حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

ركلة جزاء مميتة

حسن البصري

لم يمت المشجع الرجاوي مصطفى بالسكتة القلبية، بل مات فداء للمحبوب. لم تقتله جلطة القلب أو الدماغ، بل تحالف عليه القهر والفقر والهزيمة.

عندما تلقت شباك حارس الرجاء هدفا في الوقت الميت من المباراة مات مصطفى من شدة الغيظ، لم يتحمل قلبه صدمة ثانية، بعدما عانى من مضاعفات إقصاء منتخب بلاده في كأس العرب.

في حي لمكانسة الهامشي، ظل مصطفى، عامل النظافة، يعتقد أن الرجاء قادر على ترميم المعنويات المكسورة، وحين تخلص من بذلة الشغل حجز لنفسه مقعدا في المقهى وهو يتوعد الجزائريين والمصريين. لقد عشق الرجل الكرة وجعل منها مشروعه القومي وقوته اليومي وسخر حياته لها.

ولأن المقاهي لا تتوفر على حقيبة إسعاف ولا هاتف سيارة إسعاف، فإن النادل يحرص على جمع محصول الفرجة قبل أن ينفض الجمع، ولا يسمح للزبون بالخروج إلا إذا شعر بالاختناق.

مات مصطفى عاشقا للرجاء، أفرج الطبيب الشرعي عن الجثة، وكتب في تقريره أن الفتى مات وفي صدره شظايا الكرة، وفي جوفه بقايا صرخات مصادرة، ومنح أهله ترخيصا بالدفن وتوصية بالابتعاد عن الكرة.

في ليلة التأبين، تجمع رفاقه حول موائد العزاء، أكلوا عشاء الميت وأعادوا تفتيت المباراة التي أودت بحياة رفيق دربهم، لعنوا لاعبين متهاونين ورفعوا أكف الضراعة إلى الله كي يخلصهم من مدرب أجنبي قبل أن يجهز على باقي القلوب.

مات المشجع الرجاوي مخلفا وراءه هزائم إنسانية كبرى، توقفت نبضات قلبه بسبب مباريات أشبه بحروب عربية، القتلى فيها من أبنائنا والأسرى من أولادنا، ونحن فيها الفائزون والخاسرون.

لم يكن الإنجليز يظنون أن اختراعهم لكرة القدم، ونشرها كلعبة ترفه عن النفوس، سيتحول إلى ما يشبه التراجيديا، بعد أن أصبحت الكرة محشوة بالديناميت القاتل، فبسبب جرعات العشق الزائدة مات مشجعون أبرياء وفي قلوبهم غصة الانكسار.

أيها المشجع عذرا فكلما أهدر لاعب هدفا أهدر الفريق دمك، وأعلنت حالة حداد في صفحات الأنصار ثم تصبح صورتك على الحيطان الرطبة وعليها عبارة “لن ننساك”.

لا تسمح مساحة الورق بجرد أسماء المشجعين الذين ماتوا بالسكتة القلبية، أغلبهم لم يبالوا بتحذيرات الصحافيين من مباريات ذات الضغط العالي، لم يعيروا اهتماما لعنوان تحذيري “هذه المباراة ممنوعة على ضعاف القلوب”.

تقول دراسة طبية إن ضربات الجزاء هي أكثر المواقف تأثيرا على القلب، وإن إهدارها يرفع الضغط من حيث لا يدري المشجع، وقد يتكرر المشهد وتلوح في الأفق بوادر السكتة القلبية، ومن لم تقتلهم الكرة يصابون بانهيار المناعة والعجز الجنسي والاكتئاب.

يموت المشجع غيظا، وتكتوي أسرته بمرارة الموت على أعتاب مباراة عابرة. في مثل هذه المواقف، لا يدان اللاعب الذي تسبب في النكبة، بل يغادر الملعب مزهوا بالهزيمة، يهرول نحوه بعض اللاعبين والإداريين والمدربين والاحتياطيين لمصافحته ورشه بعبارات الثناء، ومن لم يحظ بهذا الشرف يسابق الزمن ليربت على كتف لاعب تسبب في خسارة مباراة وموت مشجع بالسكتة القلبية.

خرجت السكتة القلبية من ملاعب الكرة ودخلت ملاعب السياسة بعد توقف اضطراري في فضاء الاقتصاد، لكن موت الكرة الفجائي خلافا لسكتة السياسة والاقتصاد لا يحتاج لائتلاف حكومي أو جدولة للديون، بقدر ما يحتاج للاعب يعلم أن الاستخفاف بقميص النادي أشد ألما من أزمة سياسية أو تضخم اقتصادي.

في زمننا ينشغل الناس بمدى صحة ضربات الجزاء أكثر من انشغالهم بمدى صحة وعود منتخبيهم، ولا يهم إن فاز المرشح بالتزكية أو فاز بالتزوير أو ظفر بالتعيين في منصب مدر للوجاهة، المهم ألا ينهزم الفريق برعونة.

خسر الفريق بضربات الجزاء، لله يرحمه ويجازيه عنا خير الجزاء.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى