «إن مفاهيم مثل التعايش والتسامح وغيرها لم تعد صالحة اليوم، لأن المهاجرين الذين يحتفظون بكل عناصر هويتهم ويريدون التمسك بالشريعة سيخضعون الفرنسيين الأصلاء لأحكام الشريعة والحلال»، وبالتالي «سيعاملوننا كمستعمرين، عن طريق الجهاد، ووسيلتهم الكلاشينكوف وزيهم الجلباب».

ولكن، في المقابل، يرى أونفري أن جائحة فيروس كورونا المستجد ستشكل مرحلة جديدة ضمن «انهيار الحضارة اليهودية المسيحية»، حسب التحليل الذي قدمه في كتابه، واعتبر فيه أن الحضارة الغربية في انهيار متواصل، وتعيش حالة من الهرم، مشيرا إلى غياب الإبداع الأدبي والفني الحقيقي ضمن استعراضه مظاهر أفول الغرب. ويتابع أونفري القول إن أيديولوجية أوروبا آخذة في الانهيار، وذلك نتيجة السياسة الليبرالية التي تبرر وضع كبار السن في ممرات المستشفيات وتركهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، كما أن إلقاء الفريق الطبي في «ساحة الحرب»، والعجز عن توفير أقنعة لهم أو حتى معقم كحولي؛ لا تنذر كلها بالسقوط ولا تعجل به فقط، بل تظهر بشكل كامل الطرق التي يسلكها هذا السقوط.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى