شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

زحمة يا دنيا زحمة

 

 

حسن البصري

تفاعل الرأي العام مع بلاغ جريء صادر عن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في السابع من شهر غشت الجاري، والذي كشف حالة الازدحام الذي تشهده المؤسسات السجنية وارتفاع عدد الساكنة، نتيجة ارتفاع وتيرة الاعتقال وما يترتب عنه من مضاعفات على قاطني السجون.

شاطرت رئاسة النيابة العامة المندوبية قلقها وتقاسمت مع القائمين على السجون هواجسهم، وأثنت على جهودهم في تدبير مرافق يقطنها الخارجون عن القانون والداخلون إلى مربع الجريمة، وشكرت مساعيهم لتحقيق الحد الأدنى من الاندماج.

الجديد في بلاغ رئاسة النيابة العامة هو ارتفاع عدد المعتقلين القادمين من مدرجات الملاعب، حيث زحفوا بقوة على السجون وشكلوا ثلث القاطنين خلف القضبان، وراء المتاجرين في المخدرات والمدانين بجرائم الأموال. هذا الحضور القوي للمشجعين في السجون يرتفع بشكل مخيف في مركز الإصلاح والتهذيب إلى درجة تجعل الزنازين والساحات فضاء لاستقطاب أفراد آخرين لحركة الالتراس.

دقت مندوبية السجون ناقوس الخطر، وأوضحت أن اختناق السجون يسقط المقاربة التربوية ويؤجلها إلى يوم تصبح فيه السجون قادرة على استيعاب ضيوفها، وتمسي على مقاربة تروم أنسنة هذه المرافق، التي لا تختلف في اكتظاظها عن «فيراجات» الملاعب في مباريات ديربي، دون إغفال حاجة المجتمع للأمن والسلام.

اليوم أضحى المشجع المعتقل جزءا من إشكالية الاكتظاظ بالمؤسسات السجنية، وأصبحت فصائل «الالتراس» معنية بهذا النقاش، إلى جانب باقي المتدخلين من جمعيات الأنصار والصحافيين الرياضيين والمكاتب المسيرة والأمن الوطني ومندوبية السجون والنيابة العامة وهيئات القضاة والمحامين والمنتخبين وإدارات تدبير الملاعب وقس على ذلك، أملا في ترشيد الاعتقال الاحتياطي والبحث عن بدائل أخرى تجنب المشجع «وسخ» شهادة السجل العدلي وتعفيه من صفة «حباس».

قبل أن يصبح وزيرا للعدل صاح عبد اللطيف وهبي في قبة البرلمان مطالبا بالعقوبات البديلة، وحين اعتقل مشجعون سوسيون جدد المطلب، وكان حينها محاميا لحسنية أكادير، ألح الرجل على إخراج مشروع العقوبات البديلة إلى الوجود متسائلا عن سر البطء في تنفيذه الوصفات الثلاث: العمل لأجل المنفعة العامة، أي إمكانية مساهمة المدان في عمل خيري. المراقبة الالكترونية التي تمنعه من ولوج بعض بؤر النزاع أو السفر. تقييد بعض الحقوق وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية حين يتعلق الأمر بإدمان.

سيصبح البرلماني وزيرا للعدل، وسينام على وسادة العقوبات البديلة، وسيقول في رده على سؤال للفريق الحركي، عقب أحداث شغب ملعب الرباط، «يستحسن منع المشجعين المشاغبين من ولوج الملاعب وتقييد حرية تحركاتهم إلكترونيا أو إصلاح الأضرار الناتجة عن الجريمة كبديل عن العقوبات السالبة للحرية»، لكن كلام الوزير في البرلمان لم يغير في واقع الأمر شيئا، لأن المعتقلين قضوا عقوبتهم الحبسية وخرجوا من السجن يحملون صفة معتقل مدرجات سابق.

في زمن مضى لا يدخل مشجعو الفرق السجون إلا إذا ارتكبوا الكبائر، ولا يدخله الرؤساء وإن اغتنوا من مال الكرة، ولا يدخله الحكام وإن تبث تورطهم في صنع نتيجة مباراة، ولا يدخله اللاعبون وإن باعوا المباريات تحت جنح الظلام.

اليوم فاق عدد معتقلي الملاعب كل التوقعات، لأنهم لا يساقون فرادى نحو السجون، ولأن معتقلي الكرة يحظون بقيمة اعتبارية في أهازيج المدرجات، فالجماهير تطالب بحريتهم والشعارات ترفع لأجلهم وحين يغادرون السجن تطلق الشهب النارية قرب البوابة الرئيسية ويستقبل حين عودته للمدرجات استقبال المناضلين في زمن سنوات الرصاص.

بالأمس كانت إدارة السجن تضرب ألف حساب للشيوعيين والماركسيين والقاعديين والطليعيين والانقلابيين والإخوان المسلمين، لكن مع هيمنة الكرة على البلاد والعباد، أصبح لفصائل المشجعين مكانة في جغرافيا السجون.

والسجن ليس حتما للشجعان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى