حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف التاريخ

«سفيتسكي».. سيرة تاجر السلاح سكن طنجة وباع سلاحه للحكومات

كشفتها وثائق «CIA» تعود إلى سنة 1948

يونس جنوحي

«كان يحظى بحماية الأمريكيين إلى حدود بداية الخمسينيات.. لكن بعد عودة طنجة الدولية إلى السيادة المغربية سنة 1956، لم يعد اسم «سفيتسكي» يظهر في العلن نهائيا. بحث عنه الأمريكيون والسوفيات والبريطانيون والفرنسيون.. وانتشرت الروايات التي تؤكد تورطه مع النازية.. وكان طبيعيا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أن يغير ولاءه، رغم أن ولاءه كان للمال فقط.

تاجر السلاح «سفيتسكي» سكن في طنجة، واستقر فيها لسنوات، وربط فيها صداقات، وغادرها في الظلام، ولم يترك وراءه سوى «السراب».. هذه قصة تاجر السلاح الذي اتخذ من طنجة «مكتبا» مريحا له، وأصبح في فترة من الفترات «طنجاويا»، يبيع السلاح إلى حكومات دول مستقلة».

++++++++++++++++++++++++

 

++++++++++++++++++++++++++++++++

 

التهريب والجريمة المنظمة تحت سماء طنجة الدولية قبل 90 سنة

لطالما اشتكت الصحافة البريطانية من عمليات التهريب، التي «انفك» خيطها في طنجة الدولية. عندما اجتاح الألمان بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، خاف أثرياء لندن على التحف واللوحات الفنية الأصلية، وفكروا أولا في نسخها لتضليل الساعين خلفها، أو تخصيص أنفاق أو ملاجئ تحت الأرض لإخفائها، لكن السياق والظرف الزمني العصيب لم يكن ليسمح باتخاذ إجراءات مماثلة، قبل أن تقع الكارثة. وهكذا كان الحل الوحيد، تهريب التحف نحو طنجة الدولية، بحكم الدور التاريخي للمدينة وخصوصيتها السياسية أيضا، بحكم أنها منطقة يسيرها مجلس من جنسيات مختلفة، ولها طابع «دولي».

ما قصة طنجة الدولية إذن مع التحف؟ يعود وجود التحف النادرة في طنجة الدولية إلى العهد الروماني. وقد انتبه العلماء الفرنسيون إلى هذه الجزئية، وأطلقوا عمليات تنقيب منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وتوصلوا إلى نتائج وصفتها الصحف الفرنسية وقتها بـ«المدهشة».

في سنة 1935، بالضبط في قيظ شهر غشت، كان باحثان فرنسيان، اسمهما على التوالي «بونسيش» و«شاتلان»، مسؤولين عن عملية تنقيب أثرية في منطقة مرشان.

الغنيمة كانت استخراج بعض رؤوس وأطراف تماثيل تعود إلى المرحلة الرومانية، ومنها قطع صنفها الباحثون والمؤرخون في معارض باريس، جزءا من قطع أثرية وفنية تعود إلى سنة 25 قبل الميلاد.

كيف رُحلت هذه القطع من بطن أرض مرشان في طنجة إلى متاحف باريس وفيلات أثرياء المدينة؟

هناك شبكة من سماسرة الآثار والمهتمين بجمع التحف، كانت تنشط في الدار البيضاء، خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وتسهل عمليات بيع التحف من مواقع أثرية مغربية، كان يحج إليها باحثون ومنقبون فرنسيون برعاية الإقامة العامة الفرنسية في الرباط، مستغلين غياب إشراف رسمي مغربي على تلك المواقع الأثرية.

أحد الباحثين الذين تحدثنا إليهم في «الأخبار» بهذا الخصوص، علق على الأمر قائلا: «الأمر يشبه ما وقع في مصر خلال فترة بداية التنقيب في قبور الفراعنة. جاء الإنجليز والفرنسيون وحصلوا على مومياوات ملوك الفراعنة، ورحلوها بدون مشاكل إلى أوروبا لكي تُعرض هناك. وعندما حصلت مصر على الاستقلال، طالب سياسيون ومثقفون مصريون باستعادة المتعلقات المصرية من متاحف لندن وباريس. الأمر نفسه حدث في المغرب».

سبق للباحث المغربي عبد العزيز خلوق التمسماني، مدير دورية «الطنجيون»، أن نشر معلومات مهمة في سنة 2004، تتعلق بالتماثيل الرومانية التي استخرجت، خلال عمليات التنقيب التي أشرف عليها الفرنسيون في ثلاثينيات القرن الماضي.

وذكرت المجلة أن المنقبين استخرجا، بمساعدة عمال محليين مغاربة، تمثال سيدة من العصر الروماني، يجسد الحياة اليومية للمرأة الرومانية في شمال إفريقيا، حيث كانت تنحني نحو الأرض، ولباسها يصل إلى الأرض، وتجمع ذراعيها حول جسدها وكأنها تعانق نفسها.

وصلت عمليات الحفر إلى عمق ثمانية أمتار، وأثمرت عن استخراج رأس تمثال يعود إلى أحد ملوك الدولة الرومانية، ويندرج في إطار «التماثيل التخليدية»، من تلك التي تُنحت إكراما لذكرى ملوك الرومان بعد وفاتهم.

هذه التماثيل لا تقدر بثمن، لكن مصيرها إلى اليوم، وسيناريو تهريبها خارج المغرب قبل سنوات، لا يزال ضبابيا.

لولا استقرار تجار السلاح والمهربين والباحثين عن الذهب والمعادن النفيسة، وحتى المطلوبون للحكومات الأجنبية بتهم التهريب تحت سماء طنجة، لما اكتسبت «طنجة الدولية» المكانة التي احتلتها عالميا، ولما استأثرت باهتمام صناع السينما وكتاب الروايات البوليسية.

 

 

تُجار السلاح.. عندما التقى أباطرة أمريكا اللاتينية وأوروبا في «البوليفار»

عندما عمّ وباء الحمى الإسبانية الشهيرة سنة 1918، وفرض الأطباء في إسبانيا والمناطق المجاورة لها – بما فيها طنجة- الحجر الصحي التام، كان أول المتضررين من هذا «الحجْر»، هم الناشطون في التهريب عبر ميناء طنجة. فقد كان إغلاق الميناء والفنادق ومنع دخول أو خروج المسافرين، يحول دون استئناف أنشطة تهريب وتجارة الأسلحة، التي كانت منتشرة في مخابئ طنجة الدولية خلال بداية القرن الماضي.

ويبقى التاجر الألماني «أولاف.هـ» أحد أشهر من مارسوا تجارة السلاح في طنجة الدولية، بعد الحرب العالمية الأولى، وازدهرت تجارته فيها، إلى درجة أنه كان يعقد صفقات بملايين الفرنكات في طنجة، وأشيع عنه، حسب ما نقله الحاج إدريس الريفي، أحد أكبر حلفاء الإسبان في الشمال في عشرينيات القرن الماضي، والعدو اللدود للريسولي، زعيم «جبالة»، أن «أولاف» لم يكن يقو على مغادرة طنجة الدولية، لأنه كان مطلوبا في أوروبا في عدد من القضايا المرتبطة بالنصب والاحتيال والابتزاز والاتجار في السلاح.

وقد تعامل «أولاف» مع عدد من الشخصيات، خلال حرب الريف، وأثير اسمه في الوثائق الألمانية، بحكم أن مسؤولي بلاده لم يكونوا راضين عن تعامله مع الإسبان.

وجاء في بعض وثائق الأرشيف أن الحكومة الألمانية حاولت الاتصال بـ«أولاف» في طنجة، لإقناعه ببيع سلاح ألماني إلى ثوار الريف، رجال محمد بن عبد الكريم الخطابي، لكنه لم يجد الصفقة مغرية، وتحدى حكومة بلاده التي اجتمع معه ممثلون عنها في قلب مدينة طنجة، وأخبرهم أنه تاجر ولا يقبل على نفسه أن يتحول إلى مجرد سمسار يحصل على «عمولة» مقابل الوساطة بين الألمان وثوار منطقة الريف.. وهكذا ارتمى «أولاف» في عالم الجريمة المنظمة، بعد أن استعان برجال من أمريكا اللاتينية كانوا ينشطون بدورهم في تهريب السلاح.

استمر نشاط «أولاف» في طنجة الدولية ما يقارب عشرين سنة، ما بين سنتي 1925 و1945.. والتقى مع تاجر السلاح الشهير «سفيتسكي».. لكنه اضطر إلى إخلاء طنجة الدولية مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بعد أن أصبح مبحوثا عنه من طرف المخابرات الأمريكية، بتهمة التعامل مع النازية.. إذ جمع عنه الأمريكيون معلومات مهمة تفضح امتلاكه لعمارة في «البوليفار»، والتي حولها إلى مقر للاجتماع بأخطر المطلوبين في أوروبا، خلال الحرب العالمية الثانية، وكان يعقد صفقات بيع سري للسلاح، بتزكية من النازية الألمانية، لتمويل اشتباكات في شمال إفريقيا، خصوصا في تونس. اختفى «أولاف» لسنوات طويلة، وكُتبت مقالات في ستينيات القرن الماضي، في مجلات أمريكية، تدعي أن «أولاف» قُتل على يد تجار أسلحة متعصبين كان يدين لهم بالمال، في حين ذهبت روايات أخرى إلى تأكيد أن «أولاف» توفي بهدوء في الأرجنتين، التي نزح إليها بعد الحرب هربا من مذكرات البحث، حيث كان هناك على اتصال وطيد بالنازيين الهاربين إلى أمريكا اللاتينية.

 

 

مخزنيون مغاربة التقوا «سفيتسكي» وكادوا يسقطون في الفخ

التقارير الفرنسية التي أصدرتها الـ«SDEC»، خلال بداية أربعينيات القرن الماضي، كشفت وجود أنشطة تجارة أسلحة، تصل إلى الدار البيضاء. وهو ما أقلق المسؤولين الأمنيين في الإقامة العامة الفرنسية. إذ إن هذه التقارير تحدثت عن وجود اتصال بين تجار أجانب في طنجة الدولية، وشخصيات مغربية من مخزنيين أثرياء وأعيان.. ولم تستبعد التقارير الفرنسية أن يكون بعض الأشخاص الوطنيين الذين تراقب أنشطتهم المناهضة لفرنسا، على اتصال بهذا الخط.

التقى محمد الريفي، وهكذا ذكر اسمه في وثائق الفرنسيين، مع التاجر «سفيتسكي».. سنة 1938، ثم في سنة 1942. ولم يستبعد الفرنسيون أن يكون اللقاءان بهدف تأمين شحنة من السلاح لرجال هذا الموظف المخزني السابق.

التقرير قدّم محمد الريفي على أنه أحد أعيان منطقة الشمال، وابن رجل من رجال المخزن الثقاة أيام السلطان عبد العزيز، وأن لقاءه بالتاجر «سفيتسكي» كان بهدف إبرام صفقة شراء بنادق لتسليح رجال «جْبالة»، لتأمين المسالك الطرقية التي كان يعلن المخزنيون السابقون سيطرتهم عليها، في ظل تقسيم المغرب على يد كل من إسبانيا وفرنسا، إلى نفوذين تفصل بينهما الحدود البرية، ويتعلق الأمر بالمنطقة الخليفية ومنطقة النفوذ الفرنسي.

ولم يكن محمد الريفي الوحيد الذي التقى مع التاجر «سفيتسكي»، فقد أشيع أيضا أن المهدي المنبهي، وزير الحرب المغربي السابق، قد التقى بهذا التاجر سنة 1939، في قصره بمرشان. لكن يُستبعد أن يكون اللقاء بهدف إبرام صفقة سلاح، بحكم أن وزير الحرب المغربي المتقاعد، الذي لجأ إلى طنجة بعد انقلاب حكومي ضده، بسبب فشله في إلقاء القبض على الثائر بوحمارة واتهامه بسرقة مال الدولة، كان قد ابتعد عن أي نشاط سياسي.

اشتبه في أن يكون اللقاء بين الرجلين بهدف شراء قصر المنبهي في آخر حياته، وهو ما لم يتم. فقد ظل القصر مملوكا للوزير المهدي المنبهي، إلى أن توفي سنة 1941، لتنتقل ملكية القصر إلى ورثته. وحسب ما كتبه الباحث المغربي الصديق الروندة، فإن ورثة الوزير بددوا ثروته، وعانى أحفاده من الفقر..

الرواية الأخيرة منطقية، ما دام قصر المنبهي قيد حياته، كان مفتوحا في وجه الشخصيات الأجنبية من مختلف الجنسيات، البريطانيين على وجه الخصوص، حيث كان يتملكهم الفضول للقاء وزير الحرب السابق والتعرف عليه، ولعب الغولف أو التنس معه في ملعبه الخاص.

الثراء الذي كان يعيش فيه المنبهي، جذب إليه شخصيات مثل «سفيتسكي».. فقد كانت الحفلات التي يقيمها الوزير حديث أثرياء طنجة الدولية. ولا بد أنهم كانوا يجدون فيها فرصة لإبرام الصفقات وعقد الصداقات المربحة.

لم يكن الفرنسيون يتخوفون من أنشطة الوزير المنبهي، فقد اتضح لهم أنه لم يعد لديه أي اهتمام بالسياسة، ولم يكن يمول أي تنظيم سياسي ولم يكن لديه اتصال بالحركة الوطنية، وجل أصدقائه كانوا من الإنجليز.. وهكذا فقد استبعدت تقارير الفرنسيين أن يكون المنبهي متورطا في عملية شراء سلاح. أما الأمريكيون فقد كانوا يعرفون «سفيتسكي» جيدا، وكان لديه اتصال قوي مع شخصيات أمريكية في طنجة الدولية، ويعرفون أيضا الوزير المنبهي، بحكم أنه كان صديقا حميما لعدد من القناصلة الأمريكيين الذين اشتغلوا في طنجة الدولية بين الحربين العالميتين.

 

السوفيات تخوفوا من تجار السلاح بطنجة والبيضاء خلال الحرب العالمية الثانية

تخوف الروس في أربعينيات القرن الماضي من أنشطة تجار السلاح الأجانب المقيمين في طنجة الدولية. فقد كانت التقارير تشير إلى وجود أنشطة مكثفة للتهريب خلال الحرب، خصوصا بعد اجتياح النازية لمعظم دول أوروبا.

رصد السوفيات نشاطا في طنجة الدولية، لبيع شحنات من السلاح في اتجاه آسيا، وهو ما جعلهم يضعون جواسيس في المنطقة الدولية وفي الدار البيضاء. وهذا المعطى تؤكده الدراسات وحتى كتابات الجواسيس المتقاعدين أنفسهم. حتى أن الدار البيضاء اكتسبت سمعة دولية في صفوف كتاب الروايات البوليسية، وسرعان ما أصبح اسم المدينة يتداول في أفلام التشويق والجاسوسية، بسبب الأنشطة السرية التي كانت تُمارس في الدار البيضاء.

ورغم أن قدماء المقاومة المغربية تحدثوا عن صفقات إدخال السلاح إلى المغرب، انطلاقا من مصر، إلا أن التقارير التي سجلها السوفيات، أكدت وجود أنشطة شراء السلاح في طنجة الدولية والدار البيضاء، راكم مهندسوها ملايين الفرنكات الفرنسية.

تورط مواطنون فرنسيون في هذه الأنشطة، وأمريكيون أيضا بعد 1943، حيث رصد الفرنسيون عمليات شراء السلاح من القاعدة الأمريكية في القنيطرة. وهو ما أكده المقاوم المغربي مومن الديوري، حيث أكد وجود اتصالات بينه شخصيا وبين موظف في القاعدة الأمريكية، سهل له الحصول على سلاح من القاعدة، مهربا عبر الشاحنات.

ولم يظهر أثر داخل المغرب للسلاح الذي تحدثت عنه تقارير السوفيات و«CIA» الأمريكية. وهو ما يؤكد وجود صفقات دولية عابرة للقارات، أبرمت في الدار البيضاء وطنجة الدولية، وشُحنت إلى وجهات أخرى.

جاء في وثيقة لـ«CIA» الأمريكية، تعود إلى سنة 1943، أن رجل أعمال فرنسي يملك شركة في طنجة الدولية، كان مراقبا من طرف الجهاز، للاشتباه في تورطه في علاقة مع السوفيات. وقد اتضح فعلا أن لديه أصدقاء روساً، وأنه استلم شحنة من خمس شاحنات نقلها عبر ميناء الدار البيضاء إلى المنطقة الدولية. وكانت الشاحنات مملوكة لشركته التي تنشط في مجال بيع الأثاث الفاخر.

لكن الأمريكيين عندما تابعوا مسار الشحنة إلى طنجة، فوجئوا أن الشاحنات لم تفرغ حمولتها في مخزن شركته بطنجة، وإنما اتجهت رأسا إلى الميناء، وغادرت الشحنة المياه الإقليمية لطنجة الدولية في نفس الليلة.. وما أكد تورط رجل الأعمال الفرنسي في تجارة السلاح، أن الأمريكيين رصدوا تلقيه مبالغ ضخمة من الروس، دون أن يظهر مبرر تجاري لحصوله على تلك الأموال.

أكد الأمريكيون أن الثري الفرنسي «م. موران»، لا بد أن يكون متورطا في التهريب وتجارة الأسلحة مع الروس. فالروسيون عندما انتبهوا إلى وجود أنشطة مشبوهة في المنطقة الدولية، أطلقوا جواسيسهم في الأرجاء، وأوهموا تجار الأسلحة أن هناك تجارا روسا، وأطلقوا عمليات تهريب وهمية، لكي يكشفوا أنشطة تجار السلاح الذين صنعوا لأنفسهم أسماء من «رصاص» تحت سماء طنجة الدولية.

 

سعت خلفه حكومات أوروبا وباع أسلحته للعالم من طنجة 

اسمه « I. V. SVETSKY»، واشتبه في أن يكون حاصلا على الجنسية الأمريكية، بالموازاة مع جنسية أخرى من جنسيات أوروبا الشرقية.

كتب الأمريكيون أن الرجل هاجر أبواه إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1897، ووُلد هناك، وغادر أمريكا لكي يستقر لفترة مهمة من حياته في طنجة الدولية، معقل صفقاته.

حصلت «CIA» الأمريكية على فواتير «سفيتسكي» – وأحيانا ينادى عليه «سفيتسكاي»- والتي تكشف بما لا يدع أي مجال للشك أن الرجل كان فعلا تاجر سلاح، يتعامل مع الحكومات.

وثيقة تعود إلى تاريخ 16 فبراير 1948، رقمها CIA-RDP82-00457R002300140015-9، ورفعت عنها السرية سنة 1999.

يقدم «سفيتسكي» نفسه في هذه المراسلة على أنه مقاول ورجل أعمال، ويعرض على وزير الدفاع الوطني في تايلاند: «بانكوك»، شراء لائحة من القذائف والأسلحة الثقيلة.

صفقة تساوي ملايين الدولارات.. من يكون إذن هذا «المقاول» الذي يعرض خدماته على وزارة دفاع دولة آسيوية، بعد الحرب العالمية الثانية؟

وكيف وصلت «الفاتورة» التي أعدها هذا المقاول إلى مكتب الاستخبارات الأمريكية في طنجة الدولية؟

سُمعة «سفيتسكي» كانت تسبقه في أربعينيات القرن الماضي. حذر منه الفرنسيون وتعامل معه البريطانيون بحذر أكبر، بينما كان القناصلة في طنجة الدولية يتجنبونه قدر الإمكان. تحدث المقيمون الأجانب في طنجة الدولية في أربعينيات القرن الماضي، عن ثروة خيالية يتوفر عليها الرجل، لكن مصدر خوفهم منه كان مرده إلى علاقته المشبوهة مع الأمريكيين. فرغم ما أشيع عنه أنه كان مبحوثا عنه، وأنه يتجنب السفر إلى الولايات المتحدة، إلا أن علاقته بموظفي مكتب التنصت التابع للاستخبارات الأمريكية في طنجة، كانت تزيد من درجة الغموض الذي أحاط بشخصيته.

تتوفر الآن في أرشيف «CIA» أربع مراسلات تحمل اسم «سفيتسكي» وتوقيعه، كلها رفعت عنها السرية سنة 1999. واحتاط الأمريكيون في إطلاقها في قسم الأرشيف لكي تصبح متاحة للعموم من باحثين ومتخصصين، عكس وثائق أخرى لم يمانع الجهاز في كشف رقمها الأصلي.

وثائق تاجر السلاح «سفيتسكي» لم يكشف عن ترقيمها الأصلي، وبدله، وضع لها رقم تسلسلي جديد يرتبط بتاريخ رفع السرية عنها. وهو ما يؤكد أن الأمريكيين أخفوا وثائق أخرى تتعلق بهذا التاجر، ربما يكون مضمونها محرجا لبعض الأطراف..

لكن الأكيد أن هذا التاجر عاش في طنجة لسنوات، ومارس أنشطته الخطيرة في قلب المدينة الدولية، وربط اتصالات مع ضيوف المدينة وشخصياتها التاريخية التي اشتهرت دوليا، خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها أيضا.

وثيقة أخرى، تعود إلى يوم 18 فبراير 1948، تؤكد أن «سفيتسكي» لم يكن مجرد تاجر سلاح عادي، أو جاسوس أمريكي مؤقت، وإنما كان رجل أعمال يملك تجارة ناجحة. فقد عرض، بعد يومين على الرسالة أعلاه، عرضا آخر على وزارة الدفاع في فيتنام، وقدم لهم لوائح أخرى من الأسلحة والذخيرة التي يتوفر عليها، والتي أكد أنه مستعد لشحنها وإبرام الصفقة فورا، أي أن شحنة السلاح كانت جاهزة.

 

تُجار السلاح خلقوا مشاكل للمخزن.. والمغرب كان حافلا بهم

نورد هنا وثيقة نادرة تعود إلى سنة 1909، وبالضبط إلى يوم 20 يناير، أي أن الوثيقة عمرها 116 سنة. الأمر هنا يتعلق برسالة قصيرة مصدرها سفارة فرنسا في لندن، وموقعة باسم السفير الفرنسي «بول كامبون»:

 

«من السيد بول كامبون سفير الجمهورية الفرنسية في لندن

إلى السيد ستيفان بيشون وزير الخارجية

لندن في 20 يناير 1909

الحكومة البريطانية قبلت تجديد الوصاية الممنوحة للحكومتين الفرنسية والإسبانية لعام آخر، والتي تنص على مراقبة تهريب السلاح والذخيرة عبر المياه المغربية.

بول كامبون».

هل كان المغاربة يهربون السلاح والذخيرة؟ وحتى لو كان الأمر صحيحا، فمن يمدهم بهما؟ لقد كان كبار تجار السلاح في إفريقيا بريطانيون وفرنسيون وراكموا ثروات ضخمة، بفضل تجارة السلاح.

ربما كانت مصالح الاستخبارات الفرنسية، التي انتشرت لاحقا بشكل رسمي في المغرب، تراقب الأوروبيين الذين كانوا يمارسون التهريب، وينقلون الذخيرة عبر المياه الإقليمية المغربية. أما المغاربة فقد كانت صلاحية الجمارك عندهم لا تتجاوز حدود رصيف الميناء. وحسب هذه الوثيقة، فإن بريطانيا رسميا كانت تتحكم في صلاحيات مراقبة المياه الإقليمية المغربية، وهو امتياز كان يعود عليها بفائدة مادية ومعنوية، خصوصا وأن الإسبان والفرنسيين كانوا يتسابقون لفرض الهيمنة العسكرية والسياسية على المغرب.

حدث هذا في وقت كانت رسائل الصداقة تصل من لندن إلى فاس. ولا بد أن أقسى درس في التاريخ تلقته بريطانيا، كان من جيرانها الفرنسيين. ففي سنة 1909 انقلبت الأوضاع وأصبح الفرنسيون يفرضون أنفسهم بقوة أكبر داخل المغرب. في مقابل تراجع البريطانيين الذين كانوا، حسب هذه الوثيقة على الأقل، يفرضون نفوذهم، بل ويتحكمون في المياه الإقليمية لمنطقة طنجة.

منذ 1909 إلى حدود 1956، تاريخ عودة طنجة إلى السيادة المغربية بعد الاستقلال، كانت المنطقة الدولية الشهيرة مسرحا لعمليات وصفقات بيع السلاح.

ولولا أن وثائق «CIA» احتفظت بوثائق تؤكد وجود هذه العمليات، بتوقيع من واحد من أشهر تجار السلاح في القرن العشرين، والذي نُسي تماما وكأنه لم يكن، لربما صعب تصديق أن طنجة كانت تحظى بمكانة عالمية في مجال تجارة الأسلحة.

«سفيتسكي» الطنجاوي كان يحظى بسمعة عالمية، وسُمح له بمزاولة أنشطته الخطيرة في طنجة الدولية، بتغاض من الأمريكيين، الذين كانوا يتابعونه أولا بأول. مؤرخون أمريكيون قالوا إن هذا التاجر ليس إلا صنيعة من صنع «CIA» الأمريكية، بينما قال آخرون تتبعوا مساره إنه تقوى إلى درجة جعلته ينقلب على «أولياء نعمته»، سيما بعد ما أصبح يشكل خطرا وعبئا على الأمريكيين، بعد الحرب العالمية الثانية وسقوط النازية.

الجريمة المنظمة خلال فترة الحرب العالمية الثانية، عرفت ازدهارا كبيرا لتجارة السلاح.. حيث ظهر أثرياء باعوا كميات كبيرة من الأسلحة إلى الحكومات التي تحررت من الاستعمار، أو تحول مصيرها بعد الحرب العالمية الثانية. ولا بد أن «سفيتسكي» لم يكن يشكل خطرا على الأمريكيين في البداية، لكن وجوده بطنجة الدولية لم يكن صدفة.. فقد كانت طنجة الدولية تعج بكل أشكال الهاربين والمهربين والخارجين عن القانون، ويحميهم تحت سماء طنجة، من نصبوا أنفسهم للسهر على تطبيق القانون!

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى